الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد الدال على كل خير المحذر من كل شر˛ وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ثمة نساء يردن المساواة - أو بالأحرى التسوية – وفق نمط الذكر˛ ولكن ألا توجد بدائل أخرى تسعى النسوة من خلالها إلى الوصول لمراحل تفوق الرجال وفق الخصائص الأنثوية ؟ وهل المساواة تصلح في هذه الحالة أم أنها إجحاف في حق الطرفين ؟ ألم يبدأ الغرب بتجريد المرأة الغربية من كل صفاتها الجوهرية ؟ ألم يجعلها سلعة تباع وتشترى ؟ وإذا كان حال الغرب هكذا فإن بلاد المسلمين قد سارت مقلدة لما طبقه الغرب الملحد˛
يتبادر إلى الذهن حين محاولة توصيف الأنثى بأنها فتاة أم امرأة تلك الأفكار والتعريفات المغلوطة التي نسمعها من الكثيرين، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإنك إن جئت تسأل أحدهم عن توصيف الفتاة فإنه سوف يرد عليك قائلاً أنها تلك الأنثى التي لازالت تعيش في بيت أبيها تدرس أو أنهت دراستها ولكنها لم تتزوج بعد.
وإذا ما أراد أن يصف لك المرأة فسوف يقول لك أنها تلك الأنثى التي تزوجت وأنجبت. وهنا تكمن المغالطة.
عمليًا المسائل التي لا يمكن تصنيفها ضمن الإطار الطبيعي الواقعي المادي تُصنف ضمن إطار الفيما ورائيات، باعتباره أحد فروع الفلسفة المهتمة بدراسة المبادئ الأولى والوجود. بما يجعله يتناول بدراسته ظواهر النفس المختبئة، ليُدخل في مناقشة الظواهر الغريبة مثل الجن والأشباح والتخاطر. إنما ثمة فرق بين علم ما وراء الطبيعة والخيال العلمي، أما الأول فيدرس أشياء ملموسة في حياتنا إنما نعجز عن تفسيرها أما الثاني فيكون من تأليف البشر كمحاولة لابتكار أشياءً جديدة، أو لتنمية القدرات عند الشخص. إنما كليهما قد يلتقيان معًا في الأفكار؛ من مثل: السفر عبر الزمن أو ابتداع المُتحركة بديلاً عن الساكنة والتقنية الذكية مثيلة الروبوت في أجزاءها وموادها وتربيطاتها ومنها مبدأ ميكنة إدارة الشيء (الحركة الآلية الدافقة) وآخرها العالم الافتراضي.
هرّة نحيلة، لها فراء أبيض ضحل مزين ببقع رمادية، عيناها زرقاوان محاطتان بلون أسود جميل. قررت أن أسميها كحيلة. هل أخبرتكم أن شغفي بالهررة وصل إلى مرحلة إطلاق أسماء على الهررة التي أصادفها في الشارع؟
أعلم أن بعضكم توقف عن القراءة سلفا، وأن البعض الآخر إنْ يستمر في القراءة إلا ليعرف ماذا تقول هذه الكاتبة الغريبة، وقليل منكم يتابع لأنه –وبصدق- يحب مخلوقات الله الأليفة اللطيفة الشفيفة.
حينما مررت بكحيلة، كانت تعتلى حاوية نفايات صغيرة. أخذت تنظر إليّ بتوجس متهيئة للجفول. آلمتني تلك النظرة في عينيها. كل هذا الخوف، والترقب، والعدائية المحتملة. هذا الافتراض أني جئت لأنغّص عليها وجبتها. وجبتها التي يستكثرها عليها الإنسان. الإنسان المجرم الذي اقتلع الهررة من بيئاتها الطبيعية وزرعها في مدائنه كي تكافح القوارض. وحينما أنهت مهمتها، بات يتوجع من الهررة التي تتناسل بإفراط، وتقتحم حاويات نفاياته وأفنية مبانيه، وتستظل أو تستدفئ بسياراته. الحل سهل جدا عزيزي الإنسان، تحمل مسؤولية أفعالك. اجمع الهررة التي جلبتها وارمِ بها في مواطنها الأصلية، و"لا ضرر، ولا ضرار" كما قال الحبيب عليه الصلاة والسلام!
