اللبناني سعيد الأتب يروي رحلته إلى أفغانستان(1-2)
تتعثر في شقة المصور اللبناني سعيد الأتب (46عاما) بالأرجيلة التي تمدد سيقانها أمام المارة، يأكلك الظلام الدامس نيئاً فور دخولك صالته التي تستلقي على سجادتها أكواب القهوة المهملة ورفات ألعاب الأطفال. جاء من صيدا (جنوب لبنان) إلى الولايات المتحدة عام 1979 حفارا للقبور لمدة 6 أشهر قبل أن يصبح بائعا للبيتزا، التحق بمدرسة "مودرن آرت فوتوغرافي" في نيويورك وتخصص في التصوير الصحافي . بعد تخرجه، عاد إلى لبنان مصورًا لوكالات رويترز وسيغما والأنباء الفرنسية وتعاون مع "السفير" و"النهار" اللبنانيتين لتغطية الحرب الأهلية. يقول لـ "إيلاف":"صورت حرب المخيمات والشوارع، خاطرت بحياتي، دخلي شهريًا لم يتجاوز 1000 دولار آنذاك لكن استمتعتُ بكل لقطة حية ومعبرة كنت خلفها". يعترف الأتب بأنه تعرض لمضايقات من حركة أمل وحزب الله وحوصر في مخيم للاجئين الفلسطينيين في منطقة صبرا (بيروت): "كدت أموت إثر رائحة الموت والقنابل".
صوت الرصاص الغفير أخذ شيئا من عقله: "يعتبره البعض مجنونًا استنادًا إلى تصرفاته الغريبة وفوضويته الفاقعة لكنه يقبع في المسافة الضئيلة بين العبقرية والجنون" يقول نايف الطورة رئيس تحرير جريدة "البلاد" التي تصدر من نيوجرسي (شرق أميركا).
سعيد الذي تتصدر صوره مجلة "التايم" الأميركية (تأسست في الثالث من آذار(مارس)1923)، ومنافستها نيوزويك (تأسست في 17 شباط(فبراير) 1933)، هو أحد المصورين العرب القلائل الذين تتعاطى معهم كبريات المطبوعات الأميركية نظرا لشجاعته التي جسدها في ذهابه إلى أفغانستان في الثمانينات الميلادية وتغطيته للانتفاضة الفلسطينية، فضلا عن انفراده بتصوير الشيخ عمر عبدالرحمن في السجن. يرجع بعض أعضاء الجالية العربية في باتيرسون في شمال نيوجرسي نفوذه إلى تعاونه مع جهات أمنية: "إنه عميل" مصري يعيش في نيويورك يقول لـ"إيلاف".
تزوج الأتب من ابنة خالته قبل أن يراها بعد أن وقع لوالده وكالة شرعية: "في عام 1983، تزوجتُ بعد إلحاح أبي الذي طلب مني ان اوقع له على وكالة ليزوجني عبرها، أخبرني لاحقًا انه وجد زوجة مناسبة وانها ابنة خالتي هنادي التي لاأذكرها، وافقت على مضض".
يتذكر سعيد البندقية التي تقاسمت معه ليلة زواجه: "زارني في ليلة زواجي الأولى في لبنان مقاتلا وبندقيته، غادر بعد أن دب الهلع في عروقي وزوجتي، كانت علامة سيئة".
حياته مع هنادي كانت حافلة بالمشاكل رغم انجابهما لـ5 أطفال منه، غادرتهُ وارتبطت بإبن الفنانة سعاد محمد (خالته) بعد طلاق بشع.
في العام 1989، سافر إلى أفغانستان عن طريق مكتب للمجاهدين في بروكلين، في ولاية نيويورك سعيا وراء استثمار خبرته في تصوير الحروب وتجاوز الهموم التي غمرته. مدير المكتب المصري مصطفى الشلبي - قتل عام 1992 - رفض إرساله بذريعة التصوير وقال له وفق سعيد: "سنرسلك للجهاد فقط". وافق الأتب وأعطاه جوازه ليوفر له تأشيرة للسفر الى باكستان ومنها إلى أفغانستان، بعد ايام محدودة أخبره الشلبي بنبأ حصوله على التأشيرة وموعد سفره. سافر فعلاً مع 3 شبان من مطار نيويورك (جي اف كي): أميركي أسود ويمني ومصري إلى إسلام آباد التي مكثوا فيها فترة وجيزة قبل أن ينتقلوا إلى بيشاور. يقول عن الرحلة: "مملة، خاصة عندما شعر رفاق الرحلة بدوافع سفري الحقيقية وشاهدوا عدساتي بينما هم يفكرون في الشهادة، انتابني شعور انني لن أعود إلى الحياة، شعور مريب".
مجاهدون عرب استقبلوهم في بيشاور في باكستان، انتظر فيها سعيد إلى شهر حتى انتقل إلى افغانستان بعد أن رفضوا مبكرا ارساله لساحة القتال نظرا لعدم أهليته عسكريا: "كنت أتوق الى تصوير الأب الروحي للمقاتلين عبدالله عزام حينها، أدركُ انه سيكون رقما مهما على الساحة الدولية يوما ما، الأيام التي تمضي في بيشاور كانت كأنها سنوات، عدساتي تكاد أن تبكي من فرط الحسرة التي تخيم على وجهي وعقلي".
استطاع بصعوبة بالغة أن يغادر بعد أن كون علاقة جيدة مع مسؤول المؤونة الذي ينقل الطعام الى المجاهدين، عبور الحدود كان مستحيلا في تلك الفترة فالحرب كانت تشتد شراسة بين القوات الروسية والمجاهدين، انتقل بين 4 سيارات قبل أن يصل إلى جلال آباد: "تعرضت إلى قصف 3 مرات، الطائرات كانت لاتصيب الهدف، لكن الشظايا ترقد بجوار أجسادنا، اعتقد انني متُ كثيرا طوال الرحلة التي صورت تفاصيلها".
بعد وصوله إلى أحد مواقع القتال، لم يصب بالرصاص بل بالإحباط، فالقتال لم يكن كما توقعه: "الحرب اللبنانية كانت شرسة، الأعداء يتقابلون وجها لوجه، في أفغانستان كان الأمر مختلفا، لا استطيع رؤية العدو بالعين المجردة، ليست كما اعتقدتها، كان عقلي يقول لن احظى بصور ثمينة". حاول أن يذهب إلى لقاء عبدالله عزام لكن الأمر كان مستحيلا، عزام كان قائدا يعيش في قمم جيال تورا بورا، والطريق وعر وشائك ومحفوف بالمخاطر، بعد محاولات مستميتة استطاع أن يقنع أحد المقاتلين بإرشاده الى مكان الشيخ عزام ومساعدته للوصول إليه، وافق بعد فترة عندما لاحظ اهتمام سعيد به والمقاتلين، عندما كان يلتقظ لهم صور من زوايا مختلفة حاملين السلاح وفي وجوههم انتصار لافت. وصل أخيراً إلى مغارة يتخذها عزام ملاذا بعد ايام شاقة، خسر فيها الأرطال بسرعة فائقة، شاهد سعيد الشيخ عبدالله عزام امامه، ممسكا بالقرآن وفي جيبه العلوي 3 أقلام ومسواك وبجواره اسامة ابن لادن...