تعد حماية المستهلك أحد الأسس المنطقية لنجاح اقتصاد السوق وازدهاره، وتقدم ألمانيا وفرنسا خبرات تاريخية متميزة في هذا الصدد.
فتقدم خبرة ألمانيا منذ عهد طويل نموذجا في حماية المستهلك، وذلك على النحو التالي:
-في عام 1923، صدر قانون حماية الجمهور من إساءة استعمال السلطة الاقتصادية. وتضمن اشتراط عقد كتابي تدرج فيه الشروط التي اتفق عليها المتعاقدون ، وإنشاء محكمة خاصة مؤلفة من أحد القضاة وعضوية ممثلين من التجار والصناع وممثل للمستهلكين ينتخب من بين الشخصيات المحايدة والمستقلة وأحد المستشارين الاقتصاديين للدولة، وتتدخل الحكومة بواسطة وزير الاقتصاد لعرض النزاع أمام المحكمة إذا عرض النزاع الاقتصاد العام والرفاهية العامة للخطر بالمغالاة في رفع الأسعار أو التفرقة بين العملاء.
-في عام 1949، صدر قانون العقوبات الاقتصادي. واستهدف هذا القانون تأثيم الأنشطة غير الاجتماعية للمنشآت في حالة ندرة البضائع لضمان الحاجات الحيوية، ووضع عقوبات على مخالفة قوانين الأسعار. ثم أضيف إلى هذا القانون مادة خاصة بالارتفاع غير المشروع للأسعار والعقوبات المنصوص عليها من السجن لخمس سنوات فأكثر والغرامة لمائة ألف مارك ألماني فأكثر، بالإضافة إلى النصوص الخاصة بالمصادرة ورد الربح غير المشروع.
ويشير النموذج الألماني لدور الإدارة الحكومية في مجال حماية المستهلك إلى بعد جديد في التجريم القانوني للارتفاع غير المشروع للأسعار ، وهو يشير إلى مدى ما وصل إليه حدود التدخل الحكومي في اقتصاد السوق لدولة متقدمة .
ولقد وضع المستشار الألماني جيرهارد شرودر في يناير عام 2001 الأسس لحماية المستهلك كمجال سياسي مستقل ومهد بذلك لبداية سياسية جديدة في حماية المستهلك والانتاج الزراعي. ومن خلال تأسيس الوزارة الاتحادية لشؤون حماية المستهلك والتغذية والزراعة ، أصبحت هناك وزارة مختصة اختصاصا شاملا بكل ما يتعلق بسياسة المستهلك. وتقوم الحكومة الاتحادية الألمانية بتعضيد تعريفها الجديد لسياسة المستهلك على المستوى المؤسسي. وتعترف الحكومة بأن عليها أن تولي الآن اهتماما أكبر لصالح المستهلك عن ذي قبل وأن تدخلها بفاعلية في إطار نظام السوق الاجتماعي لحماية مصالح المستهلك، وتعده أمرا ضروريا جدا. وتتطابق أهداف سياسة حماية المستهلك الوطنية الألمانية مع الخطوط العامة للسياسة الأوروبية لحماية المستهلك وهي: الحفاظ على صحة وسلامة المستهلك، وحماية المصالح الاقتصادية للمستهلك، وتزويد المستهلك بالمعلومات وتوعيته، ودعم تمثيل مصالح المستهلك.
بينما تقدم خبرة فرنسا منذ عهد طويل نموذجا في دور الإدارة الحكومية لحماية المستهلك في دولة رأسمالية متقدمة تنتهج نظام اقتصاد السوق. فتعاقب المادة 419 في قانون العقوبات لعام 1864 التحالفات للمضاربة على الأسعار أو القيم المنقولة؛ حيث نصت على تجريم تلاعب المنشآت والمشروعات الاقتصادية بالمعروض من السلع من خلال عمليات الخفض أو الرفع المصطنع للأسعار وإنشاء الاحتكارات في الأسواق باستخدام الطرق الاحتيالية التالية:
- بث أو نشر وقائع ومعلومات مزورة أو مفتراة لجذب الجمهور للإقبال على شراء سلعة معينة أو صرفه عنها بهدف التأثير في معدل المعروض منها.
- طرح كميات كبيرة من السلعة لا تتناسب ومعدلات الطلب الطبيعي بقصد إحداث اضطراب وخفض عمدي للأسعار(ممارسات الإغراق).
- اختزان السلع بقصد احتكارها والانفراد بسوق توزيعها.
- عرض أثمان أعلى مما يطلبه البائعون لسلعة معينة بغرض الانفراد بحيازتها وإحداث نقص مصطنع في الكميات المعروضة.
- التهديد أو التأثير على تجار التجزئة لإجبارهم على بيع السلعة أو عرضها وفق مستويات سعرية معينة.
- أية وسائل أخرى يكون من شأنها التلاعب على أي نحو بالمسار الطبيعي لقانون العرض والطلب.
إن دعم سعر المستهلك من جانب الحكومة لسلع ضرورية لا يتنافى مع اتفاقية الجات التي تعبر في جوهرها بشكل عام عن الحرية الاقتصادية والتجارية واقتصاد السوق الحر، ولكن بشرط أن يشمل هذا الدعم السلعة المنتجة محليا وبديلها الأجنبي ، وذلك لأن غاية الاتفاقية عدم اختلاق تميزات للسلع عن بديلاتها ترويجا لها على حساب تلك البديلات.