إن النباتات تتميز عن الكائنات الحية الأخرى بخاصية نمو أجزاءٍ بديلة لما يقطع أو يحرق أو يذبل منها، فما أن تمسك غصن شجرةٍ ما وتكسره، حتى ترى خلال فترةٍ قصيرةٍ نسبيًّا برعمًا أخضر يانعًا ينمو من حيث قطع سلفه أو كسر! فسبحان الله العظيم وبحمده.
وإذا كان للناس نصيبٌ من أسمائهم فإنني أجزم بأن للبلدان كذلك نصيبٌ من أسمائها وألقابها، فها هو لبنان الشقيق يُرمز له بشجرة الأرز الشامخة في مرتفعاته والراسخة في ترابه، وها هم اللبنانيون يختارون ذات الشجرة شعارًا رسميًّا لبلدهم المعطاء، والنتيجة؟ أن البلد والشعب على حدٍّ سواء أخذوا من خصائص "الأرز" خاصة والنباتات عامة أحلى الصفات وأحسنها. فما إن يريد أعداء لبنان به سوءًا عبر اغتيالٍ دنيء لرمزٍ من رموزه حتى يشمخ البلد بأسره ثابت الوجدان وراسخ البنيان، في دلالةٍ واضحةٍ على عمق جذوره وصلابة عوده وعود شعبه الوفيِّ.
وما أن اغتيل الشهيد بإذن الله/ رفيق الحريري في 14/2/2005 حتى تنادى أبناء لبنان الأوفياء في دعواتٍ صداقة لتفويت الفرصة على أعداء القطر والأمة، والثبات على خط الفقيد في العقلانية بالطرح والحفاظ على التكاتف والوحدة الوطنية.
ولنستمع للراحل يلخص رؤيته هذه قائلًا: (إن مواجهة التحديات، أية تحديات لا يمكن أن تستقيم إلا من خلال جبهة داخلية متراصة، تحاكي طموحات اللبنانيين وإرادتهم وثقتهم بدولتهم وحكومتهم) من بيان استقالته الأخيرة 20/10/2004.
لقد شهد تاريخ هذا الإنسان ذي الأيادي البيضاء على صدق أقواله وشعاراته، فأعماله الخيرية لم تفرق بين الناس بحسب الهوى أو الهوية، بل حرصت على خدمة الجميع بلا تفرقةٍ أو تمييز، مما يمثل صورةً مشرقةًً أخرى عن العمل الخيريِّ الإسلامي الراقي بأشخاصه ومؤسساته ودوله.
إن واجب الوقوف الشعبي والرسمي مع لبنان ليس واجبًا عروبيًّا أو إسلاميًّا فحسب، ولكنه واجب وطني يقع على كاهل الحكومة والشعب معًا لأن جمهورية لبنان كانت أول دولةٍ تستنكر غزو نظام العراق البائد لوطننا الكويت، كمـا كـانـت حـركـة حماس هي أول منظمة شعبية تستنكر ذات الجريمـة فـي 2/8/1990.
وإذا كان الحريري يرعى وداد لحظة، فكيف بمن وقف معنا موقفًا بطوليًّا مُشرِّفًا في ساعة الحاجة ووقت العسرة! أليس أولى بالمجازاة بالحسنى والتعزية عند البلوى من سواه؟
ختامًا: أسأل الله تعالى أن يرحم دولة الرئيس/ رفيق الحريري وسائر موتى المسلمين، وأن يحفظ لبنان وسائر ديار المسلمين من كل سوء. آمين.