احتفلت الطبعة العربية لمجلة Newsweek بالذكرى الخامسة لصدورها عبر ملف خاص بأسماء 43 شخصية عربية عدّهم المحرر (كريستوفر ديكي) إما "شخصيات محورية في الصحوة العربية".. أو مُرشحين لأن يغدوا كذلك. وتم تصنيف هؤلاء ضمن سبع فئات تبعاً للمجالات التي يبدعون من خلالها ليصنعوا مستقبلاً عربياً أكثر استقلالاً وحرية.. كما ترى المجلة. القارئ الذي وجهت له دار (الوطن) الكويتية، صاحبة امتياز الإصدار العربي، دعوة مبكرة للمشاركة في ترشيح الأسماء الفائزة، لعله دُهش للنموذج العربي "الأكثر نشاطاً وتأثيراً" الذي تروج له ثمة مطبوعة أميركية شهيرة. والتي لم توضح قائمتها النهائية مدى تأثير أصوات القراء بها، فيما أشار مدير مكتبها بواشنطن في تصريح لجريدة (الجزيرة) يوم الإثنين الفائت إلى أن "الاختيار جاء بناءاً على ما قدمه الفائزون في مجالاتهم المتعددة ووصول أصواتهم لكافة فئات الشعوب المنتمين إليها".
الصورة والاسم الأوليان اللذان تصدّرا صفحات الملف كانا للمطربة (نانسي عجرم)، التي نُسب لها فضل بث الروح في المشهد العربي كما كان منتصف القرن الماضي بما حمله من مفردات "الشهوانية والإنسانية" و "الإغراء والمساواة".. هكذا يقول التقرير! والحقيقة أن استفتاح ثمة ملف مهيب بصورة المطربة اللبنانية وبمثل تلك المصطلحات المتلاطمة ربما تكفّل بوضع القارئ في حالة لَبس ، وبأدلجة رؤيته لما تبقى من المادة.
بقية الأسماء الثلاثة والأربعين، والتي وقع كاتب مقدمة الملف في فخ عدّها كاثنتين وأربعين وحسب، جاءت من أقطار عربية شتى لتغطي عوالم الفن والأعمال والنشاطات الخيرية والإعلام والفكر والرياضة إضافة للرموز النسائية. وكان من نصيبنا نحن السعوديين أربع هم ثنائي (طاش) (عبدالله السدحان) و (ناصر القصبي)، وسيدة الأعمال (لُبنى العليان)، ثم الشاعرة وصاحبة صالون الأربعائيات (سارة الخثلان) التي أشار لها التقرير بصفتها (ناشطة سياسية)!
اللافت في هذه الأسماء جميعها توزعها بين طيفين اجتماعيين أحدهما نخبوي والآخر مغرق في الشعبية، مما يطرح علامة استفهام حيال مقياس "الوصول للناس" الذي ورد في التصريح أعلاه.
لكن السمة الأجدر بالملاحظة كانت غياب الشخصيات الدينية على امتداد الوطن العربي عن القائمة.. ربما باستثناء (عمرو خالد) الذي ورد ذكره كـ "داعية أنيق" ولم يتم حتى التعرض لأبرز مشاريعه النهضوية كبرنامج (صناع الحياة). وهو ما يعني أن الحركة الدينية بكافة تياراتها ليس لها مكان في المستقبل العربي الحُر.. كما ترى (النيوزويك)، ما يعكس إما سذاجة في تناول أبجديات الواقع العربي، أو يكشف عن أجندة انحيازية لا يليق كلاهما بوسيلة إعلامية معتبرة. والواقع أن قراء سريعة لمحتويات الملف تفضح تعريضاً بالرمز الديني في كل سانحة. وإذا كان التقرير يوظف (التمرد) كإنجاز يُعتد به سواء كان صاحبه مخالفاً للمجتمع أو للمؤسسة السياسية مثلما هو الحال مع المخرجة المصرية (إيناس الدغيدي) والمعارض الليبي (فتحي الجهمي) عل التوالي، فإنه قد احتفى خاصة بمن اصطدموا يوماً بالمؤسسة الدينية التقليدية كما يلاحظ في نبذته عن بطلي (طاش ما طاش) وعن (عبدالله الرويشد) و (لُبنى العليان) و (أسامة أنور عكاشة) وغيرهم، وفي إلصاقه عبارة "الشخصية المتمردة" قسراً بـ (سارة الخثلان). فيما يُفهم بأنه إشارة إلى أنه يلزمك أن تكون مُخالِفاً لتكون عربياً – وسعودياً بالذات- ذا شأن! ويستمر هذا اللمز للقيم الدينية حين يتلكأ النص عند خصلات الشَعر البادية من أغطية رأسي الشيخة (موزة بنت ناصر المسند) و الناشطة المغربية (رجاء مكاوي).
