تخمة مؤتمرات تشهدها بلادنا العربية منذ فترة ليست بالقصيرة، وقد يعدّ ذلك مؤشراً مبشراً بحراك فكري مثمر تتمخض عنه نتائج ايجابية على أرض الواقع، كما يأمل المتفائلون، لكن الأمر على خلاف ذلك فما زالت القضايا والمشكلات التي تعالجها تلك المؤتمرات على حالها، إن لم تزدد سوءاً وتدهوراً وربما كان ذلك بسبب غياب توصيات المؤتمرات ومقترحاتها عن التنفيذ مما أبقاها حبراً على ورق، وربما كان السبب في المؤتمرات نفسها التي يغلب على كثير منها سوء الإعداد وغياب الرؤية الواضحة والجنوح الى تصورات جاهزة معدة سلفاً.
وفي الأسبوع الماضي جرت فعاليات «المؤتمر الدولي الأول للأبعاد التربوية لعلاج ظاهرتي الإرهاب والتطرف» الذي نظمته وزارة التعليم العالي، ويبدو عنوان المؤتمر مربكا بعض الشيء، فهل المراد دراسة الأبعاد التربوية الخاصة بعلاج ظاهرة الإرهاب؟ أم المراد بحث الدور التربوي في علاجه؟ والمراد كما يبدو من فعاليات المؤتمر الاحتمال الثاني، ولذا، فإن الأكثر صواباً أن يقال «في علاج» بدلاً من «العلاج», وبعيداً عن الشكليات، فإن المؤتمر لم يسلم من كثير، مما ابتليت به مؤتمراتنا العربية، إذ درجت على الابتعاد عن القضايا ذات الحساسية العالية والانشغال بقضايا أقل أهمية، والحق أن العاقل يتساءل عن الجدوى من اجتماع طائفة كبيرة من الباحثين والمتخصصين لعلاج قضية ما من دون أن يتعرضوا للمناطق المظلمة التي يفترض أن المؤتمرات تعقد لتجليتها وكشف ما يعتريها من غموض وإبهام، وما الفائدة من إعادة بحث محاور قتلت بحثاً وليس ثمة ما يضاف اليها غير الحشو والتكرار!
إن مجرد اقتران «التربية» و«الإرهاب» في عنوان المؤتمر يستدعي الكشف عن قضيتين جوهريتين: الأولى: وضع المناهج الدراسية وما أجري عليها من تعديلات وحذوف، والثانية: المعيار المطبق فعلياً في تعريف الإرهاب, وهما قضيتان لم يتم بحثهما في المؤتمر بصورة تتوازن مع حجمها مع ما يشوبهما من لغط كبير يتصل بدور المؤسسات التربوية في هذا الإطار, فالحديث الذائع عن تعديلات المناهج وحذف ما يتصل بقضايا الجهاد من مواد التربية الإسلامية، والتاريخ لم يكن محط بحث أصلا، رغم دخوله في صلب قضايا المؤتمر، وكأن المؤتمرين اكتفيا بتصريحات النفي الصادرة عن المسؤولين التربويين، لا سيما أن كلمة أمين عام جامعة الدول العربية في افتتاح المؤتمر تضمنت إشارة الى تقرير الأمن الإنساني الدولي، وهو التقرير الذي يحذر من «التعليم المهيّج للمشاعر»! وهو ما سيطول حتى معلقات الشعر الجاهلي كمعلقتي عمرو بن كلثوم وعنترة لما فيهما من مظاهر سفك الدماء والتفاخر بالإرهاب! دع عنك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ومع هذا فلن تجد أي تعرض لهذا الموضوع التربوي الخطير في المؤتمر المخصص للأبعاد التربوية في الإرهاب!
وأما مصطلح الإرهاب، فليس المراد بحثه ووضع تعريف دقيق له، كما تم في بعض أوراق المؤتمر، لأن الشرعية الدولية تجاوزت ذلك الى الزام الآخرين بالقرارات التي تم سنها وفق التعريف الدولي «الأميركي» من دون اعتبار لخصوصية أمة أو هوية ثقافية، وتبقى هنا العقبة الكؤود في الموازنة بين ما تفرضه القرارات الدولية، وخصوصيات الثقافة الاسلامية العربية، وكيف سيتمكن التربويون من تجاوز عنق الزجاجة، هذا من دون التفريط بالثوابت الدينية والقومية، إن ما يدل على خطورة هذا الأمر وصعوبته أن مؤتمراً ضخماً، كمؤتمرنا هذا، لا يملك القدرة على الاجابة عنه!