قروي في طائرة
كانت أول مرة أركب فيها طائرة..ولشدة انبهاري بكل شيء كنت أحاول إخفاء انبهاري والتصرف على سجيتي، لئلا يظن الجميع أني «قروي» بيئة.. مع أني كنت قرويًا نمرة واستمارة..
«القراوة» ليست عيبًا، وإذا كنت قرويًا فاحمد ربك لأنه ما زال أمامك الكثير لتتعلمه، وهذه ميزة وليست عيبًا، لأن الإنسان حين لا يتعلم كل يوم شيئًا جديدًا تكون حياته قد انتهت!!
ولذلك لن أخجل منك عزيزي وسأخبرك – بطولة وجه – بما تعلمته في تلك الرحلة!
جلست بجوار رجل في منتصف العمر. كان ذلك الرجل أعمى، والعمى ليس عيبًا أيضًا، وكم من كفيف تفوق على المبصرين – وأنا أحدهم – وهذا ما تعلمته أيضًا في تلك الرحلة!!
جاء موعد الغداء، وبدأ الملاحون والمضيفات بتوزيع الوجبة على الجميع، وقررت في لحظة شهامة- وشكرا لله على نعمة البصر- أن أساعد جاري الكفيف في تناول طعامه، وما إن وضعت المضيفة وجبتي أمامي، والتفت إلى جاري لمساعدته حتى وجدته ويا للهول(كما يردد يوسف وهبي دائمًا) قد التهم نصف ما في الطبق، فتشاغلت بنفسي، وتناولت غدائي، وبعد أن انتهيت، وجدت مغلفًا صغيرًا ففتحته فإذا له رائحة زكية، نظرت إليه فإذا هو أبيض بلون العلك..فوضعته في فمي ومضغته.
وبعدها بلحظات فتح جاري الكفيف المغلف الصغير، ومسح به فمه ويديه!!
فعرفت – بالمصادفة – أن الشيء الذي أمضغه الآن باستمتاع ما هو إلا منديل معطر!!
وبالهنا والشفا..ومطرح ما يسري يمري!!
أعرف أنك ستتوقف عن متابعة القراءة الآن..إذ كيف تقرأ لشخص ما تزال تفوح منه رائحة الليمون المنعش لأنه أكل منديلًا معطرًا وهو يظنه علكًا!! ولكن هذه القصة حدثت قبل عقدين من الزمان، وكنت حينها على مقاعد الدراسة المتوسطة..هو أنت لسى شفت حاجة؟!
- طبعًا في مجلة محترمة مثل المعرفة لا أستطيع أن أذكر الموقف «البايخ» الذي حصل لي في حمام الطائرة، وحتى لو ذكرته فإن رئيس التحرير سيحذفه، ولن ينشر..
ولن أتحدث عن كيفية جلوسي – ولا مؤاخذة يعني- على الحمام الأفرنجي الذي كنت أراه وأستخدمه لأول مرة، وكيف أني صعدت فوقه بأحذيتي الجديدة وانزلقت قدمي بينما كنت «متسلطن آخر سلطنة».
ولذلك سأتحدث قليلًا عن رهاب الطائرات!!
و رهاب الطائرات هو مرض منتشر لدى كثير من الناس. وإذا سمعت شخصًا يردد دائمًا أن السفر بالسيارة أفضل، فاعلم أنه إما بخيل أو مصاب بالأفيوفوبيا!!
وأنا –وأعوذ بالله من كلمة أنا- أعرف شخصًا من أقاربي مصاب بهذا المرض دون أن يدري، لدرجة أنه يركب حقائبه ثم إذا جاء موعد الرحلة وهو بداخل المطار تراجع عن السفر.
وحين سألته اعترف لي بأن قلبه غير مرتاح لهذه الرحلة، ويفضل أن يسافر في الرحلة القادمة، وأحيانًا يستقل سيارة أجرة بنفس قيمة تذكرة الطائرة أو أكثر!!
الغريب أن هذا الشخص ذاته- في شبابه -كان يركب الطائرة من الرياض إلى الظهران(هبقة كذا) لينتظر قليلًا في المطار، ثم يعود في أول رحلة إلى الرياض دون سبب مقنع سوى الاستمتاع بركوب الطائرة!!
وكلما حاولت إقناعه بأن السفر بالطائرة هو أكثر وسائل النقل أمانًا وأنها أكثر أمنًا من السيارة بخمس وعشرين مرة، وأن الطيارين يتلقون تدريبات أكثر من التي يتلقاها الأطباء، وأنه حتى لو توقفت جميع محركات الطائرة عن العمل فإن الطائرة تستطيع التحليق لمسافة قد تتجاوز تسعين ميلًا، وحتى لو لم تخرج الإطارات فإنها تستطيع أن تهبط على الرغوة قال لي وهو يهز رأسه بحسرة : هذا بلا أبوك يا عقاب!!
ومرة كنا مسافرين قبل سنوات طويلة على سيارته الوانيت موديل 83، وكان الجو حارًا، وفجأة..ارتفعت حرارة السيارة، وانطلق بخار الماء من الرادييتر، فأوقف السيارة ونزل راكضًا، ففعلت مثله..ولما هدأ قليلًا قال لي بلغة الخبير: هاه يا سعيد شفت؟ قايل لك!! لو كنا في طيارة بنقدر ننزل وننحاش كذا؟ فقلت له بكل ثقة: يا أخي معلوماتك في الميكانيكا أي كلام..أصلًا الطيارة ما فيها رادييتر!!
لم يقتنع بالإجابة تمامًا، وحتى الآن ما زال صاحبنا يسأل كل من له علاقة بالطيران: الطيارة فيها رادييتر ولا لأ؟
وأنا أحيل السؤال بدوري لك أنت..فيها ولا ما فيها؟
اللي يعرف لا يقول!!