الهجمات المتكررة التي يتعرض لها الاسلام بكل ما يمثله ، وما يرمز اليه ، وما ينطلق منه قديمة جدا وليست جديدة . الا ان اعوام القرن الحادي والعشرين الحالية قد تسارعت فيها هذه الهجمات ، واشتدت وطأتها ، واتخذت اشكالا مختلفة على صعيديها اللفظي والفعلي . *) وبداية لسنا هنا بصدد تعداد هذه الهجمات التي اصبحت ظاهرة شبه يومية . انما يهمنا ان ننوه الى بعض الملاحظات في هذا السياق . الملاحظة الاولى تتمثل في ان هذه الهجمات كانت فيما مضى تتناول الاسلام والمسلمين بالنقد والتجريح والتوصيف غير اللائق الذي ينفي عنهم صفة التحضر ومجاراة العصر .
*) والملاحظة الثانية ان هذه الهجمات قد اتخذت شكلا جديدا بالاضافة الى الشكل الاول ، تمثل في الطعن بالعقيدة الاسلامية ، والتطاول على رموزها جهارا وتحديدا شخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم . واما الملاحظة الثالثة فتتمثل في إيقاع الاذى الفعلي بالمؤسسات الاسلامية في اوروبا واميركا ، ومثالا لا حصرا حرق المساجد ، وتدمير المؤسسات المختلفة وتدنيس المقابر ، اضافة الى الاعتداءات المتكررة على افراد من الجاليات الاسلامية .
*) اما الملاحظة الرابعة فتتمثل هي الاخرى في استهداف القرآن الكريم – حرقه ، تمزيقه ، الدوس عليه ، تدنيسه ، كتابة آياته في اماكن ومواضع غير لائقة . وهذا اضافة الى الصاق تهم العنف والقسوة والارهاب وعدم التسامح التي الصقت زورا وبهتانا وافتراء بالقرآن الكريم والعمل بآياته .
*) اما الملاحظة الخامسة – وقد لا تكون الاخيرة –فتتمثل في عدة مظاهر منها مطالبة المسلمين بتغيير مناهجهم التعليمية وخاصة الدينية منها ، بحيث لا تعود تتضمن " سورا وآيات معينة " تتهم بانها تنشر ثقافة الكراهية والبغضاء والاكراه وعدم التسامح ، وتحرض على القتال والعنف والقسوة والارهاب .
*) الا ان الانكى من كل هذا وذاك تلك الدعوة التي طلع بها علينا صاحبها الذي على مايبدو قد عاد الى جبهة الهجوم على الاسلام ، ونعني به الكاتب والروائي البريطاني الهندي الاصل سلمان رشدي صاحب كتاب " آيات شيطانية " الذي هاجم فيه الاسلام وشخص النبي الامين محمد صلى الله عليه وسلم . الا انه هذه المرة انتهج نهجا جديدا مكملا تمادى فيه على القرآن الكريم ، منزلا نفسه منزلة المنظّر والمصلح .
*) في مقالة له نشرتها مؤخرا صحيفة " التايمز " اللندنية ، طالب سلمان رشدي باعتبار القرآن الكريم " وثيقة تاريخية " عفا عليها الزمن ، ونادى بالتحرر من مبدأ صلاحيته لكل زمان ومكان ، والذي على حد ادعائه زج بالمسلمين في سجن حديدي جامد ، الامر الذي سوف يحررهم من قيوده ويجعلهم يعيدون تفسيره بشكل يتناسب مع الظروف المعاصرة ، وينقلهم حسب زعمه الى عالم اكثر انفتاحا ، وعلاقات افضل ، والاهم من ذلك القضاء على ما اسماه عزلة العالم الاسلامي ومواجهة " أيديولوجية الجهاد " التي تؤدي وفقا لمنظوره الى ارتكاب الاعمال الارهابية ، على نمط تفجيرات لندن الاخيرة .
*) وثمة الكثير الكثير من السموم التي نفثها عبر صحيفة " التايمز " التي افردت له مساحة من صفحاتها في تحد سافر للمشاعر الاسلامية . وهكذا فان هذا النمط من الهجمات مستمر ومتصاعد في وتيرته افقيا ورأسيا . ويبدو انه لن يقف عند أية حدود . واذا كنا قد نوهنا في بداية هذا الحديث الى ملاحظات تخص تطور هذه الهجمات على الاسلام واتساع رقعتها ، فثمة ملاحظات اخرى تخص المسلمين كونهم هم المستهدفين من هذه الحملات الظالمة الجائرة وأخيرها وليس آخرها هذا الإستهداف اللامبرر للقرآن الكريم .
*) الملاحظة الأولى تتمثل في ان ردود الأفعال الاسلامية لا تتناسب بأي شكل من الأشكال مع هذه الهجمات الشرسة ، وأن هناك تقصيرا واهمالا ولا مبالاة على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي إزاء ما يتعرض له الاسلام وسبق أن تعرض . والملاحظة الثانية ننطلق بها من الحديث النبوي الشريف " الساكت عن الحق شيطان أخرس " . إن المسلمين لديهم من الوسائل والإمكانيات والموارد – إن أرادوا – ما يمكنهم من الرد وإسكات تلك الأبواق المعادية .
*) والملاحظة الثالثة تخص تحديدا ادوار منظمة المؤتمر الإسلامي ، والأزهر الشريف ، وكليات الشريعة الإسلامية ، وهيئات الإفتاء الإسلامية . والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : لماذا لايسمع لها صوت في هذا المعترك ، وإن سمع فهو خافت جدا لا يصل الىحيث ينبغي له أن يصل ؟ . وأين هي الفضائية الإسلامية الموجهة التي بشر المبشرون بها ؟ . ولماذا لا يكون هناك تعاون ملموس وفاعل بين الهيئات والجهات صاحبة القرار والمنظمات والمؤسسات الإسلامية في كل من اوروبا واميركا ؟ .
*) الا ان السؤال الأهم من هذه الأسئلة جميعها : لماذا لا يتبادر الى أذهان القائمين على هذه المؤسسات التي ذكرناها تذكير الغرب ان المسلمين الذين تعرضت اقطارهم الى عصور من الاستعمار والاحتلال والاستغلال على ايدي الاوروبيين ، والذين تتعرض ديانتهم وعقيدتهم لمثل هذه الهجمات الظالمة ، أن المسلمين لم يوجهوا مرة واحدة انظارهم الى الديانة المسيحية او غيرها ليمسوها بسوء ، لأن دينهم يحترم كل الديانات السماوية ، وكل الأنبياء والرسل الذين لا يذكر واحد منهم الا بتسييده والسلام عليه ؟
*) إنها حرب ساحتها الفكر تكمل ساحة الحرب الحقيقية التي تشنها الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاؤهما على كل من العراق وافغانستان ، وعلى ما تسميه الارهاب والتطرف الاسلاميين في شتى انحاء الجغرافيات الاسلامية ، متجاهلة حق الشعوب في التحرر والحرية والنضال ضد الاحتلال والاستغلال والهيمنة الشريرة .
*) وكلمة أخيرة ، إن المسلمين مستهدفون ، ولا ينبغي لهم ان يكونوا مستضعفين ، ولا قاصرين ليقعدوا عاجزين عن اصلاح امورهم في انتظار من يصلح لهم شؤون دينهم ودنياهم . وهذه الهجمات الحاقدة الشرسة ايا كان مصدرها وزخمها وشدة وطأتها لن تفقدهم ثقتهم بعقيدتهم السمحة ، ولن تفت في عضدهم ، ولن ترهبهم . وهم اقوياء طالما انهم متمسكون بعقيدتهم ، وجادون في الدفاع عنها وحماية رموزها ومقدساتها ، ولن تجرؤ كل الشياطين ولا آياتهم الشيطانية ان تجعلهم يحيدون عن صراطهم المستقيم ، او ان يضلوا . وسيظل قرآنهم الكريم دستورهم ومنار طريقهم ليكونوا أمة تأمر بالخير وتنهى عن المنكر . وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم " إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون " .