في كل مرة تظهر أزمة اقتصادية حكومية في دولة ما؛ وتحتاج هذه الحكومة إلى الذهاب إلى صندوق النقد الدولي للمساعدة والاقتراض؛ يطل علينا صندوق النقد الدولي بروشتة علاجية لاقتصاد هذه الدولة كشرط لتقديم المساعدة والاقتراض.
وفي كل مرة يقدم صندوق النقد الدولي روشتة إلى حكومات الدول التي تعاني من أزمات؛ نجد أن هذه الروشتة لا تختلف كثيرًا في جوهرها؛ حيث تدور بالأساس حول رفع الدعم ورفع الأسعار وتحرير العملة، وتسير هذه الروشتة وفقا للمدرسة الليبرالية الكلاسيكية (Classical liberalism) أو للمدرسة الليبرالية الجديدة (Neoliberalism)، وهما مدرستان تستندان إلى مفهوم الحرية السلبية (Negative liberty)، وهو المفهوم الذي يشير إلى حرية الفرد في عدم الخضوع لسلطة الآخرين، وتؤكد المدرستان على حرية التجارة وعلى الحد الأدنى لدور الإدارة الحكومية في الاقتصاد.
ولقد ثبت أن هاتين المدرستين قد أخفقتا في تحقيق الاستقرار الاقتصادي المنشود؛ مما أدى إلى ظهور مدارس أخرى مثل الليبرالية الاجتماعية Social)liberalism) والليبرالية المنظمة (Ordoliberalism)؛ استنادًا إلى مفهوم الحرية الإيجابية (positive liberty) الذي يجعل للإدارة الحكومية دورًا إيجابيًّا فاعلًا في الاقتصاد من خلال توفير الفرص والقدرات على القيام بالأنشطة الاقتصادية.
ناهيك عن أن الخبرات الفعلية لروشتة صندوق النقد الدولي مع الأزمات الاقتصادية الحكومية لم تحقق النجاح المنشود مع دول أزمة اقتصاديات شرق آسيا عام 1997م؛ بل إن دولتي ماليزيا وكوريا الجنوبية اللتين رفضتا تطبيق هذه الروشتة إبان تلك الأزمة نجحتا في الخروج من الأزمة الاقتصادية وفي تحقيق انتعاش اقتصادي على نحو أسرع وبمعدلات أعلى من دولتي تايلند وأندونيسيا اللتين التزمتا بتطبيق سياسات صندوق النقد الدولي إبان هذه الأزمة، وتفسر لنا هذه الحقائق تراجع وتيرة العولمة الاقتصادية وتعثر المفاوضات التجارية وجولات تحرير التجارة الدولية.
ولقد أشار (Joseph E. Stiglitz) الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2001م إلى أن الطريقة التي يتم بها معالجة الأزمات الاقتصادية من خلال رفع الأسعار؛ من المحتمل أن يكون لها آثار عكسية على النمو الاقتصادي على المدى الزمني المتوسط؛ وربما الطويل أيضًا، وأشار أيضًا إلى أن صندوق النقد الدولي يقدم روشتة واحدة للجميع؛ بالرغم أنه لا يوجد مقاس واحد للجميع.
وهكذا وختامًا، يجب توخي الحذر في التعامل مع صندوق النقد الدولي وسياساته، وأن تعمل حكومات الدول على صياغة سياسات اقتصادية تتوافق مع بيئتها من خلال المتخصصين وبالتحاور مع مختلف أطراف المجتمع؛ وصولًا إلى سياسات اقتصادية مجتمعية تحقق الاستقرار الاقتصادي المنشود.
التدقيق اللغوي:
ريم المطيري