نظراتهم المنكرة تحبس عبراته وترد بكاءه فيغص به. لِمَ يُعرضون عنه؟ لم يضحكون منه؟ لم يكذبونه؟ أوامر ونواه تشله فيقبض على بطنه متألما منزويا، وهو لا يجيد فهما ولا تعبيرًا. ألقوا إليه لعبة أجبرته وحدَتُه أن يحاول تركيبها بصمت فلما فشل ألقوا عليه اللوم والعقاب. ليس أحب إليه من الابتسامة لكنها تساوت مع العبوس بعد أن أمست عنوانًا لعتاب وإهانة ووعيد، وهو لا يجيد فهما ولا تعبيرا. يتنفس الصبح عن يوم جديد وهم يجترون إذلاله زجرََا واستهزاءً وطردًا حتى أجهضوا شخصيته وعطلوا إرادته. لم تعد حواسه المترقبة تنقل إلى حافظة عقله النظيفة النهمة غير العنف والكذب والتسويف وحتى النميمة، فتولدت فيه رغبة عارمة في الإيقاع بمن لا خوف منهم، بالأصغر وبالأضعف، صرفا للأعين والألسن والأيدي عنه وتحقيقًا لفعل شيء ملفت بعدما فشل في غيره، وهو لا يجيد فهمًا ولا تعبيرًا.
كبر الغلام وتزوج ووجد أمامه أطفالًا. وعجز أن يكون بينه وبينهم علاقة الحب والرحمة والصداقة التي سمعها في القصص ورآها على الشاشة، وفي أسفاره فهو لا يجيد فهمًا ولا تعبيرًا. وتصدُر من ذلك (الفلم الدرامي) الحقيقي نسخٌ لا تُعد. يولد آطفال على الفطرة ليصنعوا مجتمعًا وفيهم المنطوي المحبط، والحقود المتسلط، والإمعة الأحمق. صلاح كل أمر في الحياة من بدايته، وبداية المجتمع صغاره، لكننا نمعن في تكرار العيوب والأخطاء فلا نزداد إلا حيرة وجمودًا.
رجل ينزل ليحمل طفلا على المنبر أمام الناس وأحدنا يتحرج من آبناءه ويجهل عليهم لا يساوي ظفر الأول ولا يعرف الرحمة المهداة للبشر بأبي هو أمي من مربٍّ عليه الصلاة والسلام. فلنكن رحماء بيننا لعلنا نجيد الفهم والتعبير ونصنع عيشة طيبة كريمة لأنفسنا ولمن نعول ونربي.
تدقيق: لجين.