لم يعد الكتاب وحده مصدرًا للمعرفة، فإلى جانب الكتاب ظهرت عشرات المصادر والوسائل التي من خلالها يتلقى الإنسان المعرفة. الفن في حد ذاته مصدر ووسيلة من مصادر ووسائل نقل المعرفة إلى جانب كونه مصدرا من مصادر المتعة والجمال والخيال، مثل اللوحة التشكيلية، والتمثال، والشريط السينمائي، والقصيدة الشعرية، والقصة القصيرة، والرواية، وغيرها. ولن نتحدث عن هذا كله في هذه العجالة، ولكن سينصب حديثنا على مصدر جديد من مصادر المعرفة، ووسائل نقلها، ليس على مستوى البلد الواحد فحسب، ولكن على مستوى العالم كله، وأعني بها شبكة الإنترنت، التي فتحت المجال على مصراعيه لأن تكون مصدرا من أهم مصادر المعرفة في العالم كله، ووسيلة من أهم وسائل نقل هذه المعرفة من مكان إلى آخر، ومن بلد إلى آخر، في لمح البصر، وبمجرد ضغطة واحدة على مفتاح (إنتر) بلوحة المفاتيح، أو (كليك) واحدة على أية وصلة من وصلات شبكة الإنترنت التي تحتوي الآن على مليارات المواقع في شتى مجالات المعرفة.
ثم نعرِّج على الشرائح الممغنطة التي تشير التوقعات إلى أنها ستحدث انقلابا جذريا في طريقة تلقي المعرفة.
وليس هناك شك في أن شعبية شبكة الإنترنت تزداد يوما بعد يوم، بعد أن كانت مقصورة في بداية عهدها (في عام 1969) على الأغراض العسكرية، وخاصة أثناء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وما أن تفتت الاتحاد السوفيتي وانهار، وانتفى ـ أو قلَّ ـ الغرض العسكري لهذه الشبكة، إلا وسارع الجميع من أجل استغلالها في الأغراض المدنية كافة، فأصبح للشبكة، ومن يتعامل معها، وجودٌ كونيٌّ افتراضي، وأصبح الواقع الذي تمثله، واقعا افتراضيا، يأتي موازيا تماما للواقع الطبيعي الذي نحياه فعلا، وكل هذا يتم دون استخدام الورق والأحبار والأقلام وما إلى ذلك، الأمر الذي ينتفي معه تماما وجود الكتاب الورقي (التقليدي) أثناء حديثنا عن هذا الواقع الافتراضي، الذي يرفع شعار "عالم بلا ورق"، بل ظهر ما يسمى بالإنسان الافتراضي، وهو الإنسان الذي يتعامل مع هذا الواقع الافتراضي، وهو جالس في بيته أمام جهازه الإلكتروني، منفتح على العالم الافتراضي من خلال شبكة الإنترنت، هذا العالم الذي يمنحه شكلا أقرب ما يكون إلى شكل الأيقونة الصغيرة، التي تظهر على شاشة سطح المكتب. وهو بهذا الشكل يتخفَّى تماما ولا تظهر إلا أفكاره ومعتقداته ومواهبه ولغته الحاملة لتلك الأفكار والمعتقدات والمواهب، وربما تنحرف اللغة عن طبيعتها في هذا الواقع الافتراضي، وتنشأ لغة جديدة تناسب هذا الواقع الذي يفرز لغة خاصة به ـ في بعض الأحيان ـ هي أقرب إلى لغة الاختزال، وهو ما بدأ يتشكل بالفعل من خلال لغة الشات أو المحادثة والحوار داخل الغرف الإلكترونية.
هذا الواقع الافتراضي بدأ يُنتج أدبه، وبدأ يُنتج ثقافته البعيدة كل البعد عن المنتجات الورقية من كتب ومعاجم وموسوعات وصحف ومجلات.. الخ، حيث صار كل شيء رقميا، فهناك الأدب الرقمي، وهناك الثقافة الرقمية، وتحولت الكتب لأن تصبح كتبا إلكترونية أو كتبا رقمية (مثل e – book ) وبدأت المعاجم والموسوعات تتحول هي الأخرى لكي تصبح إلكترونية، وانتشرت مقولة بيل جيتس "إن كل تراث لن تتم رقمنته سيصبح تراثا منسيا".
ومن هنا أخذ المثقفون أو الأدباء الرقميون يسارعون في تحويل أعمالهم السابقة إلى أعمال رقمية تنشر في مواقعهم، أو مواقع الغير، على الشبكة الدولية، وفي الوقت نفسه يحاولون نشر أعمال قدمائهم من خلال وسيط رقمي، وسأضرب مثالا بالموسوعة الشعرية (الرقمية) التي أصدرها المجمع الثقافي بأبو ظبي والتي تحتوي في آخر إصدار لها على أكثر من مليونين وأربعمائة ألف بيت شعر، وتهدف إلى جمع كل ما قيل من الشعر العربي منذ ما قبل الإسلام وحتى العصر الحديث، وقد ضمت هذه الموسوعة التي جاءت في أسطوانة مدمجة واحدة، دواوين 2300 شاعر عربي، بالإضافة إلى 265 مرجعا أدبيا تضمها زاوية المكتبة، فضلا عن زاوية المعاجم التي تحوي عشرة معاجم لغوية، تعد أهم معاجم اللغة العربية. مع ملاحظة أن هذه الأسطوانة تباع في مصر بعشرة جنيهات مصرية فقط (أي أقل من دولارين) وأن لها موقعا على شبكة الإنترنت، من الممكن إنزال الموسوعة منه بالمجان.
ولنا أن نتخيل لو أن المجمع الثقافي بأبو ظبي لجأ إلى الطباعة الورقية لمثل هذه الموسوعة، ماذا سيكون حال المتعاملين معها، أو حال مستخدميها. لن أتحدث عن المكان الذي ستشغله أجزاء الموسوعة على الأرفف الخشبية أو المعدنية، ولن أتحدث عن سعر هذه المجلدات، وإنما سأتحدث عن الخدمة البحثية التي يسعى إليها الباحث في حالة طلب معلومة معينة عن شاعر أو عصر أو بيت شعري، كم سينفق من الوقت في حالة البحث ورقيا، وكم سينفق من الوقت في حالة البحث رقميا؟ ثم نقارن بين تدوين المعلومة بعد العثور عليها. في الحالة الأولى يلجأ الباحث إلى تدوين المعلومة بخط يده في أوراقه، وفي الحالة الثانية يلجأ إلى عمليتي النسخ واللصق في المكان المحدد من بحثه، دون أدنى تكلفة في الوقت والجهد. ثم أنه من الممكن أن يخطئ الباحث وهو ينقل المعلومة من مكانها بالمجلد، إلى مكانها في بحثه، أما في حالة النسخ واللصق فنسبة حدوث الخطأ قليلة جدا، إن لم تكن صفرا، فضلا عن إمكانية سماع القصيدة ملقاة بصوت أحد الشعراء أو الفنانين، وهو الشيء المستحيل حدوثه في حالة الطباعة الورقية.
أيضا سعى قطاع الفنون التشكيلية التابع لوزارة الثقافة المصرية إلى جمع تراث الفن التشكيلي في أسطوانات مدمجة، فأصدر أعمال بعض الفنانين على مثل هذه الأسطوانات، وتباع الأسطوانة الواحدة بسعر خمسة وعشرين جنيها (حوالي أربعة دولارات أمريكية) مثال على ذلك أسطوانة الفنان محمود سعيد، التي تعد معرضا تشكيليا لأعمال سعيد، تشاهده وتتجول به، على شاشة جهازك وأنت جالس في بيتك. إن مجلد محمود سعيد ذا الورق المصقول الملون الذي يضم بعض أعماله الفنية يباع بأكثر من مائة جنيهات مصرية (حوالي 16 دولارا أمريكيا) وهو ثقيل في وزنه، كبير في قطعه، على عكس الأسطوانة المدمجة خفيفة الوزن، ومن الممكن أن توضع في جيب قميصك.
وتمشيا مع روح العصر، فقد سبق أن اقترحتُ على القائمين على مشروع مكتبة الأسرة أن تصدر الموسوعات: مصر القديمة، ووصف مصر، وقصة الحضارة، وغيرها، في أسطوانات مدمجة، بدلا من هذه المجلدات الورقية التي تنأى بها رفوف مكتباتنا المنزلية. ولكن يبدو أن الهيئة المصرية العامة للكتاب لم تدخل بعد عصر النشر الرقمي، ونأمل أن تسارع الهيئة ـ من خلال قيادتها الجديدة ـ إلى اللحاق بركب التقدم العلمي والتقني في هذا المجال.
إن الموسوعة البريطانية على سبيل المثال لم تعد تطبع في طبعات ورقية منذ سنوات عدة، اكتفاء بطبعتها الرقمية التي حلت الكثير من مشاكل الطباعة الورقية، وتحديث المعلومات المستمر.
لحظات فارقة بين عصرين
لذ فإنني أستطيع القول إننا نعيش الآن لحظات فارقة بين عصرين من عصور النشر، هما النشر الورقي والنشر الرقمي أو الإلكتروني، تمامًا مثلما عاشت البشرية تلك اللحظات الفاصلة عندما اخترع يوهان جوتنبرج حروف الطباعة في عام 1465م، فتحقق لعالم النشر قفزةٌ نوعيةٌ هائلة وصفها مارتن لوثر ـ مؤسس المذهب البروتستانتي ـ بأنها "أسمى فضائل الرب على عباده"، واستفاد منها المجتمع الإنساني طوال القرون السابقة.
وعلى الكتَّاب والأدباء والنقاد الذين يريدون مواكبة عصر المعلوماتية والنشر الإلكتروني أن يسرعوا في تأهيل أنفسهم معرفيا ومعلوماتيا، وأن يجيدوا مهارات جديدة متعددة، فعليهم أولا أن يتآلفوا مع التكنولوجيا الجديدة، ويتعرفوا على أساسياتها، ولا بد لهم من معرفة بإدارة قواعد البيانات، والسيطرة على الطبيعة التفاعلية للوسيط الجديد. وما أسهل عملية النشر بعد ذلك، حيث التحرر من قبضة الناشرين وأصحاب المعارض ولجان مقتنيات المتاحف، ويتم ذلك إما عن طريق البريد الإلكتروني E-mail أو تأسيس موقع على الشبكة العالمية، ولكي تنشر أفكارك على الشبكة، فإن كل ما عليك القيام به هو أن تطبع أفكارك على جهازك وتبعثها بالبريد الإلكتروني إلى الموقع المختار.
الإرهابيون وشبكة الإنترنت
لقد استفاد بعض الإرهابيين الجدد من وجود شبكة الإنترنت في حياتنا، وبدأوا يؤثرون على شبابنا من خلالها، فرأينا بعض الشباب ينجرفون وراء ما يسمى بعبادة الشيطان، وآخرون يتعلمون كيفية تصنيع المتفجرات من المعلومات المتاحة لهم على الشبكة، فأنتج هذا المناخ حوادث إرهاب يعاني منها المجتمع الدولي (منها حادثة حي الأزهر الأخيرة، على سبيل المثال)، ولعل فيلم "مافيا" للفنان الشاب أحمد السقا استطاع أن يضع يده على ظاهرة استخدام الشبكة الدولية في حوادث الإرهاب.
وبناء على هذا التصور العملي تصبح شبكة الإنترنت، أداةَ النشر الذاتي الأكبر على الإطلاق، ويصبح من السهولة الاتصال بأناس لم تلتق بهم أو تسمع عنهم قط، والذين يتفق أن يشاركوك اهتماما ما. وفي هذه الحالة سيكون المجال مفتوحا أمام فرص أدبية وفنية ونقدية وعلمية تفوق الخيال لجيل جديد من النابغين خاصة أن تكنولوجيا المعلومات تمثل تهديدا حقيقيا للمبدع (التقليدي) سواء من حيث إنتاجه أو طبيعة عمله.
اتحاد كتَّاب الإنترنت العرب
ونتيجة لكل الإنجازات الرقمية التي تحققت في السنوات القليلة السابقة، فكَّر مجموعة من الأدباء والكتَّاب العرب المتعاملين مع شبكة الإنترنت، وأصبحت جزءا من إيقاع حياتهم اليومية، في تكوين اتحاد كتَّاب الإنترنت العرب، وقطعوا شوطا بعيدا في هذا المجال، وأصدروا بيانهم التأسيسي الذي جاء فيه:
(إننا نعيش الآن في لحظة تحول كبرى، ولحظات التحول هي لحظات ارتباك وحيرة وضبابية، وأصحاب الرؤى وحدهم هم القادرون على الإبصار، وتلمس الدرب فيها، ذلك أننا وجدنا أنفسنا ـ نحن العرب ـ فجأة في ظل ثورة أخرى لم نستعد لها كأمة، وداهمتنا كمد كاسح بحيث غدونا متلقين لا مشاركين فيها، وهذه الثورة هي الثورة الرقمية التي أخذت تجتاح كل جوانب الحياة من حولنا ونحن لا نشعر، فلقد ولد العصر الرقمي، وتغير المجتمع والناس من حولنا، وتغيّر شكل الحياة تبعا لذلك، وتغيّرت المفاهيم والقيم، أو هي في طريقها للتغيّر السريع .. وظهر إلى الوجود مفهوم الحياة الرقمية، والمجتمع الرقمي، والواقع التّخيلي والإنسان الافتراضي.
لقد زُلزلت ـ إثر هذه الثورة الكاسحة ـ سلسلة المفاهيم والقيم الراسخة والمتوارثة على مدى الأجيال، وظهر للوجود نظام قيمي جديد، ومفاهيم أخرى مختلفة للحياة والواقع الذي ما عاد واقعا مستقرا وثابتا كما كان، بل أصبح واقعا افتراضيا تحول فيه الخيال إلى واقع، والواقع صار كما الخيال، وحتى الخيال نفسه انتفى من كينونته الحلمية، فصار معرفة لا يحدها شيء سوى قدرات العقل البشري اللامحدودة.. فأين نحن من ذلك كله؟
إذا انتظرنا.. فإن العالم لن ينتظر، والقطار يسير بسرعة الضوء محيدا المسافة التي أصبحت نهاية تقترب من الصفر مثبتا الزمن وعابرا له في ذات اللحظة.
إننا نشعر أن المسئولية الكبرى تقع الآن على عاتق المثقفين العرب أينما كانوا، فهم طليعة هذه الأمة، وضميرها الحي، لطرح رؤى وأطر جديدة ومغايرة، تتواءم مع تسارع الحياة الرقمية الجديدة والمجتمع الرقمي والواقع الافتراضي الجديد.
وقد لاحظنا أن هناك العديد من الجهود الفردية المتناثرة هنا وهناك من قبل مثقفين وكتاب عرب متحمسين للحاق بركب هذه الثورة، والمشاركة الفعالة فيها، وفي صنع المستقبل وكسر الحدود الجغرافية المصطنعة بيننا في الوطن العربي، وبيننا جميعا والعالم، خصوصا وأن المسافة غدت نهاية تقترب من الصفر، فارتأينا أن هذه الجهود الفردية المتميزة بحق، وحتى تكون أكثر فعالية وتأثيرًا، لا بد لها من ناظم يجمعها ويوحدها ويدافع عنها ويحمل رسالتها للعالم كله.
لهذا .. ومن هذه المنطلقات جميعها ارتأينا نحن ـ مجموعة من المثقفين والكتاب والإعلاميين العرب ـ تأسيس هيئة ثقافية عربية رقمية تسمى "اتحاد كتاب الإنترنت العرب"، ونحن ومن خلال تأسيسنا لهذا الاتحاد نضع صوب أعيننا العمل الجاد لتحقيق الأهداف التالية:
ـ نشر الوعي بالثقافة الرقمية في أوساط المثقفين والكتاب والإعلاميين العرب، وكذلك نشر الوعي بالثقافة الرقمية بين أوساط الشعب العربي.
ـ يسعى الاتحاد جاهدا لتحقيق قفزات نوعية في وعي الشعب العربي عموما للالتحاق بركب الثورة الرقمية التي تجتاح العالم.
ـ المساهمة الفعالة في نشر الثقافة والإبداع الأدبي العربي، من خلال استخدام وسائل العصر الرقمي، بما فيها شبكة الإنترنت.
ـ توحيد الجهود الفردية للمثقفين العرب عموما وأعضاء الاتحاد خصوصا لنشر وترسيخ مفهوم الثقافة الإلكترونية، والدخول بقوة فاعلة ومؤثرة عالميا للعصر الرقمي.
ـ رعاية المبدعين والموهوبين العرب، وتنمية قدراتهم والعمل على إبرازها ونشرها رقميا.
ـ السعي الحثيث لإدخال الثقافة والإبداع العربي بأصنافه كافة، ضمن سيل المعلومات المتدفق السريع.
ـ ترسيخ مفهوم أدب الواقعية الرقمية، بصفته الأكثر قدرة على الاتساق مع روح العصر.
ـ إنشاء دار نشر إلكترونية تسهم في نشر الإبداع الأدبي العربي بكافة أشكاله.
ـ التواصل الفعَّال والمؤثر مع سيل المعلومات المتدفق من خلال التواصل مع المثقفين من أرجاء العالم كافة، وإنشاء صيغ للتبادل الثقافي معهم باستخدام شبكة الإنترنت.
ـ العمل على إيجاد مكتبة إلكترونية عربية شاملة تحتوي على الإنتاج الثقافي العربي ونشره إلكترونيا.
ـ الدفاع عن حقوق الملكية الفكرية للكتاب الذين يمارسون كتاباتهم رقميا وعلى شبكة الإنترنت.).
