ودَّع العالم الإسلامي الأسبوع الماضي فقيدين كريمين من رجالاته المعدودين، لهما في سِفْرِ المجد صحائف نورانيَّة تعبق بطيب الصنيعة ونفح العطاء، وحري بنا أن نستذكر في هذه المقالة شذورًا من مناقبهما العطرة, أولهما: الزعيم الشيشانيُّ أصلان مسخادوف الذي اغتيل على يد قوات روسية خاصة بعد أن رصدت لرأسه مكافأة قدرها 10 ملايين دولار، ولد الفقيد عام 1951 في جمهورية كازخستان فقد رحَّل الطاغية ستالين الشعب الشيشانيَّ من دياره العام 1944، وعاد مسخادوف مع وَالِدَيْهِ إلى بلده في سن السادسة، وتدرج في المراتب العسكرية للجيش السوفياتيِّ حتى بلغ رتبة عقيد في سلاح المدفعيَّة عام 1991.... وحين بدأت حرب الاستقلال تولى مسخادوف رئاسة أركان الجيش الشيشانيِّ الوليد ونجح بحنكته العسكرية في مواجهة الآلة الروسيَّة الهائلة بجيش قليل العدد والعُدَّة وذلك فيما بين عامَيْ 1994 و1996 وقد انتُخِبَ رئيسًا للشيشان العام 1997 وحين اجتاحت القوات الروسية الشيشان العام 99 حمل مسخادوف السلاح مرة أخرى للدفاع عن شعبه ووطنه، وظل مستمرًا في حياة الكر والفر حتى يوم اغتياله ولم يكن الفقيد قائدًا عسكريًّا فقط بل كان زعيمًا سياسيًّا يحسن فنون المناورة ويستغل المنابر الدولية للمطالبة بحقوق شعبه، وقد نجح في إحراج الزعيم الروسيِّ بوتين كثيرًا ببراعته ودهائه.
وأمَّا الفقيد الآخر فقد كان من حَمَلَةِ القلم، وهو رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة أستاذنا الدكتور شوقي ضيف الذي أفنى عمره في خدمة اللغة العربية تدريسًا وبحثًا وتأليفًا، وقد ولد أحمد شوقي عبد السلام ضيف في محافظة دمياط 1910 وحفظ القرآن الكريم في كُتَّاب قريته (أولاد حمام)، وتدرج بمراحل التعليم النظاميِّ المختلفة حتى حصل على ليسانس الآداب من جامعة القاهرة 1935 وكان الأوَّل على دُفْعته، ثم حصل على الماجستير في عام 1939 والدكتوراة عام 1943 وكان موضوعها (الفن ومذاهبه في الشعر العربي) وقد تدرج في وظائف التدريس بكلية الآداب حتى أصبح أستاذًا ورئيسًا لقسم اللغة العربية وعميدًا للكلية, وأما المجمع فقد بدأ عمله فيه محررًا لمعجم الوسيط، واختير عضوًا فيه عام 1976، فأمينًا عامًّا له سنة 1988 فنائبًا للرئيس 1992 فرئيسًا للمجمع ولاتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية 1996 وهو عضو في مجمع دمشق، وعضو شرف في مجمع الأردن والمجمع العراقي, كما تولى التدريس في عدد من الجامعات العربية كجامعة الكويت والرياض وبغداد وبيروت وعمان، وحصل على جوائز وأوسمة كثيرة منها: جائزة الدولة التقديرية في الآداب 1980 وجائزة الملك فيصل في الأدب العربي 1982 وجائزة مبارك في الآداب 2003 ورشحه مجمع اللغة العربية في ديسمبر 2003 لجائزة نوبل في الأدب.
ويعد الفقيد أبرز تلاميذ الدكتور طه حسين وتربو مؤلفاته على الخمسين مؤلفًا من أبرزها موسوعة تاريخ الأدب العربي في عصور مختلفة التي عمل في إنجازها نحو 30 سنة هذا بالإضافة إلى ستة كتب تراثية محققة أبرزها كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد, كما أشرف على عشرات الأُطروحات العلمية، وتلامذته كثرة كاثرة في شتى الجامعات العربية وقد أُلِّفت عن حياته العلمية عدة مؤلفات منها رسالة ماجستير للباحثة الإيرانية (شكوه حسيني) بعنوان (الآراء النقدية في النحو والبلاغة للدكتور شوقي ضيف) وقد تشرفت بالتتلمذ على يديه في السنة المنهجية للدراسات العليا في مادة تحقيق التراث عام 1992 رحم الله الفقيدَيْنِ الكريمَيْنِ وأسكنهما فسيح جناته.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية