مكتوبا بالطباشير على لوح الصف وقتَ الاختبارات، أتذكّر جيدا الحديث الشريف "مَن غشّنا فليس منا". كان الغش وصمة عار، ونشاطا مرتبطا بأولئك الطلبة "الكسالى"، المتمردين، الصعاليك. كان نشاطا تمارسه شريحة هامشية لا يُتوقّع لها مستقبل باهر، بل لا يُتوقع لها مستقبل أصلا. وكان مجترحوه -بوسائلهم المتواضعة مثل "البراشيم"- حريصين على إبقائه ضمن دوائرهم الخاصة درءًا للفضيحة.
يُكرّر الحديث الشريف ذاته على الطلبة اليوم، ولا يثير رهبة كبيرة فيهم، واأسفاه! بل صار العكس صحيحا، مَن لا يغش، "فليس منا"؛ مَن لا يغش شخص غريب وجبان. نعم، صار الغش بطولة ومَفخرة، وسببا للاندماج في مجتمع المراهقين، ووسيلة مريئة للتفوق.
لهذا نجد خطابا حِجاجيا ينتشر بين الطلبة بل وأهليهم أحيانا؛ "هذه مساعدة"، "هذا تعاون"، "الكل يفعل هذا". ولوي عنق الحقائق بهذه الطريقة حيلة قديمة لإسكات الضمير. كحيلةِ المرابين الذي نقل القرآن الكريم تسويغاتهم {... إنّما البيع مثل الربا ...}، وكحيلة النمرود حين جابهه إبراهيم -عليه السلام- بحقيقة أن الله يحيي ويميت، فأُسقط في يده، وجاء بمواربة عقلية سمجة.
حاشا وكلا! كيف يأتي موسم "الكريسمس" دون أن تدور المعركة الفكرية السنوية الطاحنة؛ نحتفل أم لا نحتفل؟ نضع شجرة كريسمس أم لا؟ ومتابعة هذا السجال ممتعة، فباستعراض حجج كل فريق يمكننا أن نفهم شيئا عن عقلية الإنسان العربي اليوم؛ كيف يفكّر، وكيف يبرّر، وكيف يقرّر.
نعلم أن تلك الشجرة رمز للاحتفال بميلاد يسوع عليه السلام، ابن الرب وفق المعتقد المسيحي. ونعلم جيدا أن هذه الفكرة تُصادم أصلا في عقيدتنا. لكننا كذلك نعلم -وبنَصّ القرآن الكريم- أن أقرب الناس مودة لنا هم المسيحيون، هم قوم نتعامل معهم بالبِر والقسط. ويبدو أن العقلية العربية تفترض أن برّنا بالمسيحين يعني حكما مُبرما بأن نوافقهم في كل أمرهم لئلا نجرح حبل المودة. وأظن أن هذا تنطّع مزعج سيتعجب منه المسيحيون أنفسهم. أتذكر حوارا جمعني بفتاة بريطانية وقد توثقت علاقتنا، فسألتني قبيل احتفالاتهم بالكريسمس بمنتهى التهذيب: "هل تحتفلون بالكريسمس؟"، فأخبرتها بأننا لا نفعل. وظل حبل الود، ولم تظن بي قلة التسامح. وأنا بدوري لا أتوقع من معارفي غير المسلمين الاحتفال معي بقدوم رمضان أو بالعيدين. بأي حق أطلب مثلا من مسيحي يرى أن الذبيح هو إسحاق، أن يحتفل معي بعيد نستذكر فيه أن الذبيح هو إسماعيل؟ مما تعلمت في الحياة أن المداراة الزائدة دليل على علاقة سطحية لم تُختبر، وأن النقاشات غير المريحة هي التي توثق علاقتنا بالآخرين. العلاقة الصادقة والمتكافئة هي التي نختلف فيها في الآراء، ثم نخرج بعد كل هذا وليس في قلوبنا شيء.
"هو مو مثلي، أنا رجل وهو شاذ"، و"هي مو مثلية، أنا امرأة وهي شاذة"، هكذا يقول إعلان شجاع ينتشر في شوارع الكويت هذه الأيام. "مثلية"، يا لهذه الكلمة الرقيقة في مبناها ومعناها! هذه كلمة تطبيعية لها إحالات تدل على التشابه، وتُفضي -لا شعوريا- إلى الاندماج والتقبل. متى وكيف انسلّت هذه الكلمة بيننا واندست في قاموسنا؟ ومتى وكيف صار شيء مستمد من الطبيعة مثل قوس قزح، يُستخدم رمزا لممارسة أبعد ما تكون عن الطبيعة والفطرة؟!
الدنيا مثيرة براقة وتفتن البشر بزينتها من مال وبنين وجمال وسلطة وشهرة وقوة وبيوت وسيارات وأراضي وغيرها، وشغلت الدنيا بال الكثير ليل نهار وأقلقت الكثير وأدخلتهم في صراعات ونزاعات من أجل الفوز بها.
ولذلك يثور تساؤل هام: هل يمكن لإنسان أن يغلب الدنيا؟
بالطبع الأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلوات والسلام والبركات خارج هذا السؤال لأنهم فئة منتقاة من الله سبحانه وتعالى تحظى بعناية خاصة من القادر القدير خالق هذه الدنيا.
واختلف الناس فيما بينهم في الإجابة على هذا السؤال الهام والخطير:
فقال فريق بأن الدنيا قوية تغلب الناس وتستعصي على أن يغلبها أحد من البشر ودفع هذا الفريق بحقيقة مهمة وهي أن الإنسان بفطرته في الحرص على الحياة الدنيا وبشهواته الداخلية التي يصعب عليه أن يتخلص منها جميعا يسعى ويلهث طوال عمره وراء الدنيا ووراء أمانيه الدنيوية التي لا تنتهي ولا تتوقف عند حد وبذلك يموت الإنسان ولم يحقق أماني وبذلك تصبح الدنيا قد هزمته.
برغم الجهود الكبيرة المبذولة من الأجهزة التشريعية والشرطية والقضائية في سن تشريعات وتغليظ العقوبات على مخالفي قواعد المرور ومحاولة تطبيق هذه العقوبات إلا أنه يمكن القول بأننا نعيش حالة من عدم الإلتزام بقواعد المرور لأغلب قادة المركبات تتمثل في عدة سلوكيات سلبية منها: السرعة الزائدة ومحاولة الهروب من الكاميرات وعدم الالتزام بالحارة المرورية وعدم الالتزام بمسافة كافية بين المركبات التي أمامك وغيرها من السلوكيات السلبية.
وقد تؤدي هذه السلوكيات السلبية للعديد من قادة المركبات يوميا إلى مئات وقد تصل إلى آلاف الحوادث المرورية بما تحمله من إصابات بشرية ووفيات وإتلاف ممتلكات عامة وخاصة؛ بما قد يؤكد عدم كفاية هذه الجهود التشريعية والشرطية والقضائية بمفردها-برغم أهميتها الشديدة- لتؤتي الثمار المنشودة، مع ضرورة التأكيد على رفع عمر الذي يسمح فيه للفرد بقيادة المركبة إلى 21 عاما وهو سن الرشد؛ حيث ليس من المنطقي أن يكون هذا هو السن الذي يتم فيه رفع الوصاية عن الفرد ليسمح له بإدارة أمواله، بينما ينخفض السن الذي يسمح فيه لقائد المركبة بقيادة حياته وحياة الآخرين عن سن الرشد.
تكلمنا في المقالتين السابقتين عن الفقر والفقراء، وقلنا إن الإسلام قد اهتم بالفقراء، ووضع الخطوات التي تقود إلى حل المشكلة دون استحداث لمشاكل أخرى قد يعاني منها المجتمع، كما تكلمنا عن اثنين من هذه الخطوات، واليوم نتكلم عن بقية هذه الخطوات :
ثالثاً : التحذير من البخل والوعيد عليه :
قال تعالى في سورة محمد ﷺ الآية 38 :
(هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)[1].
يوافق يوم الحادي والعشرين من الشهر الحالي شهر يونيو كل عام يوم الأب العالمي الذي قد يمثل محاولة لتكريم الأب الذي لم يأخذ حقه من التكريم، في ظل الاهتمام والتركيز على الأم فقط ومحاولات إغفال الدور البالغ الأهمية للأب الذي يكافح ليل نهار من أجل توفير معيشة طيبة كريمة لأسرته من زوجته وأولاده، الأب الذي يعتبر القائد لأسرته وربان سفينتها في بحر الحياة في ظل أمواجه الهائجة وصمام أمانها.
الصفحة 1 من 53