كان عبور الطيور المهاجرة أجواء الكويت في فصل الخريف فرصة ثمينة يترقبها عشاقها بشوق ولهفة للتمتع بمنظر أسرابها المتوالية غير أن طائر النحام (المعروف بالفلامنجو) أكان أول طائر مهاجر مصاب يحطّ رحاله في الكويت حاملا الفيروس الخطير! ولذا فلم يحظ بتلك المشاعر الحميمية المعتادة في هذا الوقت من كل عام! الطير ذلك المخلوق الجميل الذي تغنّى بحسنه الشعراء وتنافس في نعته الأدباء، إذ بايعوه رسولاً للأشواق يحملها تحت جناحيه ليبلغ بها ديار الأحبة القاصية، وقاسموه أسمى مشاعرهم الرقيقة وأضفوا عليه بعداً إنسانيا رفيعاً ينسيهم أصل خلقته الحيوانية.
فهو في يوم فرحهم يشاركهم ذلك الإحساس بتغريده وغنائه، وفي يوم ترحهم يشاطرهم أحزانهم بنوحه وبكائه وهو رمز السلام وسفير الود وملهم الخيال، حتى أنهم لقبوا بعض أنواعه بلقب طيور الحب، وليس ذلك مما يختص به أصحاب الحس المرهف، فكثير من الناس يقتنون الطير ليشنفوا أسماعهم، بتغريدها الجميل ويمتعوا أعينهم بمنظرها المعجب حيث الريش الزاهي والمنظر البهيج.
غير أن هذه الصورة الجميلة المرسومة في الأذهان تشوهت كثيرا هذه الأيام بسبب الخوف المبالغ فيه من وباء (انفلونزا الطيور) إذ تتوقع الإحصائيات المتشائمة أن يفتك بملايين من البشر، لاسيما من تربطهم بالطير صلة حميمة لصيقة، فهل جال في خلد أحد من الناس أن هذا المخلوق الجميل الضعيف سيستحيل في يوم ما إلى وحش مخيف يحمل تحت قوادم أجنحته الضعيفة وخوافيه الواهية بذور الموت وسهام الهلاك؟!
كان عبور الطيور المهاجرة أجواء الكويت في فصل الخريف فرصة ثمينة يترقبها عشاقها بشوق ولهفة للتمتع بمنظر أسرابها المتوالية غير أن طائر النحام (المعروف بالفلامنجو) أكان أول طائر مهاجر مصاب يحطّ رحاله في الكويت حاملا الفيروس الخطير! ولذا فلم يحظ بتلك المشاعر الحميمية المعتادة في هذا الوقت من كل عام!
وليست هذه المرة الأولى التي يكون فيها الطير رسولا للموت فقد قص الله لنا في سورة الفيل أمر الطير الأبابيل التي أرسلها الله تعالى على أبرهة وجيشه حين عزم على هدم الكعبة المشرفة فرمته الطير بحجارة من سجيل فأهلكتهم، وفي هذا الوباء الخطير تنبيه لبني الإنسان إلى أن القدرة الإلهية لا يعجزها شيء وإنها تخترق السنن المعهودة وتقلب القوانين السائدة، فها هو الطير المغلوب على أمره يزعج البشرية من شرقها إلى غربها، ويبث في قلوب بني الأمم القوية المتجبرة روحاً من الرعب والهلع لا تكاد تجد لها نظيرا، فلعل في ذلك درسا بليغاً للبشرية التي ركنت إلى علومها المتقدمة وحضارتها المتطورة فتراجع نفسها لتعرف حقيقة قدرها ولتطرد عنها أوهام الألوهية الزائفة التي راودت أحلام طغاتها المتجبرين، وحسبك بطائر ضعيف يهزها هزة تجعلها تفيق من خمار النشوة وسكر العجب!
ثم ليتفكر الناس في ما جنته أيديهم بحق هذا العالم من المخلوقات المسالمة حين أفسدوا بيئاتها البرية والبحرية والجوية بملوثاتهم الكيمائية القاتلة، حتى فتكت بالملايين من تلك الطيور البريئة وتسببت في انقراض العديد من سلالاتها النادرة، ولكم تعرضت أوكارها وأفراخها لعبث العابثين ولهو القانصين، وكم زج بالكثير منها في أقفاص ضيقة لا لذنب لها سوى صوت جمال صوتها فلم تجد لها مخلصا من ذلك الحبس المظلم سوى الموت البطيء، وكم وكم فعل بها بنو البشر من الأفاعيل الجائرة مما يتعذر إحصاؤه وعده، فهل تلام تلك الطيور أن حاولت يوما ما الاقتصاص لنفسها وأدخلت الرعب لفترة قصيرة في قلوب من أرعبوها قروناً طويلة؟!