المستشار سالم البهنساوي يرحمه الله تعالى نموذج للشخصيات القانونية الفريدة التي تجمع بين علوم المهنة وأخلاقياتها، وبين إدراك نصوص القوانين الوضعية وفهم مقاصدها السامية وأهدافها العليا من كفالة الحرية وضمان الحق وإقامة الدولة والفصل بين سلطاتها وغير ذلك، فقد ابتليت المهنة القانونية – والمهن الحرة الأخرى مثل الطب والهندسة – بأفراد يدركون المصطلحات الفنية والمتطلبات المادية لمهنهم، ولكن بعيدون كل البعد عن الحفاظ على شرفها وتحقيق غاياتها. وإن كان الفقيد الراحل في شهر مارس الفائت قد ولد في جمهورية مصر العربية وتخرج من كلية الحقوق في عاصمتها، إلا أنه كان يخدم الفكرة الإسلامية الشاملة بلا تفرقة بين جنس أو جنسية، فكان محاميًا صامدًا عن قضايا المرأة فألف في الدفاع عنها كتاب (مكانة المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية) و(قوانين الأسرة بين عجز النساء وضعف العلماء) وغيرهما، وعمل يرحمه الله تعالى في الكويت سنوات عدة وتنقل حول العالم مشاركًا في المؤتمرات الإسلامية التي يدعى إليها، حتى وافته المنية وهو في جمهورية أذربيجان النائية!
ولم يدخر المستشار سالم البهنساوي جهدًا في تعزيز الوحدة بين الجماعات الإسلامية المختلفة، لتكون صفًا واحدًا في وجه (التغريب) الخارجي و(التكفير) الداخلي، فكان هذان الخطران هما عدويه اللذين كرس لهما بنانه ولسانه يرحمه الله تعالى، وكتاب (الحكم وقضية تكفير المسلم) و(شبهات حول الفكر الإسلامي المعاصر) يشهدان بذلك، بجانب مؤلفاته العديدة ومحاضراته ومداخلاته المختلفة.
كما كان الفقيد الراحل داعمًا لتطبيق الشريعة الإسلامية وجعل القوانين الوضعية الحديثة تنسجم معها، ولكنه ذو نظرة عقلانيةٍ جادة تجاه تلك الفريضة الإسلامية فنراه يقول: (( من التصورات الخاطئة عند البعض أن معنى تطبيق الشريعة هو إقامة الحدود فحسب وبذلك تكون الشريعة الإسلامية قد طبقت، فليست الشريعة مجرد حدود فقط بل نظام شامل يغطي كافة مناحي الحياة، وحتى يكون تطبيق الشريعة جادًا وليس شعار يرفع لابد من اتخاذ عدة خطوات متأنية ومدروسة حتى تتحقق في النهاية الغاية المنشودة، الأمر الذي يتعين أن يكون تطبيق هذا الأمر بالتدريج وعلى مراحل )).
والمستشار سالم البهنساوي لديه من الأعمال ما يبرهن على صدق إيمانه بأقواله، فقد عمل كمستشار للجنة العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، كما كان مديرًا للهيئة العامة لشؤون القُصَّر وساهم في صياغة قانون إنشائها رقم 67 لسنة 1983 المعمول به إلى الآن، والذي تنص المادة الأولى منه بأن (( تنشأ هيئة عامة لشؤون القصر تكون لها شخصية اعتبارية وميزانية ملحقة، ويكون لهذه الهيئة جميع الاختصاصات المخوَّلة للوصي أو القيِّم أو المشرف وعليها الواجبات المقررة عليهم حسب الأحوال، طبقًا لأحكام هذا القانون والقانون المدني ما لم تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، فإن لم يوجد فيهما نص طبقت أحكام الشريعة الإسلامية )).
ومن العجيب أن الهيئة العامة لشؤون القُصَّر قد عقدت قبل أسابيع مؤتمرها الأول وأبرزت محاوره وفعالياته في الصحف المحلية المختلفة، ولكنها خلت مع الأسف الشديد من الإشادة بجهود الفقيد الراحل أو الإشارة إليها! ولكنني واثق بأن المئات الذي احتشدوا في المقبرة يوم دفنه يرحمه الله تعالى، هم أحب وأنفع له إن شاء الله من محاضرة تلقى عنه أو بيان ختامي يشير إليه.
ختامًا إن في دولة الكويت العديد من الخطوات الجادة في طريق تحقيق معاني المادة الثانية من الدستور الكويتي والتي تنص على أن ((دين الدولة الإسلام))، والمستشار سالم البهنساوي كان مساهمًا جادًا في صياغتها وإدارتها، فجزاه الله تعالى عن الكويتيين خصوصًا والمسلمين عمومًا خير الجزاء وبرحمه رحمة واسعة، والحمد لله وحده أولاً وأخيرا.