هذا القطع في تجاهل الفكر الإسلاموي وتهميشه كانت له عاقبة أخرى تمثلت في إغفال الصراع بين المحافظين والحداثيين (أو النخب الثقافية)، وتحديداً في بيئتنا بتفاعلاته التي كان يُظن أنها أثّرت في خارج الحدود. لكن ملف (النيوزويك) يقرر غياباً كاملاً لمثقفي الخليج ككل، وينفي أي تأثير متوقع لهم في المشهد العربي. المفكرون والكتاب الذين تم اختيارهم كادو أن يكونوا حكراً على البلدان المغاربية. وتشكل قائمة (نيوزويك) لأكثر الكتاب العرب تأثيراً مُعضلة كون نصفهم لا يقيمون في العالم العربي ولا يكتبون أساساً بالعربية! اختيار هؤلاء كي يتمحور المستقبل الثقافي العربي حولهم على الرغم من شعبيتهم الباهتة مقارنة بقامات أخرى شهيرة يندرج ضمن نهج الملف في انتقاء المواهب المهاجرة أو تلك التي تبناها الغرب وفي تقديمها كرموز للأمل وكنقطة ضوء في نهاية النفق العربي. وهو ما يكرسه كذلك اختيار المعمارية العراقية (زَهي حديد)، وحارس المرمى العماني (علي الحبسي)، ورجل الأعمال الأردني (فادي غندور).. مع الاعتراف بإنجازات كل منهم.. ناهيك عن أسماء أخرى مغمورة أو شديدة المحليّة.
بعد طول تأمل.. فإن القارئ العربي لقائمة (النيوزويك) سيحتار في تحديد أسس موضوعية للمفاضلة بين معظم الأسماء التي جاءت بها وبين الشخصيات العامة التي يستشعر هو تأثيرها في حياته اليومية. والمتأمل لما بين سطور الملف لن يجد احتفاءاً برموز المنجز الحضاري العربي بقدر ما سيتلقى دعوة للتغيّر (لا التميز) ولمخالفة المألوف والخروج عن السائد كقيمة أميركية صرفة تقدمها المطبوعة كوصفة للنهوض بالمستقبل العربي. وهي رؤية جد ضحلة لا تتناسب مع السمعة (النخبوية) للـ (نيوزويك) ولا تصب في صالح التبادل الثقافي الذي يفترض أن تروج له طبعتها العربية، بل تعزز من هوس (نظرية المؤامرة) في يقين القارئ العربي الرافض أصلاً للمشروع الأميركي والمتعايش مع مفرداته كل يوم.
طرح المجلة وإن كان قابلاً للشرح، إنما غير مقبول، من المحررين الأميركيين الذين يمتلكون أجندتهم الخاصة، فإن الاستفسار عن دور هيئة التحرير العربية بالمجلة يطل برأسه هنا خاصة مع مزاعم بمساهمة أفرادها في اختيار الأسماء التي تم (تكريمها) وفي صياغة هذه القائمة. فيما تثير لغة التقرير ومضامينه تساؤلات عما إذا كان دور هؤلاء المحررين العرب قد اقتصر على ترجمة ماهو مكتوب أمامهم.. أو على القيام بالترتيبات اللازمة لتنظيم الحفل الكبير بمناسبة هذا التكريم والذي تستضيفه الكويت في الأول من مايو.. ويحيي فقراته الغنائية رائدا التغيير العربي.. (عبدالله الرويشد).. و (نانسي عجرم).

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية