أثار اختفاء المليارات من النحل في الولايات المتحدة الأمريكية لسبب غير معروف الخوف والفزع الشديدين في البلاد، فاختفاء أكثر من ربع خلايا النحل سيؤثر حتما على المحاصيل الزراعية وبالتالي على الثروة الحيوانية التي تعيش على النباتات، مهددا باختفاء الأطعمة من على الموائد باستثناء الخبز والماء.
فالنحل لا ينتج العسل فقط بل يلقح أكثر من تسعين نوعا من الثمار كالخيار واليقطين والخوخ والكيوي والتوت والفراولة والبطيخ والمكسرات والتفاح الذي تعتبر الولايات المتحدة من أكبر منتجيه على مستوى العالم، إي أن النحل يساهم بإنتاج ثلث الطعام الذي نأكله.ولم يختفِ النحل من أكثر من 27 ولايات أمريكية فحسب، بل امتدت الظاهرة إلى البرازيل وكندا ونيوزيلندا وبعض الدول الأوروبية، ولا تقتصر آثاره على الزراعة فقط بل يتوقع الباحثون أن تمتد للاقتصاد، فإن وصلت الظاهرة لأستراليا فسيفقد حوالي 10,000 شخص وظائفهم وستخسر الدولة مليارات الدولارات سنويا.
لست بصدد مناقشة أسباب هذه الظاهرة فلست متخصصة بهذا المجال، ولكن الظاهرة تثير تساؤلا خطيرا، فإنْ كانت الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة التي تولي اتماما كبيرا للبيئة وتحتضن الأعداد الهائلة من المؤسسات والمختبرات ومراكز البحوث المتخصصة قد فشلت في منع أو توقع حدوث كارثة كهذه، فكيف هو حال بيئتنا الكويتية التي لا تلقى إلا اهتماما متواضعا بين الحين والآخر؟! وإن كانت تلك الدول لا تزال حائرة حتى الآن في سبب اختفاء النحل وهل ذلك ناتج عن النباتات المعدلة جينيا أو طيفيليات جديدة أو الضغط العالي للكهرباء أو موجات الهواتف أو حتى خطط إرهابية لابن لادن أو روسيا، فكيف يمكن أن تحمي إمكانياتنا البسيطة ثرواتنا الطبيعية؟!
إن التهديدات التي تعرضت لها ثرواتنا خلال السنوات القليلة الماضية كالمد الأحمر ونفوق الأسماك كشفت عن نقص الإمكانيات المتاحة للحفاظ على البيئة، كما عكس إرسال العينات لاختبارها في الخارج وتأخر ظهور نتائج الفحوصات والغموض في الكشف عنها قلة الاهتمام وشح الطاقات.إنني أستغرب حقيقة من مطالبة أحد نواب مجلس الأمة بفتح المحميات لأصحاب المواشي من خراف وغيرها للاستفادة من مراعيها، فالهدف من إنشائها هو حماية ما بداخلها من نباتات وكائنات حية من الانقراض ومنع تعرية التربة وتعريضها للانجراف، ووجود عدد قليل من المحميات في الكويت يستوجب الحفاظ الشديد عليها.إن جهود وأنشطة الهيئة العامة للبيئة ومركز العمل التطوعي وغيرها من الجهات الداعية لحماية البيئة بحاجة إلى المزيد من التفعيل والدعم والتشجيع.
كما أن البلد بحاجة إلى حملات إرشادية كبيرة للتوعية بأهمية حماية البيئة والاستفادة من التجارب البيئية الغربية والعربية، ومنها التجربة الأردنية الرائدة في نشر الشرطة البيئية ووضع نظام لتحرير المخالفات على التجاوزات البيئية والتي تشمل إلقاء النفايات من نوافذ السيارات وانبعاث الغازات من عوادم السيارات، وضجيج المركبات، والقطع العشوائي للأشجار وانبعاث الأدخنة من المصانع المخالفة للتعليمات والتي تتجاوز حدود المواصفات المسموح بها، والصيد دون ترخيص أو في الأماكن والأوقات المحظورة.
إن المحافظة على البيئة وكل مكوناتها من ماء وهواء وتربة وكائنات أمانة في أعناقنا لأنها هبة من الله تعالى سخرها لنا إلى حين، فليكن شعارنا عند زيارة أي محمية أو عند الخروج في نزهة إلى البر "لن أترك سوى آثار أقدامي، ولن آخذ إلا الصور".
