في كنوز تاريخنا تنوعت مذاهب الناس لكنهم سائر مراحل حياتهم اتفقوا على الإنسانية والكرامة والمساواة، فالأخبار والعلوم والآداب لم تؤخذ وتعطى وتربو إلا بين بشر لم يتمايزوا بغير ما يأخذ أحدهم ويترك من غذاء العقل ورواء القلب وسلامة المنطق. لا يكون ازدهار ولا ابتكار ولا إعمار إلا بتعامل صادق معبر شفاف. نقارن ذلك بحاضرنا فنجد مخلوقا يكلم مثله بصيغة الجمع فيتلجلج عن بيان الحق ورواية الواقع، فإن سألته في ذلك قال بأنه من واجب الاحترام! إلا أننا لا نجد ذلك الاحترام المزعوم متخذا بصيغة الجمع مع أعظم الناس وسيد كبيرهم وصغيرهم عليه الصلاة والسلام ولا مع صحابته العدول رضي الله عنهم، فهي إذن صيغة مبتدعة. نجد الاحترام في أدبنا وثقافتنا ودستورنا هو الصراحة والأمانة والحقيقة بلا إضافات تعيقها بل تمنعها، وأي غلو في الخطاب بين أسلافنا وأعلامنا كان ضد الإحترام لأنهم يشتمون منه المصانعة التي تنكرها عقولهم القويمة وتمجها نفوسهم العزيزة. وفوق هذا وقبله نحن ندعو مولانا جل جلاله بصيغة المفرد. قد يقول قائل إن الله فرد لا يجوز أن تكلمه بصيغة الجمع، فلنسأل عن عبد الفرد، عن أي عبد نخاطبه بصيغة الجمع: لم التكلف في مخاطبته؟ وإن كان قدره معروف حقا فهو غني عن أن يذكّره ومن حوله أحد بمخاطبته بصيغة الجمع.

أكره صيغة الجمع تقال لي ولو من ابني، وهو لا يفعل بحمد الله، وأتعجب إذا ما سمعتها بين آخرين بكثرة وإصرار. المعتد بعقله ونفسه وقلبه لا يهمه إلا الوصول إلى المراد بوضوح لا تردد فيه، وتجد نفسك على سجيتك في استرسال الحديث وراحة النفس معه، ولا يحصل ذلك لكليكما إلا بإلغاء قيد صيغة الجمع. فلنتأمل صنائعنا ونثبت لبعضنا الكرامة والعدل والعزم وننبذ ما قد يلوح فيه مداهنة أو تذلل أو خوف. صيغة لم يتخذها مَن قبلنا مع سيدنا وأفضلنا وقدوتنا، أفنتخذها إدعاء تبجيل غيره وجميعنا دونه عليه الصلاة والسلام؟ أبعد هذا جدال يا أهل النُّهى؟ لنمحُ هذه الصيغة من حياتنا ومن بعدنا لئلا نقع سهوا في غلوّ وربما في نفاق وذنب باتخاذ سنة سيئة مهينة معطلة. إن استصعبنا بترها فلنخفف منها ونتذوق جمال الراحة في الحديث والقلب. أما المتشبث بها دائما بلا نقاش كالواجب عليه مع الذين هم دون من يصلي عليه الله وملائكته، فهذا ما جرب التأمل والتدبر، يسمع ويقرأ ما لا يعي، وليس له من حرية الباطن ما يقوى به على التغيير للأحسن. ليتنا لا نستصغر أنفسنا ومن حولنا ولا نلجم عقولنا وقلوبنا بأمر ليس في دستورنا من الوحيين، ونكُف عن وضع الحواجز بيننا مهما ظنناها غير ذلك. لا يستمرأنّ أحد الهوان والتردد والابتداع المسيء دائما، وإلا كان عبدا لمفاهيمه وأهوائه وعاداته.

روي عن افلاطون: "لو أمطرت السماء حرية لرأيت العبيد يحملون المظلات"، وكم من عبد في حلة سيد!.

----------

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية