تعمقت أزمة الرأسمالية الليبرالية عندما لوحظ أنه بعد مرور ما يقرب من خمس عشرة سنة على فرض برامج التكيف الهيكلي على دول افريقيا ما تحت الصحراء الكبرى ، لم تنجح هذه البرامج في تحقيق النتائج المنشودة، وهو ما يظهر جليا في الأوضاع الاقتصادية المتردية في هذه الدول. كما جربت الاصلاحات الرامية لإقامة نظم رأسمالية في دول أمريكا اللاتينية منذ الاستقلال عن إسبانيا في عشرينيات القرن التاسع عشر. وفي كل مرة، يرتد أهل أمريكا اللاتينية عن السياسات الرأسمالية وسياسات اقتصاد السوق بعد نوبة الحماس الأولى.
ولقد جاءت نظرية الدولة الرأسمالية الطرفية أو الدولة الرأسمالية التابعة في الأطراف لتحاول تقديم تفسير لإخفاق الرأسمالية في دول أمريكا اللاتينية وافريقيا جنوب الصحراء الكبرى ، حيث ذكرت النظرية أنه توجد سيطرة للاحتكارات الدولية المكونة من المراكز الرأسمالية الدولية(الولايات المتحدة وأوروبا واليابان) على آليات السوق الرأسمالية العالمية وأن هذه الاحتكارات تضع أشكال تقسيم دولي جديد لا يؤدي إلى تنمية رأسمالية متوازنة وحقيقية في الأطراف.
وقدم "هرناندو دي سوتو" تفسيرا لفشل الرأسمالية في دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى . وذكر أن هذا التفسير يحوى سلسلة من خمسة أسرار ، وهي : سر المعلومات الغائبة ، وسر إنتاج رأس المال وارتباطه بالنقود، وسر الوعي السياسي بحدوث ثورة صناعية –تجارية ضخمة في البلدان الأكثر فقرا، وسر الاستفادة من تاريخ الدول الرأسمالية الكبرى ، وسر الإخفاق القانوني لتوثيق الملكيات على النحو السليم الذي يمكن معه بسهولة تحويل الأصول إلى رأس مال داخل أو خارج حدود الدولة. ويتسم هذا التفسير بسلامة منطقه إلى حد كبير ؛ حيث يحدد أسباب إخفاق الرأسمالية في أمريكا اللاتينية وافر يقيا إلى عدم وجود أسس مهمة لنجاح الرأسمالية في هذه الدول ، وهي بالفعل أسس قد تفتقدها إلى حد كبير العديد من دول افريقيا وأمريكا اللاتينية .
وتؤكد خبرات التنمية في اقتصاديات السوق على الدور الحيوي للحكومة ، فالأسواق بحاجة إلى الحكومة مثلما تحتاج الحكومات الأسواق. فالحكومة تمكن الأفراد من المشاركة الفعالة في الفرص الاقتصادية المتاحة، وتقوم الحكومة بتهيئة المناخ المناسب لعمل الأسواق من حيث فرض تنفيذ العقود وأعمال البنية الأساسية ، كما تقدم الحكومة الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية والتعليم للمواطنين. كما تحتاج الحكومة إلى القطاع الخاص لتحقيق نمو اقتصادي متواصل ولإيجاد فرص عمل للأفراد.
ولقد قدمت السياسات الاقتصادية في السويد والدول الاسكندنافية نموذج "الطريق الثالث" حيث تقع ما بين الرأسمالية والاشتراكية، وذلك بعد الأزمة الاقتصادية التي واجهتها هذه الدول في أوائل تسعينيات القرن العشرين. فلقد قامت هذه الدول بإعادة صياغة سياساتها لتجمع بين التأكيد التقليدي على الأمن الاجتماعي وشبكات الأمان الاجتماعي مع تجديد التأكيد على الحفاظ على سياسات سليمة للاقتصاد الكلي وبيئة تنافسية للمشروعات . وتشمل المكونات الرئيسية في هذا النموذج ما يلي : مجموعة من السياسات الرشيدة للاقتصاد الكلي مع معدل منخفض للتضخم ، و بيئة ذات تنافسية كبيرة للشركات مع وجود بعض القيود ، و شبكة أمان اجتماعي قوية.
فإنفاق الحكومة ينقسم إلى قسمين هما : الإنفاق غير الإنتاجي (الخدمي) والإنفاق الإنتاجي. وتكمل الحكومة في النوع الثاني إنتاجية القطاع الخاص . وتوجد دلائل اقتصادية – وفقا للبنك الدولي- على أن الإنفاق الإنتاجي هو الذي يقود إلى معدل نمو ثابت للاقتصاد القومي. ولكن هذا لا يتناقض مع ضرورة الإنفاق على التعليم والصحة حيث دونهما لن يوجد الفرد الصحيح المتعلم المناسب للإنتاج .