بحسب المرء شرًّا أن يستخدم كل وسيلة لتلويث نفسه وثيابه، وكل من حوله، فيتخفى وراء الأقنعة، ويقبع تحت مظلة الحسابات الوهمية، أو يلبس قناعًا لا علاقة له بالحقيقة فيجاهر من ورائه بالمعصية، ولا يسلم من شره أحد.
قبل أعوام كان العالم مترامي الأطراف، لا تستطيع التجول فيه إلا بالطائرات، أما اليوم فمن نِعم الله علينا أن صرنا ننعم بتلك التقنية، فتواصل الناس ببعضهم من كافة أصقاع المعمورة، ويكاد لا يخلو بيت من جهاز حاسب آلي أو هاتف ذكي فيه عدد من برامج الاتصال المجانية، وصرت تهاتف أخاك أو زميلك في العمل أو الدراسة، ولو كان في الصين أو أمريكا، وأنت في أقصى الشرق أو الغرب..هذه من النعم التي تستوجب السجود شكرًا لواهب النعم..
أما أن يحولها الغلمان ولصوص الأوقات، وقطاع الطرق من خلال حساباتهم المزيفة إلى أماكن موبوءة بالفساد، مليئة بأساليب التحرش بالآخرين، فهذا ما لا يقبله عقل عاقل ولا ذو ضمير يقظ..
ألم يكتف هؤلاء بتلويث الواقع جرّاء تصرفاتهم البشعة، وأساليبهم الماكرة، واحتيالهم في اصطياد الفتيات، ونصب حبائلهم في طرقاتهن؟ حتى لاحقوا الناس في العالم الافتراضي أيضاً..في عالم تويتر والفيس بوك وأطلقوا لأنفسهم العنان في مغازلة الفتيات، وتضليل النساء بأكاذيب ملفقة وأخبار كاذبة، وربما اختفى أحدهم خلف اسم فتاة أو اختار اسمًا مهجورًا بغية أن يجذب إليه بعض ضعاف النفوس.
حدثتني إحدى الفاضلات عن شاعر أو متشاعر، تابع كتاباتها، ثم ما لبث أن تابعها هي فقط لا كتاباتها..فصار يرسل لها على الخاص، ويطرح عليها أسئلة محرجة نحو: أنت متزوجة، أنت عاشقة؟ من تحبين؟ لماذا تسهرين إلى هذا الوقت؟ هل أنت جميلة؟ أرسلي لي صورتك؟ أنا أحبك..كنت أبحث عنك..أنت الفتاة المناسبة التي سأختارها شريكة لحياتي..بمجرد نكزة أو تغريدة، أو إعجاب تنقلب الموازين فيتحول الشاعر الجميل صاحب الكلام المعسول إلى وحش كاسر ذي أنياب ومخالب؟؟
من المؤسف حقًا أن بعض الناس يرى مواقع التواصل مرتعًا للخنا والفجور، وهي إن تيسرت له أحيانًا فهي ليست كذلك، وإن كان بعض روّادها يروج للفاحشة بنشر الصور الجنسية الفاضحة، فليس هدف المواقع الاجتماعية إشباع غرائزه، ولا تلبية رغباته..كما أنها ليست وسيلة من وسائل الابتزاز والتهديد للضحية، ففي كل يوم ضحية جديدة تحت مسمى (الحب والإعجاب)..ولاشك أن فيها العلم والتقنية، والأخبار، والدعوة إلى الله بالكلمة الطيبة، والقول الجميل، كما أنّ فيها الشِّعر، وزراعة الشَّعر، وفيها الأدب وقلة الأدب..شأنها شأن أي موقع إلكتروني.
إنني لا أدافع عن تلك المواقع بتاتًا، بل أقف على المسافة نفسها بين منافعها ومضارها، وأميل إلى منافعها أكثر، فمنذ سنوات لم يكن يحلم كثير من الناس أن ينشر له نصًّا، أما اليوم وبفضل الله تعالى لو غرد بكلمة صباحًا لبلغت أقصى الشرق والغرب، قبيل حلول المساء..
أتساءل: لمَ يحيل هؤلاء الغلمان - وأسميهم غلمان تويتر، ولصوص فيس بوك - حياة الآخرين إلى جحيم إن بتدخلهم في حياة الناس، أو بنشرهم الصور الفاضحة؟
وأعول على الشباب المسلم أكثر من غيره، ففي تتبع هذه المواقع مظنّة التقوى، كما تتجلى من خلالها الرقابة الذاتية التي ينطلق منها كل فرد، في أبهى صورها، فالمتفلت من تلك القيود سيصبح ضحية يومًا ما، وكما تدين تُدان.
تدقيق: لجين قطب