النشر عن طريق الحذاء
غير أن أمر النشر الإلكتروني قد يكون أكثر إثارة في المستقبل القريب، عن طريق النشر باستخدام الحذاء، وذلك بوضع شريحة إلكترونية أو إلكترون في الحذاء يمكنه نقل معلومات شخصية إلى الآخرين، وكل ما على المرء أن يفعله هو أن يصافح يد شخص آخر، ولأن الجلد بطبيعته مالح وناقل للكهرباء، فمن الممكن لكتاب، أو لسيرة ذاتية أن تنتقل كهربائيا من الحذاء إلى الأيدي، ومن ثم إلى يد الشخص المتعرف عليه، ومن ثم إلى حذائه، وقد يثبت هذا في نهاية الأمر جدواه كطريقة ملائمة لتبادل مكتبات إلكترونية ضخمة مع شخص آخر في الشارع، وفي غضون ثوان قليلة، ومن هنا تأتي أهمية الأحذية التي تدخل حلبة النشر الإلكتروني لأول مرة في حياة البشر، ليتحول الحذاء إلى التعامل مع ذهب الأدمغة، إلى جانب تعامله مع ذهب الأتربة.
انقلاب في طريقة تلقي العلم والمعرفة
ليس هذا فحسب، ولكن توصل العلماء أيضا إلى أنه بإمكان الخلية العصبية أن تطلق وترسل إشارة إلى شريحة سيليكونية، وأن بإمكان هذه الشريحة السيليكونية أن ترسل إشارة أيضا إلى الخلية العصبية، مما يسهل من تبادل المعلومات بين الشريحة السيليكونية والخلية العصبية، وإذا ثبت نجاح هذه الطريقة على الخلايا العصبية البشرية، فإننا سنكون أمام فتح جديد للنشر الإلكتروني، حيث يمكن للمخ البشري أن يستقبل كل المعارف والخبرات البشرية السابقة والحالية، دون قراءة تقليدية. وسيحدث هذا بلا شك انقلابا بشريا هائلا، بل جذريا، في طريقة تلقي العلم والمعرفة. وفي هذا يقول د. خالص جلبي: "يتم زرع الدماغ برقائق كمبيوترية مدمجة بحيث تتحد النهايات العصبية مع الرقائق الإلكترونية Ships وتتبادل من خلالها الأعصاب والكمبيوتر، المعلومات".
كما يمكن من خلال وصل مراكز الدماغ العليا بالكمبيوتر، نقل معلومات وذكريات من دماغ أي إنسان إلى أي كمبيوتر، أو إلى إنسان آخر، بما يشبه عملية النسخ الفوتوغرافية.
ليس هذا فحسب، بل إن تفريغ المعلومات سوف يعتمد نظاما إلكترونيا، وليس نظاما فيزيائيا قاصرا، فنحن الآن حينما نريد نقل المعلومات لا نزال نركب ظهر الصوت الفيزيائي، أما بهذه الطريقة الجديدة فسيتم نقل المعلومات في لمح البصر، مما يمكن نقل أو تفريغ (أو إنزال) انسكلوبيديا (دائرة معارف) كاملة في دماغ إنسان في دقائق معدودة، تماما مثلما ننسخ القرص المدمج أو القرص المرن (ديسكيت) من الكمبيوتر، بما يشبه نقل البيانات من كمبيوتر إلى آخر، ومنه إلى البشر، فيتحقق شيء مذهل أشبه بالإنترنت، ولكن من شبكة عصبية كهربائية بين كمبيوترات العالم وأدمغة البشر أجمعين.
ليس هذا فحسب، ولكن الأمر الذي ربما يشبه روايات الخيال العلمي، يكمن في قدرة العلماء على إنتاج ترانزستورات كمية دقيقة أصغر من الخلية العصبية، مما يمنح الكمبيوتر قدرة على تطوير الخلايا العصبية إلى شبكات عصبية بقوة الشبكات الموجودة في المخ البشري، وعن طريق الثورة البيوجزيئية، يصبح من الممكن استبدال الشبكات العصبية لدماغنا البشري بأخرى مصنَّعة مما يعطي البشر في الاتجاه النهائي للبحث العلمي شكلا من أشكال الخلود، ويمنح الفرصة أيضا لنسخ الدماغ البشري خلية خليةً. وأعتقد أن هذا هو أقصى ما يطمح إليه العلماء في الوقت الراهن، وما لم يكن يحلم به أبدا الناشرون الإلكترونيون أو الرقميون.
وبنظرة مستقبلية يمكن القول إن كل المعلومات المخزنة حاليا في كل كمبيوترات العالم، قد يمكن في يوم ما تخزينها في مكعب مجسم وحيد، عن طريق تداخل شعاعين ليزريين مع بعضهما.
بعد هذه الإطلالة السريعة على الحاضر والمستقبل القريب، نستطيع الإجابة عن السؤال المطروح اليوم: هل الكتاب لا يزال مصدرا للمعرفة في عالمنا المعاصر؟