أثناء دراستي الثانوية أكرمني الله عز وجل بملازمة شباب ( لجنة الصحبة الصالحة ) بجمعية الإصلاح الاجتماعي في منطقة مشرف ، مما وفر لي – بفضل الله تعالى – زاداً شبه يومي من التذكير والتدريب على أهمية توجيه النصح للآخرين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
فالنصيحة تعتبر ركناً أساسياً في الإسلام لذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ) ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزء من هوية المسلم وواجباته اليومية ، وإلا خالفنا في تحذير النبي عليه الصلاة والسلام : ( وما ترك قوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إلا لم ترفع أعمالهم ولم يسمع دعاؤهم ) . ومن المؤسف حقاً أن تمر أمام أعيننا – يومياً – عدة منكرات : كمعاكسة شاب لفتاة أو إزعاج الآخرين بموسيقى صاخبة أو إلقاء القاذورات بالشوارع أو ... الخ ، وذلك في الأسواق التي نرتادها والشوارع التي نستخدمها وأحياناً في ( الفرجان ) (1) التي نسكنها ، ولكن هذه المشاهد المؤسفة تمر علينا مرور الكرام دون أن ننهى فاعلها عنها ولو بنظرة عتاب أو توجيه عابر !
ولا زلت حتى اليوم أتذكر موقف جارتنا الفاضلة التي عاتبت منذ عدة سنوات أحد أصحابي ، عندما رمى علبة العصير الفارغة من سيارته المتوقفة أمام بيتنا في الشارع ، فلم تقل هذه الجارة : إنها ليست مسؤوليتي أو ( آنا شكو ) (2) وغيرها من الأعذار الواهية التي نغطي بها في معظم الأحيان تقاعسنا عن النصح وخوفنا من ردة الفعل ، فكان ما فعلته الجارة الكريمة درساً لصاحبي العزيز وموقفاً قد لا ينساه طوال حياته .
الخلاصة التي أريد الوصول لها هي أن الإسلام ليس كالأديان الأخرى التي نختلف معها جذرياً من ناحية أن لديهم أناس يسمونهم (رجال الدين ) يختصون – دون باقي البشر ! – بالحث على الخير والنهي عن الشر .
أما في ديننا فكل مسلم ومسلمة مأمور بالالتزام بدينه وبحث من حوله على الإلتزام كذلك قدر استطاعته ، أما وظيفة : الخطيب والفقيه والإمام فهي وظائف نحترمها ونقدرها لاتصالها بأمور ديننا ، لكنها لا تمنح القائم عليها حصانة أو قداسة أكثر من الطبيب والمحامي والمدرس مثلاً ، فنحن جميعاً مشتركون في واجبات عامة على رأسها : الأمر بالمعروف والحث على الخير وتشجيع القائمين عليه ، والنهي عن المنكر والشر وإبعاد الناس عنه ، ونحن جميعاً سنحاسب أمام الله تعالى على تقصيرنا في هذه الواجبات الشرعية .
سؤال أخير : متى كانـت آخر مرة مارس فيها كل منا شيئاً من هذا القبيل ؟ ولو عبر ( خزة ) (3) حادة أو ( مسج ) (4) قصير أو نصيحة مختصرة نوجهها لمن يرتكب الخطأ أمامنا دون أدنى إحساس بالمسؤولية .
نبضة : " بالتجربة عرفت أنه لا شيء في الحياة يعدل ذلك الفرح الروحي الشفيف ، الذي نجده عندما نستطيع إدخال العزاء أو الرضى ، الثقة أو الأمل أو الفرح إلى نفوس الآخرين " ( سيد قطب ) .
_____________________
(1) جمع فريج وتعني : الحارة في اللهجة المحلية.
(2) تعني : ما دخلي أنا باللهجة المحلية.
(3) تحديق النظر بشدة في اللهجة المحلية.
(4) ترجمة لفظية لـ massage وترمز لـ : لرسائل النصِّية القصيرة للهواتف المتنقلة.