___________________________________________________
تم نشر المقال بالعدد 67 من صحيفة الحركة الصادر في 7/5/2007
التعليقات
رهام الشاهين/ مايو 2007
شكرًا لأختنا الفاضلة على المقال المؤثر فعلاً في الحث على الاهتمام بالبيئة، وأذكر أنني قرأت للعلامة د. يوسف القرضاوي كتاب عن موضوع "رعاية البيئة في الإسلام"، وللدكتور مصطفى السباعي كتاب قيم عن الحضارة الإسلامية به بيان وجود "أوقاف" إسلامية لرعاية الخيول المسنة قبل مئات السنين! سبحان الله العظيم وبحمده.
مقالك أثار عندي فكرة وتساؤلا.
الفكرة: لماذا لا تطلق حملة توعية لهذا الموضوع علي غرار حملة "نفائس" وحملة "قلوب طيبة" تتبناها الأوقاف الكويتية زائد المؤسسات المتخصصصة؟
التساؤل: قد يكون بعيدا عن الموضوع في ظاهره لكن باطنه متصل به.
تري هل عنيت المؤسسات المتخصصة بدراسة الأثر البيئي لحرائق آبار الكويت النفطية عام 1991 بعد الغزو المشؤوم؟ هل لهذه الحرائق تأثيرات ممتدة أم أن هذا سؤالا بعيدا عن الهدف؟ أليس هذا الموضوع من ضمن حماية البيئة؟
لا أعرف لهذا أسال. وأرجوا ألا يكون سؤالا غريبا.
بالفعل كان اهتمام المسلمين كبيرا بالبيئة وكل ما تحتويه من كائنات، والملفت للنظر أن مفهوم المحافظة على البيئة لم يغب عنهم سواء في السلم أو الحرب، فنجد رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بغزوة مؤتة بعدم حرق نخلة أو قطع شجرة.
شكرا على الإضافة القيمة أخي الفاضل.
أدعوكم لزيارة موقع (بيئتي) لأول شبكة إعلامية متخصصة تهتم بشئون البيئة في العالم العربي كما أنه يحوي قسما خاصا حول علاقة الإسلام والبيئة.
http://www.beeaty.tv/index.cfm
http://www.beeaty.tv/index.cfm?method=home.cat&categoryid=217
بالنسبة للفكرة فأنا من أشد مؤيديها والداعين لها، ونتمنى أن تتبناها إحدى الجهات قريبا.
أما بالنسبة للتساؤل فشكرا جزيلا لك، ليس غريبا بل متصلا اتصالا كبيرا بموضوع المقال.
لقد كان لإحراق آبار النفط في الكويت إبان الغزو العراقي أضرارا كبيرة على البيئة، ولا زلنا نحتفظ بملابسناالتي كنا نلبسها ونحن صغارا وهي منقطة بالنفط من جراء الأمطار السوداء الناتجة عن التلوث بسبب الحرائق.
لقد قامت المؤسسات المتخصصة بدراسة تأثيرات الحرائق ووجدت أن العالم لم يشهد من قبل تلوثا بالحجم الذي سببته، فكمية النفط المحترق من 732 بئرا قدرت بحوالي 6 ملايين برميل يوميا، وقدرت كمية الدخان الأسود الناتج عن الحرائق بحوالي 14-40 ألف طن في اليوم، كما أن انبعاث النفط من الآبار شكل أكثر من 200 بحيرة نفطيةغطت مساحات شاسعة.
لم يكن تأثير الحرائق مقتصرا على الكويت والخليج العربي بل تتعداهما إلى مناطق وبلدان تقع بعيدا عنهما، حيث أفادت التقارير العلمية التي تابعت هذه الظاهرة أن سحب الدخان الأسود الكثيف الناتج عن حرائق النفط وصلت إلى السواحل اليونانية بعد عبورها البحر الأسود!
وقد أضر ذلك كله بالبيئة البرية والبحرية والهواء وسبب الكثير من الأمراض.
وهذه بعض الروابط لمزيد من المعلومات عن الموضوع:
http://www.greenline.com.kw/Journals/alghadban01.asp
http://www.greenline.com.kw/env&law/036.asp
لازالت ذاكرتي تحتفظ بصور البحيرات الملوثة وذلك الطائر الغارق في البقع النفظية، طبعا عبر شاشات التليفزيون.
لا يسعني سوي قول: يوم يعض الظالم -كل ظالم- علي يديه ويقول يا ليتني لم أتخذ فلانا -أي فلان- خليلا ومحرضا علي السوء.
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة