ولي وطن آليت ألا أبيعه ولا أرى غيرى له الدهر مالكاً
بدء السادات حملة على القطاع العام يندد بالإدارة الغير اقتصادية عديمة الكفاءة وكأن المشكلة مرتبطة بقطاع واحد وليس بمجمل الاقتصاد القومي بقطاعاته الحكومي والخاص والعام ، والآن وبعد مرور ثلاثة عقود على دعوة السادات للانفتاح ، وبعد ربع قرن علي دعوة الرئيس مبارك للإصلاح الاقتصادي تنفيذا لتوصيات مؤسسات التمويل الدولية وبيع العديد من شركات القطاع العام والدخول إلى مرحلة جديدة من الخصخصة مفتوحة لتشمل كل الأصول من بنوك القطاع العام إلى مرفق السكك الحديدية وشركات الكهرباء والمياه ووصولاً إلى قناة السويس والموانئ والمطارات . لقد تم خلال المرحلة السابقة بيع أكثر من 135 شركة حتى نهاية عام 2000 وبلغت حصيلة البيع حوالى 16 مليار جنيه وخرج أكثر من 450 ألف عامل إلى المعاش المبكر ، وتم بيع أكثر من نصف الشركات ولم يتبقى سوى الشركات الاستراتيجية فى قطاع الأدوية أوالشركات الخاسرة فى قطاع الغزل والنسيج ، كما تم بيع حصص الحكومة فى الكثير من البنوك المشتركة ولكن حكومة الدكتور نظيف تطلع إلى السير خطوات أوسع فى اتجاه خصخصة بنوك القطاع العام الكبرى والمرافق كالموانئ والمطارات والمياه والكهرباء وغيرها من المرافق الاستراتيجية، والخدمات العامة كالتعليم والصحة والنقل والمواصلات .
لذلك أصبح من الضرورى أن نشتبك بصورة أقوى مع قضية الخصخصة وطرح رؤيتنا لها ومساهمة كل الباحثين عن التقدم والتنمية وبناء اقتصاد مستقل متوازن و تكوين رؤية لشكل الإدارة الاقتصادية إلى نسعى إلي بناؤها بعيداً عن الاستسهال وطرح المقولات سابقة التجهيز ، إنني أتمنى أن يدار حوار موضوعي حول الخصخصة وأن نناقش مختلف جوانب القضية.
بداية أود التأكيد على انه ليس من صالح مستقبل الأجيال القادمة أن يدار أى قطاع اقتصادي بشكل غير اقتصادي وغير رشيد بغض النظر عن نوع الملكية ، فالقطاع العام السابق لم يكن مملوكاً للشعب وفق الرؤية الماركسية اللينينية المعروفة ، بل قد تغير شكل الملكية من الرأسمالية التقليدية السابقة على 23 يوليو إلى الرأسمالية البيروقراطية وحكم أهل الثقة وإبعاد أهل الخبرة ، فكانت بوابة الفساد الذى عشش فى القطاع العام منذ نشأته وحتى الآن ، لم يمنعه وجود ممثلين شكليين للعمال فى إدارة الشركات. ومع بداية الخصخصة اتسعت منافذ الفساد البيروقراطي وما عبدالغنى والحباك وعبد الرحمن وغيرهم سوى نماذج قليلة لأساليب نهب واستنزاف الثروة الوطنية الذى تم على امتداد عدة عقود داخل شركات وبنوك القطاع العام.
لقد لعب القطاع العام دورًا هامًّا فى بناء بعض الصناعات التى أحجمت عنها الرأسمالية التقليدية ، كما حافظ على الصمود الاقتصادي فيما بعد النكسة واستطاع لعدة سنوات الحفاظ على توفير سلع ضرورية بأسعار فى متناول الغالبية الكبيرة من جماهير شعبنا ، لذلك اجد القضية شائكة ومعقدة وتحتاج لتحليل وتقييم هادئ.
إننى حين أعقد مقارنة بين رواد الصناعة المصرية مثل طلعت حرب و محمد حسن يس وغيره من الصناعيين وبين القيادات الفاسدة التى توالت على بعض شركات القطاع العام منذ نشأته وحتى الآن أجد أن الكفاءة الاقتصادية والحرص على بناء صناعة وطنية لم تكن حكراً على أهل الثقة بل كانت قبل وصولهم للحكم ، كما أن الفساد والتزاوج بين الاقتصاد والحزب الوطنى وأجهزة الدولة هو آلية فاسدة ومفسدة ساهمت فى تبديد الثروة الوطنية ولم تجدد فى أساليبها الإنتاجية واتخذت من الاحتكار الحكومي وسيلة لفرض السلع الرديئة القليلة الجودة على المستهلك المصري الغلبان.
ولعل متابعة ضعف القدرات التنافسية للمنتج المصري فى الأسواق الدولية وعجز شركات القطاع العام عن تجديد أصولها وأساليبها فى الإدارة والتسويق وتدنى مستويات جودة منتجاتها واعتمادها على الدعم الحكومي من ناحية والفساد من ناحية أخرى قد ساهم فى صنع المأساة الاقتصادية التي نعيشها اليوم حيث نستورد كل احتياجاتنا من الإبرة إلى الصاروخ ، ونستخدم التكنولوجيا الحديثة ووسائل الترفيه التى وصل إليها الغرب بعد عرق وكفاح بدون مجهود ، فقد نجحت الشركات الدولية فى إطلاق كل قوى الاستهلاك الترفى الشريرة لتستنزف الأخضر واليابس ، ولعل انتشار أطباق استقبال البث الفضائى والإنفاق علي الهواتف المحمولة لخير دليل على ما فعلته بنا العولمة الرأسمالية المتوحشة.
والقطاع العام هو مثال بارز يجمع كل تناقضات التطور الاقتصادي فى مصر ، وهو ما يجعل العديد من القوى تردد تجاهه أكليشهات تحتاج إلى تدقيق ومراجعة.ورغبة منى فى المساهمة والمشاركة بدراسة موضوع الخصخصة رأيت أن احد السلبيات التي كان يضرب منها القطاع العام هو قضية تزايد مديونيته من الجهاز المصرفى وتأثير ذلك على الكفاءة المصرفية لبنوك القطاع العام لسنوات طويلة . ولكن خلال السنوات الأخيرة بدأنا نسمع عن مديونية القطاع الخاص وتعثر العديد من المشروعات وهروب بعض رجال الأعمال بالمليارات من مدخرات وثروة الشعب المصري . لذلك بحثت ضمن تقارير البنك المركزى المصري باعتباره بنك البنوك عن موقف الائتمان المحلي وتوزيعاته بين مختلف قطاعات الاقتصاد القومي ، واعتقد أن الإحصاءات التي ينشرها البنك المركزى هى مصدر موثوق به للدخول إلى القضية التي نحن بصدد تحليلها.
_ انخفضت مطلوبات الجهاز المصرفى من القطاع العام من 32.1 مليار جنيه عام 1997 إلى 29.2 مليار جنيه عام 2001 ثم ارتفعت مرة أخري إلى 34.9 مليار جنيه عام 2003.تغيرت أهمية المطلوبات من القطاع العام إلى باقى القطاعات من 23% عام 1997 إلى 12 % عام 2001 واستمرت درجة الأهمية لباقى السنوات عند 12%.
_ لم يتجاوز متوسط معدل النمو السنوى فى قروض القطاع العام خلال الفترة 1997 إلى 2003 حوالى 1% مما يعكس تقلص القروض الموجهة لهذا القطاع لصالح القطاع الخاص.
_ ارتفعت قيمة مطلوبات الجهاز المصرفى من القطاع الخاص من 87.9 مليار جنيه عام 1997 إلى 178.6 مليار جنيه عام 2001 ثم ارتفعت مرة أخري إلى 214.3 مليار جنيه عام 2003.وارتفعت أهمية المطلوبات من القطاع الخاص إلى باقى القطاعات من 63% عام 1997 إلى 75% عام 2001 و استمرت درجة أهمية قروض القطاع الخاص إلى باقى القروض عند 75%.
_ بلغ متوسط معدل النمو السنوى فى قروض القطاع الخاص خلال الفترة 1997 إلى 2003 حوالى 16% وهو أعلى المعدلات بين مختلف القطاعات الاقتصادية.
_ ارتفعت مطلوبات الجهاز المصرفى من القطاع العائلي من 19.8 مليار جنيه عام 1997 إلى 30.8 مليار جنيه عام 2001 ثم ارتفعت مرة أخري إلى 34.6 مليار جنيه عام 2003.انخفضت أهمية المطلوبات من القطاع العائلي إلى باقى القطاعات من 14% عام 1997 إلى 13 % عام 2001 ثم بلغت الأهمية لباقى القروض 12% فى عام 2003 .
_ لم يتجاوز متوسط معدل النمو السنوى فى قروض القطاع العائلي خلال الفترة 1997 إلى 2003 حوالى 10% مما يعكس تقلص القروض الموجهة لهذا القطاع أيضاً لصالح القطاع الخاص رغم أنه صاحب النصيب الأكبر من ودائع الجهاز المصرفي.
_ بلغ متوسط معدل نمو القروض لمجمل القطاعات حوالى 13% خلال الفترة 1997 – 2003 بينما تنمو قروض القطاع الخاص بمتوسط بلغ 16%.
_ تشمل الأرقام السابقة القروض المباشرة بينما توجد تسهيلات ائتمانية أخرى حصلت عليها مختلف القطاعات وقد تغيرت قيمتها من 34.3 مليار جنيه عام 1997 إلى 33.5 مليار جنيه عام 2003.
_ منح الجهاز المصرفي تسهيلات ائتمانية فى شكل اعتمادات مستندية مغطاة بالكامل نقداً فى عام 2000 بلغت 13.1 مليار جنيه منها 3.2 مليار جنيه للقطاع الخاص تمثل 24.4% من الاعتمادات المستندية المغطاة ، بينما حصل قطاع الأعمال العام على 1.3 مليار جنيه تمثل 9.9% من الاعتمادات سنة 2000.
_ كما منح الجهاز المصرفى خطابات ضمان غير مغطاة بالكامل نقداً فى عام 2000 بلغت 25.4 مليار جنيه حصل القطاع الخاص منها على 11.7 مليار جنيه تمثل 24.4% ، بينما حصل قطاع الأعمال العام على 2.9 مليار جنيه تمثل 11.4% من خطابات الضمان سنة 2000.
ـ تشير بعض الدراسات إلى أن حجم الديون المتعثرة بلغ 23.9 مليار جنيه في 1999 وأن الفوائد غير المحصلة بلغت حوالي 20 مليار جنيه وأن حوالي 77% منها يعود للقطاع الخاص.
ـ تم السماح للقطاع الخاص بالاقتراض المباشر من الخارج وهو توجه يحمل مخاطر كبيرة لمجمل الاقتصاد القومي وقد ارتفعت قيمة هذه القروض من 284 مليون دولار عام 1999 إلى 542 مليون دولار عام 2002 ثم وصلت إلى 158 مليون دولار عام 2004 أي ما يعادل 948 مليون جنيه . وتعد الديون الخارجية للقطاع الخاص من المخاطر التي ترفع من مديونية مصر الخارجية وتضيف ضغوط إضافية على الاقتصاد المصري في ظل تعثر الكثير من مشروعات القطاع الخاص وتوقفها عن السداد الذي تتحمله الحكومة على حساب باقي أوجه الإنفاق الأخرى ومن ثم يتحملها في النهاية محدودي الدخل.
نخلص مما سبق إلى ثبات وتقلص قروض الجهاز المصرفى للقطاع العام وقطاع الأعمال العام وزيادة ضخها للقطاع الخاص ، فى نفس الوقت قلصت الدولة ثم توقفت عن ضخ اى استثمارات جديدة فى القطاع العام الذى تعاني أصوله من التقادم والبدائية مقارنة بالتكنولوجيا الجديدة المستخدمة التى نجحت بعض شركات الاستثمار فى شرائها بالقروض المصرفية ، بينما وقف القطاع العام عاجز عن تطوير أصوله وأساليب إدارته حتى أصبح يباع بابخس الأسعار .
يحضرني فى هذا المجال رأى هام للأستاذة الدكتورة سلوى العنتري ضمن دراستها الهامة " القطاع المالى وتمويل التنمية فى مصر – التطورات والاستشراف حتى عام 2020 " ضمن مشروع مستقبل مصر عام 2020 حيث كتبت :
" أما فيما يتعلق بقطاع الأعمال الخاص فيلاحظ أن الفكرة الشائعة هي اعتماد ذلك القطاع بشكل أساسى على التمويل الذاتى – اى على مدخراته – فى تمويل الاستثمار ، ويدلل البنك الدولي على ذلك بان نصيب قطاع الأعمال الخاص من إجمالي الائتمان المحلي خلال النصف الثاني من التسعينات لم يكن يتجاوز 55% فى المتوسط ، وحيث أن نصيبه من الاستثمار المحلي كان يتجه إلى الارتفاع فإن هذا قرينة على ارتفاع معدلات ادخار ذلك القطاع والاعتماد عليها فى تمويل استثماراته .
وفى رأينا أنه أيا ما كان مستوى الادخار فى قطاع الأعمال الخاص خلال التسعينات فالمؤكد أنه لم يكن المصدر الأساسى لتمويل استثماراته ، وإنما تمثل ذلك فى الائتمان المصرفي .والعبرة هنا ليس بنصيب القطاع الخاص من جملة الائتمان – كما يذهب البنك الدولي – بل بنسبة ماحصل عليه من ائتمان إلى جملة مانفذه من استثمارات . قد تراوحت النسبة بين 57% و75% فيما يين يونيو 1994 ويونيو 1999 ، وهو ما يعنى أن قطاع الأعمال الخاص قد اعتمد فى تمويل ما يتراوح بين نصف وثلاثة أرباع ما نفذه من استثمارات على الاقتراض من الجهاز المصرفي " ( صفحة 27 من المرجع السابق ) .
أكثر من ذلك فقد اثبتت الدكتورة سلوى أن هذه القروض ذهبت للقطاع الخاص الحديث والكبير ، بينما القطاع الخاص التقليدى بمنشآته الصغيرة والذى يشكل غالبية منشآت القطاع الخاص لم يحصل سوى على 3.6 % فقط من إجمالى الائتمان الذي منحه البنك الأهلي أكبر بنوك القطاع العام فى عام 2001 سواء من مورده أو موارد الصندوق الاجتماعي وفى حدود 2 مليار جنيه.
لقد زادت استثمارات القطاع الخاص خلال العقدين الماضيين ولكنه لا يمول استثماراته من خلال ضخ أموال جديدة تضاف للثروة الوطنية ولكنه اعتمد على القروض المصرفية لتمويل مشروعاته اى اخذ أموال صغار المودعين لتمويل استثماراته أو كما تقول جدتى " خذ من ذقنه وافتله " وبما أنه يستثمر من جيب الجهاز المصرفى ( تشكل ودائع القطاع العائلى 62% من إجمالى ودائع الجهاز المصرفى فى مصر ) فهو حر فى رد القروض أو إعلان تعثره أو الفرار للخارج كما فعل محمود وهبة ورامي لكح وغيرهم من كبار المتعثرين الذين استثمروا آليات الفساد البيروقراطي فى الحصول على المليارات كما سنوضح فى جزئية تالية.
نود أن نتعرض هنا لبعض المتغيرات الهامة التى حدثت فى سياسات الإقراض التى يمنحها الجهاز المصرفي :
_ كان القطاع العام يتمتع بمميزات تفضيلية فى القروض والتسهيلات التى يحصل عليها خاصة من بنوك القطاع العام ، ولكن منذ مطلع التسعينات حدث تغير هام فى سياسات الأئتمان ، كما أن الشروط التى فرضتها مؤسسات التمويل الدولية ومنها البنك الدولي تطلبت وضع قيود على سياسات الأئتمان حرمت القطاع العام من الكثير من المميزات التي كان يحصل عليها، وإلزام البنوك بتصفية مديونيات القطاع العام المتراكمة.
_ حدث نمو كبير فى قروض القطاع الخاص خلال التسعينات وحتى الآن وبمعدل نمو بلغ 16% كما سبق أن أوضحنا.
_ تم توجيه 4.6 مليار جنيه من حصيلة بيع الشركات لسداد مديونياتها خاصة لدى الجهاز المصرفى.
_ الزم قانون قطاع الأعمال الشركات بتغطية خسائرها السابقة قبل إجراء أى توزيعات للأرباح. كما اعفى الشركات من توجيه جزء من مدخراتها إلى الاستثمار فى أوراق مالية حكومية.
_ تميزت قروض القطاع الخاص بعدة مميزات منها توجهها إلى بعض القطاعات مثل قطاع التشييد والبناء الذى حصل على 20.7 مليار جنيه عام 2000 رغم كونه من القطاعات العالية المخاطر ، وكذلك القطاع السياحي بل أن بنك التنمية الصناعية دعم القطاع السياحي باعتبار أن السياحة صناعة!!!! كما أن القطاع الخاص حصل على 68% من الودائع بالعملات الأجنبية كقروض فى عام 1998 وهو مؤشر خطير دفع البنك المركزى للتنبيه بعدم منح قروض بالعملات الأجنبية سوى للمشروعات التي تحقق إيرادات بهذه العملات.
_ حصل القطاع الخاص على 53% من قروضه بدون ضمان عينى.
_ حدث تركز فى القروض التى حصل عليها القطاع الخاص حيث حصل عدد محدود من العملاء على النسبة الأكبر من القروض!
هذه هى نتائج ما تسميه مؤسسات التمويل الدولية والحكومة الإصلاح الاقتصادي ، ولكم أنتم أن تسموه كما تشاءون.
يكفى هنا أن أعود إلى الدراسة الهامة حول القطاع المالى السابق الإشارة إليها حيث كتبت الأستاذة الدكتورة سلوى العنتري:
" على صعيد الخطاب الرسمي لاتكف الدولة عن تأكيد رهانها علي القطاع الخاص للقيام بمهام التنمية الاقتصادية ، وعلى صعيد الممارسة العملية يقترن ذلك بتزايد الدور السياسى لرجال الأعمال ، الذين صاروا يظهرون ضمن الوفود الرسمية المصاحبة للقيادة السياسية فى الجولات الخارجية والاجتماعات السنوية للمنتدى الاقتصادي العالمي كما يظهرون ضمن تشكيل المجلس الرئاسي المصري الأمريكي وينضم إليها المسئولين الحكوميين فى بعثاتهم السنوية لإبرام الصفقات و" طرق الأبواب " وأصبح لديهم قنوات للتأثير فى صنع القرارات والسياسات الاقتصادية سواء عبر تنظيماتهم المهنية المختلفة ( جمعيات رجال الأعمال متزايدة العدد ، اتحاد الصناعات ، الغرف التجارية ..) أو من خلال المراكز البحثية المعبرة عن مصالحهم والتى تتولى مهمة التنظير لتلك السياسات وعضوية المجالس الاستشارية لمراكز البحوث بالجامعات ، فضلاً عن الصحافة ووسائل الإعلام.
