قضيت أمسية الاثنين الماضي ضيفا على مايكل مور، وفيلمه المثير للجدل، فهرنهايت 11/9، وكنت أعرف سلفا الكثير عن محتوى الفيلم لفرط ما قرأته عنه في الصحف العربية والأجنبية، وكان المهم بالنسبة لي أن أحاول فهم السؤال: كيف يستطيع إنسان أن يجعل فيلما وثائقيا، عملا يحظى بإقبال جماهيري، يتفوق على ما تحظى به أفلام هوليوود التي تكلف مئات الملايين،.. ففيلم فهرنهايت خرج عن كل الأطر المتعارف عليها في صناعة السينما الجماهيرية،.. مثلا ليس فيه حسناء واحدة، بل ربما كان أجمل وجه نسائي يظهر خلال الفيلم هو وجه كوندوليسا رايس (فتأمل!) ومايكل مور مخرج ومنتج وكاتب سيناريو الفيلم يظهر في عدة مشاهد بنفسه، وبينه وبين الوسامة كالذي بين بوش وصدام حسين اللذين يظهران في الفيلم مرارا،.. جلست في دار السينما لمشاهدة الفيلم مرتين: الأولى للاستمتاع به وقد كنت سلفا أعرف أنه ممتع لأنه مليء بالملاحظات الساخرة والمشاهد الجديدة خاصة عن الحرب على العراق، والمرة الثانية لمشاهدته بعين ناقدة تريد أن تتعلم من مور الفذ بعض أبجديات صنعة الأفلام التسجيلية، فرغم أن صلتي بالعمل التلفزيوني بدأت في عام 1975 ورغم أنني درست فن الإخراج التلفزيوني في بريطانيا في السبعينات إلا أنني لم أنجح قط في تحقيق حلمي بإنتاج برامج وأفلام وثائقية، على ولعي الشديد بتلك النوعية من البرامج الذي جعلني أدمن قنوات تلفزيونية مثل ديسكفري وناشونال جيوجرافيك،.. وخلال المشاهدة الثانية للفيلم استطعت أن أستنتج بكل سهولة أن مايكل مور بلطجي ومستهبل كبير ولكنه شاطر وحاذق،.. فالغرض من الفيلم هو النيل من الرئيس الأمريكي جورج بوش، ومن ثم يبدأ الفيلم بالمعركة التي شهدتها ولاية فلوريدا بعد أن ساد الهرج والمرج خلال عد الأصوات، وأُعلن فوز آل جور على بوش ثم أعلنت محكمة أن بوش هو الفائز رغم احتجاجات آلاف السود الذين تم إسقاط أسمائهم من الكشوفات الانتخابية علما بأنهم كانوا يعتزمون التصويت لصالح جور، لأن السود والأقليات عموما لا تميل إلى الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه بوش بسبب سياساته اليمينية الاستعلائية،.. صراحة مور بهدل بوش وما ترك له جنب يرقد عليه، فقد أشبعه تريقة بالتعليق الصوتي أو تصويره في مواقف بايخة،.. وهنا تجلى فن الصنعة عند مور فبانتقائية تفتقر إلى الأمانة (وهو على كل حال لم يزعم أنه يصدر فيلما تاريخيا موثق الأحداث) اقتطع أقوال بوش وقدمها خارج سياقها بحيث بدا الرئيس الأمريكي أقرب إلى المهرج.. وبما أن أبو الجعافر يحب بوش مثل حبه لفيفي عبدو والكوسا وبوريس يلتسين فقد استمتع بالفيلم رغم إدراكه أن الكثير من الحقائق فيه محوَّرة.
ومما يشرح الصدر أنه كانت في الفيلم مساهمة عربية، ففي مشاهد العويل والاحتجاج في العراق أطلق مور لصرخات النساء وشتائم الرجال لأمريكا العنان باللغة العربية، ولفائدة المشاهد الناطق بالإنجليزية تمت ترجمة الكلام الذي باللغة العربية إلى الإنجليزية، وعند وضع الترجمة العربية على الشريط قام مترجم عربي عبقري بترجمة كلام العراقيين (وهو أصلا بالعربية) من الإنجليزية، وكانت الترجمة كلها غلط، وكانت بالتالي نقطة الضعف الوحيدة في الفيلم.