وظل السؤال يعجنني؛ أنيّ ينثّ كل هذا الخوف في قلب كحيلة وعينيها؟
نظراتهم المنكرة تحبس عبراته وترد بكاءه فيغص به. لِمَ يُعرضون عنه؟ لم يضحكون منه؟ لم يكذبونه؟ أوامر ونواه تشله فيقبض على بطنه متألما منزويا، وهو لا يجيد فهما ولا تعبيرًا. ألقوا إليه لعبة أجبرته وحدَتُه أن يحاول تركيبها بصمت فلما فشل ألقوا عليه اللوم والعقاب. ليس أحب إليه من الابتسامة لكنها تساوت مع العبوس بعد أن أمست عنوانًا لعتاب وإهانة ووعيد، وهو لا يجيد فهما ولا تعبيرا. يتنفس الصبح عن يوم جديد وهم يجترون إذلاله زجرََا واستهزاءً وطردًا حتى أجهضوا شخصيته وعطلوا إرادته. لم تعد حواسه المترقبة تنقل إلى حافظة عقله النظيفة النهمة غير العنف والكذب والتسويف وحتى النميمة، فتولدت فيه رغبة عارمة في الإيقاع بمن لا خوف منهم، بالأصغر وبالأضعف، صرفا للأعين والألسن والأيدي عنه وتحقيقًا لفعل شيء ملفت بعدما فشل في غيره، وهو لا يجيد فهمًا ولا تعبيرًا.
جلستْ في الغسق على مقعد إلى جانب النهر، تتأمل السماء التي بدأت غيوم الخريف تتراكم فيها، وقد بدأت تحجب شيئًا فشيئًا ضوء النهار، تُنبئ بعاصفة قريبة الهبوب وتُلقي على صدرها المزيد من الثقل، كان الأسى يعتصر قلبها بعنف ويكاد يزهق أنفاسها وهي تستعيد مسيرة حياة استمرت فيها معاناتها منذ نعومة أظفارها وإلى أن بلغت الثلاثين.
كم كانت قد تلقت من صدمات قتلت في نفسها الأمل وأنهكت قلبها الذي لم يعد يتسع للمزيد من المعاناة، ما جعلها تشعر بأن قلبها لم يعد فتيًا وبأنها رغم كونها لاتزال في سن الشباب قد تخطو خطوات سريعة نحو الخريف، وبأن العدّ التنازلي لحياتها قد بدأ يتسارع.
{gallery}galleries/Jews{/gallery}
بناءً على تعايشي الواقعي مع أبناء الطائفة الموسوية (وهو الاسم الذي أطلق مؤخراً وبشكل رسمي على اليهود في سوريا) ولفترة من الزمن قاربت سبع سنين متصلة، فقد توفرت لي أرضية خصبة من المعلومات حول حياة تلك الطائفة في المجتمع السوري. وتأتي هذه الدراسة لتعطي صورة واقعية عن حياتهم وتعايشهم مع أفراد الشعب السوري، بالإضافة إلى إظهار صورة تعامل المسلمين الراقي مع من سالمهم وتعايش معهم من أهل الكتاب. ولأن البحث الحالي هو بحث إثنوغرافي في طبيعته، فكان لا بد أن أمهد للتعريف بشخصيتي حتى يتسنى معرفة رؤيتي للموضوع وتحليلي للمعطيات.
تعريف شخصية الباحثة:
أنا مواطنة سورية مسلمة عشت وترعرت في مدينة اسمها النَّبِك تقع بين مدينتي دمشق وحمص تبعد، حوالي 80 كم عن مدينة دمشق باتجاه الشمال؛ ومعنى النبك باللغة العربية المكان المرتفع، وتعتبر أعلى منطقة جبلية بسوريا حيث تترتفع عن ســـــطح البحر حوالـــي 1500 م. وهي منطـــقة باردة جداً شـــــــتاءً صيفاً، وبعض أهالي المدينة يـــستوطنون منذ القديم في مدينة دمشـــــــق، ويسكنون في حي اســــمه حي اليــهود. ومنذ صغري واســـــم هذا الحي يتـــردد على مســــــامعي، وكنـــت أظـــن أن اســــــم الحي لا يدل بالضرورة على وجود اليهود. وبعد انتهاء مرحلة دراستي الثانوية، وانتقالي لمدينة دمشـــــــق لإكمال دراســــتي الجامعية، وفي هذه الحالة توجب علي السكن بمدينة دمشـــــق. وقع اختياري على حي اليهود للأســـباب التالية وكان ذلك عام 1988م:
الصفحة 8 من 53