وتواصل الدكتورة سلوى تحليلها لتغيرات الجهاز المصرفى فتقول :
" إن التسعينات قد شهدت تمثيلاً قوياً لرجال الأعمال فى الجهاز المصرفي سواء كمشترين لحصص رئيسية من أسهم البنوك المطروحة للخصخصة أو كأعضاء فى مجالس إدارات البنوك المنشأة وفقاً لقانون الاستثمار.
وفى رأينا أن التزايد فى النفوذ السياسى لكبار رجال الأعمال وفى علاقاتهم بمراكز صنع القرار على مستوى الدولة وعلى مستوى الجهاز المصرفي قد شكل عنصراً ضاغطاً ومثل فى كثير من الأحيان احد الجوانب الرئيسية لقرار منح الائتمان لكبار رجال الأعمال أو المساهمة المباشرة فى مشروعاتهم أو ضمان ما يصدرونه من سندات.
إن التطورات التى حدثت كبيرة وضخمة وتأثيراتها عميقة والخسائر بالمليارات نتيجة تحالف رأس المال والحزب الوطني وسلطة الدولة والفساد ، لذلك أجد من الضروري أن نوقف الاستمرار فى إهدار الثروة المصرية وبيع ما تبقى من أصول هى ملك للأجيال القادمة ، علينا أن نقيم بموضوعية ما تم بيعه وهل نجح القطاع الخاص بكل القروض والتسهيلات التى حصل عليها فى تحقيق التنمية المطلوبة ، هل حافظ على توازن الأسعار وتوفير السلع والخدمات بالجودة والسعر المناسب للغالبية من جماهير شعبنا أم لا؟!!! هل لعب دور فى تطوير التعليم والصحة أم لا؟
أما القطاع العام والمرافق الحالية فما هو المستقبل الذى نريده لها ؟ ما هو الشكل الذي نطالب به وكيف تدار وكيف يمكن إصلاح القطاع العام بشكل حقيقى من أجل صالح الاقتصاد الوطنى ومستقبل أبنائنا ؟
إن العودة للقطاع العام الذى كان موجود فى الستينات والسبعينات مرفوض ، واستمرار القطاع العام المكبل منذ التسعينات أيضاً مرفوض ولكن لابد أن نبحث عن شكل جديد وقطاعات محددة يجب أن تكون تحت الملكية العامة وأخري يمكن تركها للقطاع الخاص .
لقد وصف أحد الخبراء الخصخصة وتبديد حصيلة البيع دون إضافة أصول إنتاجية جديدة بأنها مثل الفلاح الذى باع البقرة ليشترى بثمنها لبن ، فهل المعالجة التى تمت للقطاع العام يمكن أن تصدر عن عقلاء أو أشخاص يهمهم مستقبل هذا الوطن والكادحين محدودى الدخل ؟!!!!
لنسأل أنفسنا لماذا نجح السويركي ومحلات التوحيد والنور فى توفير سلع بأسعار فى متناول الغالبية الكادحة وهو ما فشلت فيه الكثير من شركات القطاع العام ؟ هل يمكن لعاقل أن يدعم فرض سلع رديئة على المستهلك ؟ هل يمكن لعاقل أن يدافع عن تدنى الإنتاجية وتخلف أساليب الإنتاج . إن القضية كبيرة والتصدي لها يحتاج لنقاش هادئ حتى نصل إلى مواقف واضحة.ليس لدى أى فصيل وصفة جاهزة ولكننا معاً يمكن أن نضع تصور لمستقبل القطاع العام الذى نريده وكيف يدار؟
ولكي يحدث ذلك علينا أن نصنع آلية " شكل تنظيمي" لإدارة الحوار والمناقشة ، من أجل تقييم ما حدث ، وبلورة رؤية مستقبلية ، ومن أجل التحرك الشعبي لوقف بيع ما تبقى . فمن هنا نبدأ !