من مصائب هذا الزمان وما أكثرها! مصيبة القلم!! نعم! القلم الذي تقبض عليه يد لا تعرف حقه ولا تُقَدِّرُ أمانة الكلمة! فالقلم الذي ارتبط في أذهان الناس بالنور والضياء وغدا رمز العلم والأدب يستحيل في يد من لا يؤتمن عليه إلى مِعْوَلِ هدم وخنجر طعن، فكثير من الفضلاء الأبرياء كانوا من ضحاياه إذ تعرضوا لرشقات مداده الحارقة وطعنات شفرته الجارحة! ومع بروز آليات عالم النشر السريع التي تنتقل الكلمات عبرها بسرعة البرق، أصبحت طعنات القلم أكثر فتكًا وأعظم ضررًا، فلم تدع بيت وبر ولا مدر إلا ولجته حتى بلغت العذراء في خدرها!
وصديقنا الحبيب النائب د. وليد الطبطبائي ممن ناله هذه الأيام قسط كبير من طعن الأقلام الجارحة التي تجاوزت في القسم الأكبر منها حدود اللياقة والأدب، ومن نافلة القول أن نذكر أن النقد النزيه الخالي من الشتم والتجريح والجدال الملتزم بأدب الحوار ليس محل اختلاف أو نقاش، فحق الاختلاف مكفول للجميع، لكن المستنكر أن يتخذ المرء من حرية النقد وسيلة يتوصل بها إلى تصفية حسابات خاصة أو تفريغ أحقاد شخصية مزمنة، ومما يدلك على ذلك في حالة د. وليد: عنف لغة الخطاب المهاجم له وهي لغة لا ترعوي في طيشها عن شيء حتى عن السخرية من لقب عائلته الكريمة، وهو ما يجعل ذلك النقد قريبًا من منازلات أبناء الحواري الشعبية لا حَمَلَة الأقلام الذين يُتَوَقَّعُ منهم الترفع عن مثل هذا الإسفاف الرخيص.
لقد حمل الدكتور وليد الطباطبائي شعار الدفاع عن القيم الخلقية للمجتمع وكان بشهادة المخالف والموافق وفيًّا لذلك الشعار، وقد كلفه ذلك الكثير مما يعرفه كل من يتابع مقالات الزوايا من ( اليسرا ـ ليبراليين) بدءًا من محاربته قبل سنين للخيم الرمضانية التي تختلط فيها ألحان الموسيقى الصاخبة بأدخنة الشيشة الكريهة، إلى موقفه الرافض لإقحام المرأة في دوامة اللعبة السياسية هذه الأيام، وهو في كثير من مقالاته ومشاركاته الخطابية يحذر من تغريب المجتمع الكويتي، واستيراد النموذج الغربي بعجره وبجره وتقديمه للناشئة على أنه النموذج الرائد في ميدان الحضارة والرُقِيِّ، وهو الأمر الذي أشار إليه في كلمته في المهرجان الخطابيِّ الأخير المُقام في دارة النائب بورمية، حين تحدث عن الوجه الحقيقيِّ لهذا النموذج المستورد، وما يعانيه المجتمع الغربيِّ من تفكك وتحلل، واستشهد على ذلك بالتشريعات التي أقرت في الكثير من دول الغرب، حول الزواج المِثْلِيِّ كما يصفونه تخفيفًا من حقيقته الكريهة!! وكان من نتيجة ذلك أن شاغب كثير من الكتاب المناوئين له في هذه القضية مدعين أنه ينعت المؤيدين لحقوق المرأة السياسية بأنهم مثليون و... و...!! وهو بهتان مكشوف لكل من قرأ كلمة د/ وليد بإنصاف وشفافية، ولكن... لا يملك العاقل سوى أن يتمثل بقول الشاعر:
بلاءٌ لَيْسَ يَعْدِلُهُ بَلَاءٌ ........... عَدَاوَةُ غَيْرِ ذِي حَسَبٍ وَدِينِ
يُبِيحُكَ مِنْهُ عِرْضًا لَمْ يَصُنْهُ.... وَيَرْتَعُ مِنْكَ فِي عِرْضٍ مَصُونِ
وهكذا يدفع د. وليد ضريبة تبنيه للقضايا الخلقيَّة والاجتماعيَّة على يد الكتاب الذين يصفون أنفسهم بالليبرالييِّن، بينما نجد النموذج الليبراليَّ الأمريكيَّ الإنجيليَّ الذي يسيطر على الحياة السياسيَّة، يعمل بحماسة وجد على تسويق التشريعات التي تحمل طابع القيم المسيحيَّة الإنجيليَّة، ويتخذ من القضية الخلقيَّة شعارًا كبيرًا يلوح في مقالات قادته وخطابات زعمائه، فَهَلَّا تشبه بهم أنصار الليبراليَّة المزعومة هنا!
كاتب وأستاذ جامعي كويتي