يبدو ان حماس الولايات المتحدة لاستثناء نفسها من ولاية المحكمة الجنائية الدولية سيتكرر مع دول أَخر اذا ما قـُدِّر للعالم ان يشهد محكمة دولية للجرائم الالكترونية يشمل اختصاصها ليس فقط المعاقبة على جرائم الاتجار الالكتروني بالمخدرات ، غسيل الاموال، الاباحية ، استغلال الاطفال جنسيا ، الابتزاز ، و التلاعب بالبطاقات الائتمانية، بل سيمتد الى التعامل مع قضايا القرصنة الفكرية ، حماية حقوق الملكية للتصاميم و الصور، حماية المعلومات من التداول من دون ذكر المصدر ، منع استخدام الانترنت في الغش الدراسي ، توحيد عقوبات الاختراق ، و الاهم من هذا كله امكانية التقاضي نتيجة للضرر ، و سلطة ايقاع العقوبات. كم هو جميل ان تصبح الانترنت جزءً من الحل لا من المشكلة كما هو الوضع حاليا ، فتنجح او تساهم على الاقل في حل ما فشل العالم في منعه لقرون : القرصنة الفكرية .
و محكمة لهكذا امور لا استطيع الا ان اراها "انترنتية" ، لها موقع متعدد اللغات (و هذا سيشجع حتما ترجمة المصطلحات التقنية ) يمكن للزائر ان يقدم شكوى لمركز التظلم فيه ، او ان يسجل براءة اختراع ، او تصميم او منتوج فكري او كتابي او صورة فوتوغرافية او لقطات فيديوية في "الشهر الفكري الإلكترونى " –على غرار الشهر العقاري – فيحصل على "براءة فكر" يحق له على اساسها مقاضاة من يحاول ان يستولي على ما ابدع.
الموقع- المحكمة سيحوى قاعدة بيانات بكل ما ادرج فيه من ابداع للفكر البشري تتيح للجميع البحث. و لن يفيد هذا الاساتذة في مراقبة ما يصلهم من الطلبة او ارباب العمل و حسب، بل سيمتد بالتأكيد و بصورة اهم و اوسع ليفيد البشرية جمعاء فالفكر لا يسمى فكرا الا اذا دوّن ، و لو لم يُدون فكر اليونان لما كنا سمعنا بشى اسمه ديموقراطية. و هنا سيتحول الموقع-المحكمة من جهة قانونية قضائية تحاكمية الى جهة توثيقية تجميعية للابداع البشري و قد يتوسع دورها الى جوانب تثقيفية تعليمية بسبب ما تحفظ من مخزون و نتاج.
التعدي الفكري الإلكترونى قد يكون بان ينقل احدهم بضع فقرات كتبها شخص و ينسبها لنفسه كما كان و لازال يحدث في العالمين الطبيعي و الالكتروني ، و قد يصل الى ان يقرصن احدهم موقعا كاملا يغير فيه بعض الشي و ينسبه لنفسه و قد "يتظارف" و يتهم المصمم الاصلي بأنه هو الجاني. الاسرع منهما الى "الشهر الفكري الالكتروني " هو الفائز ، أ و لم ننتقل من عالم من يملك و من لا يملك الى عالم من يسرع و من لا يسرع.
السؤال : أ ليس من ابرز مساوئ الانترنت – او ربما ميزاتها - السرية و امكانية التخفي . لا حل اذا سوى ان يكون في الدولة " المؤكترنة" – نسبة الى الكتروني- لكل مواطن دخول مجاني للانترنت و له رقم هوية او بصمة الكترونية تسجل كل التحركات المريبة من جهة ،و تكون المسمار الاخير في نعش البيروقراطية من جهة اخرى . لكن المشكلة هنا ان الدول القمعية قد تستغل ذلك لتعرف كل كبسة و نقرة لمواطنيها ، و نعود عندها للمربع الاول من القمع و المنع و الرقابة و هنا بحجة القانون ، فلا صوت يعلو فوق صوته .
قد توافق كثير من هذه الدول على هكذا فرصة للتنصت المبرر قانونيا ، لكن علها تحجم عندما تعلم بأكلاف "الأكترنة " ، فضلا على انه سيكون على القانون - كونه مصاغ عالميا لا محليا- ضمان السرية و الحرية للمواطنين الا في حالات محددة يكشف فيها ما احتيج اليه من معلومات لخدمة القضاء ويحق المواطن التظلم اذا كسرت الدولة السرية في حاله غير مبررة. وهنا ستستميت الكثير من الدول في استثناء انفسها من الانضمام، حيث ان عليها القبول بالأكلاف و القبول ايضا بالقيود على كسر السرية ، فيكون النزر اليسير من القدرة الكشفية المقننة و المؤسساتية صفقة خاسرة لدي العديد منها.
التحدي الاساسي هو توحيد القوانين عالميا ، فلو قُدِّر لموقع مثلNapster الوجود في دولة اخرى ربما لنفذ بجلده- او بميغابايتاته على الاصح - مما حصل له ، و هي وسيلة لم يسعفه الوقت للتحايل بواسطتها. لكن و لسوء الحظ توحيد قوانين الجزاء الالكترونية سينقلنا الى معطيات سياسية قد تعيق العملية بشكل او بآخر.لكن في حال تخطي العالم هذه الخطوة - ربما بانشاء تكتلات قانونية الكترونية لمناطق اقليمية تتبع ذات قانون الجزاء الالكتروني فيما بينها- عندها ربما سنجد "انتربولا" الكترونيا في يوم ما.
لكن هل على "التكتل " او "الكيان " هذا ان يكون باكمله جهدا رسميا حكوميا ؟ لم لا يكون على الاقل جزءٌ منه و هو " الشهر الفكري الالكتروني " جهدا لمؤسسة تهدف او لا تهدف الربح ، في حين يُترك الجانب الجزائي العقابي لجهود الحكومات و هو امر قد يستغرق سنوات. و محاولات لقرصنة و تقليد هكذا مشاريع واعدة ستكون على الرحب و السعه ، لكن لا تنسوا ان الحقوق الابداعية لهذه الفكرة هي لكاتبة هذا المقال و الا سأضطر عندها ان اكون اول المتقاضين! :)
مدهش كيف انتقلت البشرية من توثيق نتاجها على الرَق – و هو جلد رقيق كان يدون عليه قديما- الى رقاقات الكترونية مجهرية . و لكن و على الضفة الاخرى ، مؤسف ان يَجْهَد نصف العالم في صنع هذه "الرقائق" في حين يكتفي النصف الاخر باكل"رقائق" البطاطس و التبرم و النقيق حول "المؤامرة".