يُعتبر الفستق الحلبي من الأشجار المثمرة المتساقطة الأوراق ، ويوجد من الفستق الحلبي عشرون نوعاً منتشرة في خمس مناطق جغرافية مختلفة والمناطق الرئيسية الأربع منها توجد في نصف الكرة الشمالية. وتجدر الإشارة إلى أن شجرة الفستق الحلبي عريقة القدم في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط إلا أن الموطن الأصلي للفستق الحلبي هو سورية (حلب – عين التينة) . وتشير كثير من المراجع إلى أن هذا الجنس عرف منذ 3500 سنة قبل الميلاد في منطقة غرب آسيا وبلاد الشام. و اسم الفستق الحلبي نسبة إلى حلب كمنطقة تقليدية بزراعة هذه الشجرة منذ القديم. لذلك فإذا ماذكرت مدينة حلب فإنه يترافق معها الفستق الحلبي. وقد تغنى بثماره الشعراء وشبهوا ثماره بثغور الحسان فقد قال الشاعرعبدالله يوركي حلاق بهذا الصدد : حلب مقر النابغين *** يشع في الدنيا سناها
فيها الجنان الزاهرات *** تمد للعاني حناها
والفستق الغيران يحكي *** في جوانبها الشفاها
ومن الدلائل الواضحة على قدم زراعة هذه الشجرة في سورية وجود أشجار مسنّة في قرية عين التينة (منطقة القلمون بمحافظة ريف دمشق) تقدر أعمارها بحوالي 1800 سنة ولا زالت تحمل ثماراً حتى أن إحداها ذات جذع يبلغ محيطه حوالي 11 متراً، كما توجد شجرة عمرها 700 سنة حية في منطقة كرمان في إيران وهي منطقة مشهورة بإنتاج الفستق الحلبي.
إن شجرة الفستق الحلبي تنمو في العالم بين خطي عرض 30ْ و 45ْ . وتنجح زراعتها ضمن مجالات متفاوتة من حيث ارتفاع الموقع ومعدل الأمطار، وتتراوح هذه بين مايقرب من 50م عن سطح البحر كما في مربين (استراليا). وتجود زراعة شجرة الفستق الحلبي في المناطق الجافة، وتتميز بأنها شجرة قنوع تتحمل الظروف الجافة وارتفاع درجات الحرارة حتى + 45 درجة مئوية في الصيف ثم انخفاضها في الشتاء حتى –17 درجة مئوية كما في منطقة حلب. وتنجح زراعة شجرة الفستق الحلبي في مختلف الأتربة حتى أنها تنمو في أراضي حامضية قليلة الكلس، وتفضل الأتربة الرملية الكلسية جيدة الصرف. وقد تبين أن زراعة هذه الشجرة في الأراضي العميقة الغنية تعطي مردوداً اقتصادياً جيداً، لكن لاينصح بزراعتها في الأراضي الرطبة ذات مستوى الماء الأرضي المرتفع. كما تقاوم شجرة الفستق الحلبي الملوحة في التربة نسبياً.
تعتبر ثمار الفستق الحلبي مصدراً هاماً للفيتامينات والعناصر المعدنية كما أنها غذاء هام للإنسان ومميع للدم، ومفيدة في معالجة انقطاع وعسر الطمث والأمراض النسائية. وقد ذكر ابن سينا بأنها تفتح سدد الكبد وتقوي الذاكرة والذكاء وتشفي من السعال المزمن وتزيل قروح الفم. وهي غنية أيضاً بالفيتامينات مثل B1,B2,A وكذلك بالعناصر الغذائية الأخرى وخاصة الكالسيوم والحديد والمغنزيوم مما يجعلها ذات قيمة غذائية عالية.
وتبدو الأهمية الاقتصادية لزراعة الفستق الحلبي في العالم من تقارير منظمة الأغذية والزراعة العالمية FAO خلال الأعوام 1969- 1999 بأن الإنتاج الثمري ازداد في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ. فقد كان إنتاج العالم في نهاية الستينات من القرن الماضي حوالي 32 ألف طن، وارتفع في بداية التسعينات إلى مايعادل ثمانية أمثاله ،أي أكثر من ربع مليون طن، وبلغ في نهاية القرن العشرين مايقرب من نصف مليون طن.
وعموماً تتميز إيران بأكبر إنتاج ثمري لهذا النوع من الأشجار المثمرة حيث وصل أعلى إنتاج لها حوالي 314 ألف طن عام 1998، يلي ذلك الولايات المتحدة الأمريكية USA بمعدل حوالي 85 ألف طن في العام نفسه ، ثم تركيا بأقصى إنتاج لها 70 ألف طن عام 1997، وسورية في المرتبة الرابعة بأعلى إنتاج يقرب من 35.5 ألف طن عام 1998، وكذلك الصين في المرتبة الخامسة بإنتاج 30 ألف طن في نهاية القرن العشرين.
وتدل الإحصائيات السورية بأن زراعة الفستق الحلبي في سورية آخذة بالتحسن خلال السنين الأخيرة. وتتركز زراعة شجرة الفستق الحلبي في المحافظات الثلاث حلب – حماه – ادلب .
