منذ سنوات وأنا احتفظ بملف ضخم، يقوم شاهدا على مدى تدهور نظامنا التعليمي، بحيث صار ينتج جهلة بدرجة دكتور، وقد بدأ الملف كرصد للإبداعات والإضافات العربية للغة الإنجليزية، خلال فترة عملي مدرسا لتلك اللغة بالمرحلة الثانوية، بعد أن لاحظت أن الطلاب يصبحون - عاما بعد عام - أكثر قدرة على الفتك بتلك اللغة والتعدي عليها، وكان الغرض من ذلك هو الرصد الأكاديمي للأخطاء الشائعة في اللغة الإنجليزية عند الناطقين بالعربية، بعد أن أعجبت بكتاب حول الموضوع (كومون مِسْتيكس إن إنجليش) ألفه اسكتلندي عمل مدرسا للغة الإنجليزية في السودان لنحو عشرين سنة، ثم عاد إلى بلاده وافتتح دار نشر تخصصت في إنتاج الكتب المتعلقة بتدريس اللغة الإنجليزية للطلاب العرب، ثم عملت بالترجمة مع أشخاص يحملون درجات جامعية وفوق الجامعية واكتسبت في هذا المجال خبرة أهلتني لتقييم الراغبين في العمل بالترجمة وعندها اكتشفت إلى أي مدى جامعاتنا فاشوش، واكتشفت أن مصيبة جامعاتنا هي أنها تخرج أجيالا لا تحسن التعبير حتى بلغتها الأصلية التي هي العربية، ثم تسللت إلى مجال الإعلام وأدركت أنه مجال يحمل اسما لا يستحقه، فالإعلام من التعليم بمعنى التوجيه والتبليغ،.. وليس القارئ بحاجة إلى شهادتي ليدرك كيف أن وسائل الإعلام باتت أداة فتك باللغة العربية،.. ليس لشيوع العامية في معظم أدوات الإعلام، ولكن لضعف إلمام الكثير من الإعلاميين باللغة العربية، وبالمواضيع التي يتطرقون إليها، وذات مرة استضافتني شبكة تلفزيونية فضائية عربية مرموقة (من حيث الإمكانات وعدد القنوات) واكتشفت أن من ستستضيفني حسناء ذات شعر منسدل ومواهب بيولوجية رهيبة،.. وجلست منزويا على كرسي بينما الفنيون يضبطون الإضاءة، وبينما هي تضبط تضاريس وجهها في مرآة صغيرة، وبعد أن اطمأنت إلى أن شكلها "يجنن" بما فيه الكفاية، التفتت نحوي لتحديد محاور الحديث، واكتشفت أنها لم تسمع بي ولم تقرأ لي سطرا من قبل، فأبلغتها بأنني بحاجة ماسة إلى اللجوء إلى الحمام، وخرجت ولم أعد حتى الآن، وأجمل ما في الموضوع أنه كان من المقرر أن يكون اللقاء على الهواء لساعة كاملة، ولك أن تتخيل مدى سعادتي وقد تركت تلك القناة تتخبط بحثا عني، ثم عن مادة تملأ بها الساعة التي كان يفترض إنني سأجلس خلالها معها مستمتعا بمفاتنها، وسعدت أكثر في ما بعد عندما استمعت إلى تلك المذيعة وهي ضيفة على أحد البرامج وتقول إن اكثر موقف محرج مر بها عندما اختفى "ضيف" قبل موعد برنامجها بدقائق!
وعلى صلة بهذا الموضوع تدور في شبكة الإنترنت أجوبة طلاب مدارس آخر الزمن على أسئلة أكاديمية من واقع تجربة أحد المعلمين: القتل العمد هو أن يتم إزهاق الروح بعمود خشبي أو حديدي والقتل الخطأ أن تقصد قتل شخص معين فتقتل غيره،.. وكان هناك سؤال عن ثلاثة أنواع محرمة من الأجبان وكانت الإجابة الصحيحة: ما فيه أنفوحة الخنزير، وما خالطه نجاسة، وما عجن بمحرم كالخمر ولكن الطالب النبيه قال إن أنواع الأجبان المحرمة هي كيري وأبو الولد والبقرات الثلاث!! وسؤال: ماذا تعرف عن امرئ القيس؟ الجواب: شاعر سعودي معاصر اشتهر بهجاء كافور وتوفي عام 14 هجرية!.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية