تعددت ترجمات مصطلح Benchmarking من قياس أو تحديد المعايير، المعايرة النموذجية، اختبار الأداء، المقارنة المرجعية لقياس وتحسين الأداء، قياس مرجعي، وضع مقاييس مرجعية، اتخاذ مراجع إرشادية، ولكن يمكن الاتفاق على استخدام ترجمة المقارنة المرجعية لهذا المصطلح؛ نظرًا لشيوع استخدامه لدى العديد من الباحثين في الإدارة العامة العربية.
ويعتبر مصطلح المقارنة المرجعية من المصطلحات العلمية الحديثة، إلا أن تطبيقات وممارسة جوهر هذا المصطلح في الإدارة تعود إلى عام 1810م، عندما قام رجل الصناعة الإنجليزي Francis Lowell بدراسة أفضل الأساليب المستخدمة في معامل الطحين البريطانية للوصول الى أكثر التطبيقات نجاحًا في هذا المجال، ثم جاء بعد ذلك في عام 1913 رجل الصناعة Henry Ford الذي قام بتطوير خط التجميع كأسلوب صناعي متميز من خلال قيامه بجولات في مواقع ذبح الأبقار في شيكاغو. وكانت اليابان من أولى الدول التي تطبق هذا المفهوم على نطاق واسع في أوائل خمسينيات القرن الماضي؛ حيث ركز اليابانيون جهودهم على جمع المعلومات، واستقطاب الأفكار، ومحاكاة الشركات الأمريكية أثناء زياراتهم لهذه الشركات، وكانت هذه الزيارة تهدف إلى الحصول على المعرفة وتكييف ما شاهدوه لخصوصيتهم اليابانية والاستناد عليها في إبداع منتجاتهم ومبتكراتهم في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات وقبل أن تكون تسمية المقارنة المرجعية موجودة في قاموس الأعمال. ثم انتقلت تطبيقات هذا الأسلوب إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تعتبر شركة (Xerox) هي الرائدة والمؤسسة للمقارنة المرجعية كتسمية وكأسلوب علمي يعتمد خطوات محددة تؤدي إلى تحسين أداء المنظمات، وذلك في عام 1979.
ويحظى مفهوم المقارنة المرجعية باهتمام العديد من الكتاب والباحثين لكونه مصطلحًا حديثًا نسبيًا في الدراسات الإدارية؛ مما دفع الكثير منهم إلى تناوله بالدراسة والتحليل. وتبرز اختلافات في التعبير عن هذا المصطلح؛ فيسميه بعضهم "أداة"، ويطلق عليه آخرون "أسلوب"، ويعتبره فريق ثالث "طريقة"، ويصف فريق رابع المقارنة المرجعية بأنها "عملية"، وعلى الرغم من هذه الفروق اللفظية إلا أن هناك شبه اتفاق على المعنى المقصود والفائدة المتحققة من التطبيق. فقد عرفها (Weiss) بأنها أسلوب تحسين الأداء والممارسات من خلال قياس أداء منظمتنا مقارنة بأداء وممارسات أكثر المنظمات نجاحًا التي تعمل في مجال الصناعة الذي نعمل فيه أو خارجه. وعرف (Goetsch & Davis) المقارنة المرجعية بأنها عملية مقارنة وقياس نشاطات المنظمة أو عملياتها الداخلية مع المنظمات ذات الأداء العالي من داخل أو خارج الصناعة التي تعمل فيها تلك المنظمة. أما (Spenley) فيعرف المقارنة المرجعية بأنها عملية قياس ومقارنة الممارسات الرئيسية للمنظمة مع الممارسات الرئيسية للمنظمات الأخرى لترسيخ مقاييس نسبية للأداء تساعد على وضع أهداف جديدة واكتشاف أفكار جديدة للتحسين. ويصف (Wild) المقارنة المرجعية بأنها أسلوب يمكن المنظمة من مقارنة أدائها بمعايير مناسبة أعلى تساعد على ضمان التحسين المستمر.
وتعد المقارنة المرجعية مهمة في الإدارة المحلية العربية نظرًا للاعتبارات التالية:
- ترشيد نفقات الإدارة المحلية المتزايدة؛ حيث يتم من خلال تطبيق المقارنة المرجعية تخفيض تكاليف الخدمات التي تكون مرتفعة، فتلجأ وحدات الإدارة المحلية إلى البحث عن وحدات أخرى تقوم بتقديم نفس الخدمات بتكلفة أقل.
- إتاحة فرص التعلم المستمر لوحدات الإدارة المحلية ونقل الخبرات والمعارف من الوحدات الأخرى؛ بهدف تغيير نظم وأساليب العمل التقليدية وإحداث تغيير في الثقافة التنظيمية.
- إتاحة الفرصة لوحدات الإدارة المحلية للتوجه نحو النماذج الأفضل للأداء والجودة التي توفر لها فرص تحقيق رضاء متلقي الخدمات، وينعكس ذلك التوجه على العاملين في مساعدة الإدارة على اتخاذ القرارات وإيجاد الحلول المناسبة للمشكلات التي يواجهونها في العمل. وبصفة عامة، يتيح هذا المدخل التزام العاملين بتطبيق برامج واستراتيجيات الجودة.
- تحسين القدرات الإبداعية والتجديدية للإدارة المحلية من خلال فريق عمل مسئول عن تحسين الأداء؛ حيث تتسع فرص الابتكار أمامه وتتوفر لديه أمثلة على أنماط السلوك، والنظم، والوسائل التي تمكن من تحقيق الأداء الأفضل.
- توفير فرص التعاون بين وحدات الإدارة المحلية داخل الدولة الواحدة أو بين الدول، وتشجيع المنافسة فيما بينها على تحسين الأداء وإدخال آليات السوق ضمن استراتيجيات العمل.
- تمكين الإدارة العليا المحلية من الإجابة عن مجموعة من الأسئلة مثل: أين نحن الآن؟ وأين نريد أن نكون؟ وكيف نصل إلى حيث نريد؟ وكيف نبقى حيث نريد؟ وعند اكتشاف وجود فجوة في الأداء، فإن المستويات المرغوب فيها تتم مراجعتها. وبالتالي، فإن جهودًا تبذل لمحاولة سد هذه الفجوة، وذلك بتطبيق ممارسات جديدة أو وسائل وطرق جديدة.
- تغيير ثقافة الإدارة المحلية؛ بحيث تصبح موجهة لحل المشاكل وتحسين الأداء، والعمل على تحقيق أهداف الممارسة الأفضل في تقديم الخدمات المحلية.
وهكذا تعتبر المقارنة المرجعية Benchmarking واحدة من أهم الأدوات الإدارية في تحسين أداء الإدارة المحلية، وذلك إذا تم استخدامها بشكل صحيح، وبعكس ذلك فسوف تكون عبارة عن خسارة في الوقت والموارد؛ إذ إن استخدام المقارنة المرجعية يساهم في تحسين مؤشرات الأداء وتحديد عناصر القوة وتعزيزها ونقاط الضعف ومعالجتها؛ ومن ثم يمكن أن تشكل المقارنة المرجعية عنصرًا أساسيًا حاسمًا في تقدم ورقي العديد من المناطق، والمحافظات، والمدن، والقرى، وغيرها من وحدات الإدارة المحلية العربية.
المراجعة اللغوية: أنس جودة.