بقدر رقي المعاني التي يروم المرء التعبير عنها يكون رقي أساليبه وانتقاء ألفاظه، فالكتابة مرآة لعقل صاحبها وأخلاقه، هكذا يفترض فيها أن تكون ولأن كثيرين ممن يتعاطون صناعة الكتابة لا يضبطون مداد كلمهم ولا يأبهون بسمعتهم حين يلحقها ذم وقدح، فإنه من المتوقع إذن أن تجد نماذج كثيرة لا تقيم لأدب الخطاب وحرمة الكلمة وزنا ولا اعتبارا, ولا غرو اذن ان تمارس الصحف الملتزمة بأعراف اللياقة الصحافية نوعا من الرقابة الذاتية، لكي تكبح نزق هذه الاقلام وطيشها لا لشيء سوى المحافظة على سمعة الصحيفة وصونها من التردي في مهاوي الإسفاف ومذمة العقلاء، واذا كانت صحافتنا الكويتية تفتخر على مستوى المنطقة بما تتمتع به من هامش كبير من الحرية أهلها لبلوغ مكانة متميزة بين نظيراتها الخليجية والعربية فإن المحافظة على هذا التميز يتطلب ميثاق شرف صحافيا يتصل بلغة الخطاب التي يجب ان تصان عن اسلوب الحوار الشعبي كما يرى في كثير من مقالات كتابها.
وفي الآونة الاخيرة بات ملموسا بصورة واضحة ان خطابا صحافيا يعتمد على الاثارة السوقية في تعبيراته شرع في ترسيخ اقدامه على صفحات الجرائد، وبدأ شأنه بالتعاظم والتكاثر حتى غدا اتباع مثل هذه الاساليب المتردية في الخطاب يمثل بصمة خاصة لكتاب عرفوا بذلك وسرهم كثيرا ان يعرفوا بذلك! فعبارات اللعن والشتم والتطاول على الآباء والأمهات والاستعانة بمفردات من قاموس الشتم العامي القبيح آخذة بالتردد في كثير من الكتابات التي تنشرها الصحافة الكويتية من دون ان تتدخل ادارات تحريرها بالتهذيب والتخفيف من حدة تلك العبارات التي يعاقب عليها القانون, والمخيف في الأمر ان يكون ترك الحبل على غاربه مع هذه الفئة من الكتاب مقصودا، اذ ربما رأت تلك الصحف ان مثل هذا الاسلوب الذي يذكرنا بردح «العوالم» هو اسلوب جذاب يستهوي القراء الباحثين عن الاثارة والغرابة والخروج على المألوف، حتى لو كان ذلك على حساب الاعراف والقيم.
ولا احد ينكر على اي كاتب ممارسة دور الناقد في كتاباته، اذ ينتقد من شاء وما شاء فالصحافة منبر رحب يتسع للمخالف والموافق، هذه قضية مفروغ منها ولا تحتاج لنقاش او جدال، غير ان الوعاء الذي يتم عبره تقديم هذا النقد ينبغي ان يتقيد بحدود الاعراف الصحافية، وهذه الاعراف وان لم تكن مكتوبة إلا ان لها من الثبات واللزوم ما يغنيها عن حجية الكتابة، فبين النقد والهجاء بون كبير، ويبدو ان الذين يسلكون هذا المسلك المشين في الكتابة يظنون انهم يرسمون لأنفسهم صورة إرهابية مرعبة، بحيث لا يجرؤ احد على مساجلتهم خوفا من سلق ألسنتهم ومداد شتائمهم، فتراهم يمعنون في ذلك بسبب ومن دون سبب بهدف تأسيس مثل تلك الصورة في اذهان الناس متمثلين في ذلك قول القائل: «ومن يعض الكلب إن عضا»؟!
ان كتاب الصحافة الكويتية بحاجة فعلا الى توقيع ميثاق شرف صحافي لمنع مثل هذه المهاترات التي تتم باسم حرية الكلمة والحرية منها براء، فيفصل ارباب القلم في ما بينهم من نزاع وخلاف بطريقة تحفظ للجميع كرامتهم، ولكم هو مؤسف ان يلجأ اصحاب الكلمة الى القضاء ليفصلوا في امر كان الأحرى بهم أن يتجاوزه بحنكة اهل الحكمة والرأي فيهم.