إن أهم الأصناف المنتشرة في سوريا والمتميزة بنوعيتها وإنتاجيتها العالية هي:
- العاشوري: صنف منشأه منطقة حلب ويطلق على هذا الصنف (الحلبي الأحمر) نسبة إلى لون الثمرة الأحمر الجذاب للمستهلك وهو معروف في أمريكا الشمالية بهذا الاسم
(RED ALEPPO) . وهي شجرة ذات نموات قوية شبه قائمة. ويعد صنف باكوري في تفتحه الزهري ونضجه مقارنة مع غيره مع الأصناف. ويعد من أصناف المائدة الفاخرة الذي يتناول طازجاً وكذلك مملحاً أو مصنعاً، كما أن بذور هذا الصنف هامة جداً لارتفاع نسبة إنباتها وسرعتها وقوة غراسها في العام الأول من زراعة البذور.
- ناب الجمل: من الأصناف المميزة بنكهتها وطعمها الحلو وهي ثمرة كبيرة بالمقارنة مع العاشوري وسميت بناب الجمل لتشابه شكل الثمر الانسيابي مع شكل ناب الجمل .
- الباتوري: صنف منشؤه منطقة حلب، والتسمية يحتمل أن تكون نسبة إلى شكل الثمرة مبتور القمة ، شكلها شبه كروي ولون الثمار أبيض. والشجرة متوسطة النمو، نمواتها متدلية تشكل نموذجاً خيمياً.
- العليمي: منشأ هذا الصنف أيضاً منطقة حلب، وهي شجرة متوسطة الحجم بنموها وشكلها نصف قائمة ويعد صنفاً متوسطاً في موعد التفتح الزهري والنضج، والطعم فيها أقل حلاوة من العاشوري.
- العجمي: إن الصنف العجمي ذو منشأ إيراني والشجرة متوسطة النمو ذات نموات شبه قائمة، وهو صنف متوسط في التفتح الزهري والنضج، ولون الثمرة شبيه بلون ثمار العاشوري مع تلون بني على أحد جوانب الثمرة.
- اللازوردي: منشأ هذا الصنف هو منطقة حلب، وهي شجرة متأخرة في التفتح الزهري والنضج.
من المعروف أن هذه الشجرة لم تلق الاهتمام الكبير من الباحثين في العالم مقارنة مع أنواع الأشجار المثمرة الأخرى كالتفاحيات واللوزيات والحمضيات. لذا فإن مشاكل تطوير زراعة الفستق الحلبي تحتاج إلى إيجاد الحلول العلمية والتطبيقية المناسبة.
يستعمل الفستق الحلبي في عدد من الأطعمة، وهو عنصر أساسي في (آلة الخزانة) أي في جهاز ليلة العرس للعروسين. وقد تغنّى الرحالة دي لاسال الذي كان يزور حلب بالفستق في كروم حلب. ومن المعلوم أن صوت تفتح الفستق يُسمع مع السحر، وبخاصة في الليالي المقمرة، وكأن فتحته ثغر جميل، ويسميه الحلبيون (حبّ الفهم).
تحدّث عنه الأطباء العرب قديماً فقالوا:
ابن سينا : طبعه أشد حرارة من الجوز. يفتح سدد الكبد لمرارته وعطريته، وفيه عفوصة وغذاؤه يسير جداً وهو جيد للمعدة،وهو يفتح منافذ الهواء، ودهنه ينفع من وجع الكبد الحادث من الرطوبة والغلظ.
ابن البيطار: الفستق ثمرة طيبة تنقّي الكبد وتنفع من علل الصدر والرئة والذي ينال البدن منه من الغذاء يسير جداً. وهو أشبه أن يكون مفرّحاً مقوياً للقلب. ومن خاصته تطييب النكهة، ويمنع أبخرة المعدة التي ترقى إلى أعلى، ويزيل المغص.
ابن جزْلة : جيد للمعدة ويزيد في الباءة، وينفع من السعال البلغمي، ولبه يزيل الخفقان، ويولد الدم الجيد ويخصب البدن ويزيد في العقل والحفظ والذكاء، ويصلح الصدر.
تغنى الشعراء بالفستق الحلبي وارتبط في مخيلاتهم بالليالي العامرة ، وللشاعر عادل الغضبان قصيدة جميلة في مدح الفستق ، نذكر منها :
والفستق الحيران أطبق جفنه *** غيظاً ولاح بوجنة صفراء
يرنو إلى الصيف الجميل لأنه *** يختال فيه بحلّة حمراء
فكأنه وذكاء تلقي نورها *** حباتِ مرجان بكف ذكاء
ياحسنه متدلياً ، يالحنه *** متشققاً في الليلة القمرا ء
والشاعر عبدالله يوركي حلاق في قصيدته : "عصير الحرمان" بعد أن رأى حسناء تقشر فستقة بأسنانها اللؤلؤية فخيل للشاعر أن ثغرها والفستقة بحجم واحد، فقال:
ثغر بحجم الفستقة *** سبحان رب نسّقه
هو برعم متفتق *** أو وردة مغرورقة
ضحكاته ألحان طير *** في الشفاه مزقزقة
قبلته فإذا الشفاه *** على الشفاه معلّقه
ورشفت خمرة ريقه *** مسكيّة ومعتّقة
فنأيت عن أفق الجمو *** د وعن حدود ضيقه
وقضيت في ملكوته *** لحظات حب شيّقه
وقد اشرأب معربدان *** إلى العيون المحدقهْ
في رأس كل منهما *** كرة بقدّ البندقه