مع إطلالة كل عيد نتساءل حائرين: هل فقد العيد فرحته وخلع ثوب بهجته فأصبح كسائر الأيام التي لا رونق لها ولا بهاء؟ أم ترانا نحن الذين فقدنا القدرة على الاحساس بالفرح فلم تعد حتى الأعياد قادرة على نفخ الروح في ذلك الاحساس المحتضر، ولا على رسم ابتسامة موقتة فوق وجوهنا الشاحبة؟ ؟ ذاك سؤال شغل به الناس قديماً وحديثاً وأكثروا فيه القول نثراً وشعراً، لكنهم لم ينجحوا في وصف العلاج الناجع له, والدليل على عجزهم في ذلك، اننا لا نزال رغم ما قيل كله لا نرى في العيد، الا وردة ذابلة لا فيها عطر ينفح ولا بهجة تفرح!
كنا نستشعر لذة العيد حين كنا صغاراً, والصغار لا يعانون في صناعة الفرح، كما يعاني الكبار، فهم في فرح دائم يقضون جل وقتهم في اللهو واللعب مع أترابهم، فكأن أيامهم كلها أمست اعياداً، وما العيد عندهم الا فرصة جميلة لمضاعفة الفرح الموجود سلفاً, أترى ان الحياة هي التي تغيرت فلم تكن كما عهدنا صغاراً، فأفسدت فرحنا وسلبت العيد لذته؟! ام ان الحياة لم تتغير، بل هي كما كانت يوم كنا صغاراً، غير اننا نحن الذين تغيرنا فحين تقدمت بنا الاعوام ازددنا بالحياة خبرة ومعرفة؟ ان كان الأمر كذلك، فبئس المعرفة تلك التي تفسد على المرء فرحته! حين كنا صغاراً لم نكن نعرف من الحياة سوى الجانب المضيء منها، كنا نراها جميلة ممتعة خالية من الهموم والمتاعب، وكنا نختزل الكون المترامي الاطراف في ذلك الحيز الضئيل الذي نعيشه من حينا الصغير، وكنا نظن ان الدنيا هي هذه التي نعبرها من أدناها الى اقصاها، حين نخطر ضاحكين في مسيرنا من البيت الى المدرسة والملعب غدواً ورواحاً، كانت الحياة في عيوننا أشبه ما تكون بالبدر المتلألئ، فلا نرى منه سوى نصف قرصه الفضي اللامع، بينما يتوارى نصفه المظلم عن الأنظار بعيداً وحيداً.
وحين كبرنا بدأت حقائق الحياة تتكشف لنا شيئاً فشيئاً، فلم تعد كما كانت تلك الصفحة ناصعة البياض، وتأملنا في ما يجري من حولنا فرأينا المآسي تضرب بأطنابها ووجدنا بني جلدتنا نالوا النصيب الأوفر من الظلم والطغيان والغزو والعدوان والمذابح والفظائع، ورأينا من ذلك ما يشيب له رأس الوليد لو علم ما علمنا، لم تعد صناعة لذة الحياة امراً يسهل اجتلابه بلعبة طفولية نزجي بها ساعات نهارنا او قطعة حلوى نمضغها ببطء، حتى لا تذهب حلاوتها سريعاً, فقد رأينا من الواقع الأليم ما علّمنا ان لا وقت للهو واللعب، وما ثم الا الجد والتعب، وتجرعنا من مشاعر الهوان والذلة ما يحيل قطعة الحلوى الى علقم مر مرير، لننشد متحسرين:
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا
إلى الآن لم نكبر ولم تكبر البهم
غير ان في العيد ما يبقي شيئاً من فرحته، رغم ذلك، وهو ذلك المعنى الشرعي الذي يربط بين القيام بأداء ركن من أركان الإسلام والفرحة المترتبة على هذا الانجاز, فالفرح بإتمام عبادتي الصوم والحج هو مقصد العيد، والحق انها فرحة ذات معنى اسمى من تلك الاعياد الدنيوية التي تبعث عما هو خارج النفس، لتستجلب فرحتها, وأما المسلم، فتنبع الفرحة من قلبه المطمئن بتلك العبادة الخالصة.