تواجه الإدارة الحكومية الاقتصادية في العديد من الدول النامية تحديًّا رئيسًا وهو عجز الموازنة العامة، وهو تحدٍّ مستمرٌ لم تنجح العديد من حكومات هذه الدول في مواجهته بالدرجة المنشودة؛ بل إن هذا التحدي آخذٌ في النمو بشكل كبير ومتزايد ويؤدي إلى العديد من الأزمات الاقتصادية المتتالية التي تواجه هذه الدول من تضخم في الأسعار وتراجع مستويات المعيشة.

 

    ويمكن القول بأن استمرارية هذا التحدي تعود بالأساس إلى استمرارية طريقة التعامل التي تتبناها السياسات العامة الاقتصادية لهذه الدول مع عجز الموازنة العامة من خلال العمل المنتظم على زيادة الضرائب على العديد من السلع والخدمات وزيادة الرسوم الجمركية على العديد من الواردات؛ مما يؤدي إلى زيادة أسعار السلع والخدمات المحلية والأجنبية وارتفاع معدلات التضخم وتراجع معدلات التسوق والسياحة للمتسوقين وللسياح الذين يبحثون في الأغلب عن البلدان منخفضة الأسعار؛ وبالتالي تعمل الحكومة على مواجهة هذا التضخم الذي ساهمت في إحداثه بزيادة عجز الموازنة العامة من خلال زيادة الأجور زيادة طفيفة لا تغطي بأي حال الارتفاع السابق للأسعار.

 

   ولكن هذه الزيادة الطفيفة في الأجور والإعلان المستمر عنها بشكل واسع في مختلف وسائل الإعلام يسهم في زيادة جديدة لأسعار السلع والخدمات في ظل غياب الرقابة الفاعلة للإدارة الحكومية على أسعار السلع والخدمات؛ مما يؤدي إلى تراجع معدلات السياحة وزيادة جديدة في معدل التضخم تتصدى لها الحكومة بزيادة جديدة للأجور بما يزيد عجز الموازنة العامة.

 

    ومن ثم تدور الإدارة الحكومية الاقتصادية لهذه الدول في حلقة مفرغة مفزعة لا تخفض من عجز الموازنة العامة ولا تخفف من عبء المعيشة على المواطن، بل إنها حلقة تزيد من عجز الموازنة العامة وتزيد من عبء المعيشة على المواطن وتؤدي إلى تراجع مستويات المعيشة وتراجع معدلات التسوق والسياحة؛ بما يؤدي إلى زيادة جديدة في عجز الموازنة العامة لهذه الدول.

 

     ولا بد للخروج من هذه الحلقة المفرغة من تبني سياسات عامة اقتصادية جديدة تعمل على كبح جماح التضخم ووقف ارتفاع الاسعار، بل والعمل على تراجعها؛ وذلك من خلال عدة إجراءات اقتصادية تعمل على وقف الاحتكارات وحماية المنافسة وحماية المستهلك؛ بحيث تنتعش الأسواق ويزيد الإنتاج وتنخفض الأسعار، ويتراجع العبء على الحكومات في دعم السلع وفي  العمل على زيادة الأجور، وهو ما يؤدي إلى تحقيق الغاية المشودة في انخفاض عجز الموازنة وانخفاض الأسعار.

التدقيق اللغوي: أنس جودة وخيرية الألمعي.

كاتب
أستاذ الإدارة العامة بكلية العلوم الإدارية - أكاديمية السادات. محكم بالمجلس الأعلى للجامعات المصرية لفحص الإنتاج العلمي للمتقدمين لشغل وظائف الأساتذة والأساتذة المساعدين. محكم بدوريات علمية عربية لتحكيم الأبحاث المقدمة للنشر. أشرف ويشرف على رسائل الماجستير والدكتوراه في الإدارة. عضو لجان المناقشة والحكم على رسائل الدكتوراه والماجستير في جامعات القاهرة وحلوان وعين شمس. رئيس تحرير موقع الإدارة العامة والمحلية. تولى عدة مناصب. له العديد من الكتب والدراسات العلمية والمقالات المنشورة.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية