لقد تأخرت كثيراً في نشر كتاباتي الأدبية إن شعراً أو نثراً، تلك الهواية التي كانت طي الخصوصية والتي تم تقييمها، فأعدِّت للنشر والقراءة.
يخلط بعض الناس حينما يقرأ شعراً بين ما يقع من معاني الحيوية والذكاء أو العبث، الإخلاص والتفاني أو التعلق بمظاهر الحياة وأهوائها. لذلك انتظرت حتى وصلت إلى مرحلة من العمر أقهر ما جنى علينا به العصر الحديث من فهم غير صحيح لمعنى الفرق بين ما تضطرم نفوسهم بالمثل الأعلى للجمال والحنان والوفاء والإخلاص وفوضى الأشياء.
إن حقَّي الأدبي لمن يقرأ لي يتطلب ألا تقع كتاباتي بين ما هو عود ثقاب وقنديل، وبين ما هو واحة ظليلة وغابة صاخبة.
لعلها طبيعتي التي لا تكترث كثيراً بالطلاء الخارجي للإنسان بقدر اهتمامها بالقيمة الإنسانية للفكر والوجدان. تلك القيمة الجوهرية التي لا ترى إثمـاً بأن تبوح بصدق الشعور.. هي راحتي التي أجدها في الشعر، والتي ورثتُ فضلها عن والدي، لقد أيقظ فيّ روح الحرية والعطاء، وشحن فيّ الإصرار حينما علّمني كيف أكتب أول رسالة، وأقراء أول قصيدة شعر.. إنها عاطفة خاصة أدبية روحية تربطنا.
أما والدتي. أقصد الرمز الفريد من البشر الذي لا يستهويه إلا الماء والهواء والحب ذلك الصَّرح الذي علمتني كيف أبذر، وكيف أحصدُ، ذلك الوحي الذي انهار حينما مَرضَتْ لزمن طويل. فقد أكرمنا الله تعالى بعودتها لكل ما خُلِقت له، من إلهام وتسامح، ومن انطلاق وإشراق يملأ القلوب ويُطرب الآذان، تتقاسمه في هدوء وحنين لا ينضبُ.
أما الرجل الثاني في حياتي فهو والد أولادي ( أبو عبد الله ) والذي أشعر معه أني حرةَّ عقلا وروحا. واشعر أنني ذاتي، لِكن مفارقة (الوجدان في رحيل دائم للتي تسكنه) تجعل من تجربتي الوجدانية قلقا دائما.
إن قلب أي شاعر يرى ما وراء الأشياء لا يقْبلُ بالموسيقى المعزوفة عن بعد، أو مرور الطير العابر الذي لا يملك الوقت لرصد ما يطرأ على الروح والنمو الأدبي، وهذا لا يمنع إيمانه بقدراتي إيمان العقيدة.
إن التجربة الإنسانية للوجدان هي طيف من عالم الروح، طيف رومانسي صادق شفاف يسمو فوق ما يعرفه الناس، له رحيق الزهَّر، وحُلم الخير المطلق، وصفاء الخيال الساحر أما إذا اضطرب هذا الطيف بين زهور الفراق وشموعه لظروف لا نحكمها، كان بالنفس خاطراً وكأنه مسافرٌ لم يترك العنوان .
هذا لمن فوق 14.11.1961 ابنتكم عواطف الحوطي
ولمن كان حول هذا التاريخ من قريب أو بعيد أختكم أم عبد الله
ولمن كان تحت هذا التاريخ خالتكم أم عبد الله
وللجميـــــع ودِّي الإنســـــاني
هَذا قَصْري.. قَصْرُ الشّعرِ
(البحر الخفيف )
أنشدي يا زهور في الخط شعــــري
واقتفي بالــــوتين أصــــداء نَــثري
ليـــــتَ روحـــي تُعيدُنـــــي لِكِتابي
صَفْحَـةً، لا تَغــيبُ عنهُ بِسَطْــــــر
إنً في لوحةٍ الضـــًـراعةِ نفســــــاً
عَلمتْني الدُخــولَ من بابِ قصـْري
فمَحوتُ الســًـــراب حتّـــى كــأنّي
أملٌ، يحْفظُ اليقــــــينَ لعُــــذِري
حنينين كــــانا
( البحر الطويل )
ألسُت جُفونَ الوعدِ ذائقــــــةَ الكَـــرى
تَبيتُ عُيـــونُ الصًبِ وهــــــيَ تُنـادي
مَضى العُمرُ مثلَ الَريحِ تَجُري بـزائرٍ
وقَد أسَـــــرَجتْ للدًربِ كُـــــلً جيــادِ
إلـــــى أمَـــــلٍ مـــن الــــوُد نفحـــــةٌ
زكاهــــا بِـــزهـرٍ ساهِــــرٍ بِسُهـــــادِ
أتذكُرُنا يا شِعْــــري وكنْتَ مُلازمــي
فَصــرتُ وحيــــداً دونَ أي جـــــوادِ
وكُنت الــذي يُملـــي إلــيً وهِمًـــتي
عَلى حُلم تأتــــي نهـــــارَ فُـــــؤادي
وكُنتَ الذي تُثري وأنْتَ الذي شجى
تُسِطر شِعــري فـي سُطــورٍ وِدادي
يَفــيءُ نثــــيرُ المِســك منــكَ ومثلهُ
مداهُ سرى يَهفـــو بِوجْــــد مِــدادي
يُعللُني صَمتي وقـــد كُنتمــا معــــاً
حنينين قَضّا مَضُجعـــي ورُقـــادي
(القصيدتان مِنْ ديوان: الرحيق المسكوب.)