استكمالاً لمقال سابق حول كيفية الخروج من الحلقة المفرغة من عجز الموازنة وارتفاع الأسعار، توصلت فيه إلى وجود علاقة عكسية بين الأسعار ومستوى المعيشة؛ حيث ترتفع مستويات المعيشة عندما تنخفض الأسعار؛ ومن  ثم  يلاحظ أن الإدارة الحكومية في دول نامية تقوم بجهود حثيثة لمواجهة ارتفاع الأسعار من خلال العمل على دعم السلع وزيادة منافذ بيع السلع بأسعار مخفضة عبر مؤسسات الدولة، وهي بلا شك جهود ومحاولات طيبة للعمل على تخفيض الأسعار وتخفيف عبء المعيشة الواقع على كاهل المواطن. ولكن الوصول إلى انخفاض ملموس وثابت في الأسعار يتطلب التحديد الدقيق للتحدي الحقيقي للإدارة الحكومية الاقتصادية، والعمل على مواجهته بكل قوة.
ويمكن القول بأن التحدي الحقيقي للإدارة الحكومية الاقتصادية هو تبني سياسات عامة اقتصادية جديدة تعمل على كبح جماح التضخم ووقف ارتفاع الاسعار، بل والعمل على تخفيض هذه الأسعار؛ وذلك من خلال عدة إجراءات اقتصادية في مقدمتها ما يلي:
1- سن تشريعات قوية ورادعة لحماية المنافسة وتشجيعها ومنع الممارسات الاحتكارية.
2- سن تشريعات قوية ورادعة لحماية المستهلك وللسلامة والصحة المهنية.

3- تفعيل أدوار الأجهزة الحكومية المسؤولة عن حماية المنافسة؛ بما يحول دون الاتفاقات الاحتكارية ويحقق المنافسة الكاملة التي تسعى إلى الوصول إلى أقل سعر ممكن للسلع والخدمات الأساسية من صحة، وتعليم، وغيرها؛ وذلك بجودة معقولة.
4- تفعيل أدوار أجهزة الدولة المسؤولة عن حماية المستهلك والسلامة والصحة المهنية؛ بما يمنع الغش ويسهم في تحقيق حد أدنى من الجودة للسلع والخدمات لا يضر بصحة المستهلك.
5- تفعيل دور جمعيات حماية المستهلك؛ بما يساعد أجهزة الدولة في تخفيض الأسعار وتحقيق جودة معقولة للسلع والخدمات.
6- العمل على زيادة الإنتاج المحلي والوصول إلى الطاقة القصوى للتشغيل والإنتاج في مختلف المصانع العامة والخاصة؛ بما يمكن أن يخفض من حجم البطالة ويقلل من التكاليف الثابتة للسلع والخدمات؛ بما يؤدي إلى تخفيض الأسعار، وزيادة حركة البيع، وزيادة دوران رأس المال، وتحقيق مكاسب للمنتجين والتجار أيضًا.
7- الإعلان في مختلف وسائل الإعلام عن تخفيضات في الضرائب والرسوم الجمركية على السلع، والخدمات الأساسية، والأنشطة المرتبطة بها؛ مما يسهم في تخفيض أسعار هذه السلع والخدمات المحلية والأجنبية منها، ويؤدي إلى وقف زيادات الأجور السنوية، ويسهم في زيادة معدلات التسوق والسياحة للمتسوقين وللسياح الذين يبحثون في الأغلب الأعم عن البلدان منخفضة الأسعار.
8- التوقف عن الإعلان عن زيادات الأجور في الصحف ووسائل الإعلام، لأن هذا الإعلان يؤدي في حد ذاته إلى ارتفاع الأسعار.
9- احتواء القطاع غير الرسمي وخاصة المشروعات الصغيرة من خلال محفزات اقتصادية، ليندمج هذا القطاع في إطار منظومة الاقتصاد القومي وفي الرقابة على إنتاجه ومبيعاته لضمان سلامتها وجودتها أولاً، ثم الدخول في منظومة الاقتصاد الرسمي للدولة.
10- زيادة الوعي في مختلف وسائل الإعلام والثقافة بأن تخفيض الأسعار وزيادة المبيعات يؤديان إلى زيادة مكاسب المنتجين والتجار وارتفاع مستويات المعيشة للجميع على المدى الزمني  طويل الأجل وقصير الأجل، وكذلك زيادة الوعي بحرمة الممارسات والاتفاقات الاحتكارية.
وهكذا يزيد الإنتاج وتنخفض الأسعار بشكل ملموس وثابت، ويتزايد دوران عجلة الإنتاج، والنمو، والتنمية الاقتصادية في هذه الدول، ويتراجع عبء الإدارة الحكومية في العمل على دعم السلع والمنتجات، وينخفض عجز الموازنة، وتزيد أرباح المنتجين والتجار، ويحصل المستهلك على سلع وخدمات بأسعار وبجودة معقولة، وترتفع مستويات المعيشة للجميع، وتتقدم الدول.

التدقيق اللغوي: أنس جودة.

كاتب
أستاذ الإدارة العامة بكلية العلوم الإدارية - أكاديمية السادات. محكم بالمجلس الأعلى للجامعات المصرية لفحص الإنتاج العلمي للمتقدمين لشغل وظائف الأساتذة والأساتذة المساعدين. محكم بدوريات علمية عربية لتحكيم الأبحاث المقدمة للنشر. أشرف ويشرف على رسائل الماجستير والدكتوراه في الإدارة. عضو لجان المناقشة والحكم على رسائل الدكتوراه والماجستير في جامعات القاهرة وحلوان وعين شمس. رئيس تحرير موقع الإدارة العامة والمحلية. تولى عدة مناصب. له العديد من الكتب والدراسات العلمية والمقالات المنشورة.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية