نشرت (الوطن) مقالاً للكاتب (نبيل الفضل) عنونه ووصف فيه المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية بأنها (مطالبة غير مدروسة)! رغم ما يحمله ويتضمنه من مساس كبير واتهام خطير لشرع الله عز وجل الصالح والمصلح للإنسان في كل زمان ومكان. فأنا قد أتفق مع قول الكاتب الفضل أن ((الفساد الأخلاقي في تزايد في المجتمع الكويتي))، ولا أختلف مع رأيه القائل ((نحن لا نقصر الفساد الأخلاقي على المظاهر والتصرفات الشخصية للأفراد، كطول الشعر وقصة المارينز أو اللباس الصيفي للفتيات أو احتساء الخمر وتدخين السجائر والشيشة))، فهو بهذين النصين يقرر (أولاً) وجود فساد أخلاقي تتزايد مظاهره في الكويت، و(ثانيًا) هو يعتبر المظاهر الغربية الغريبة وتناول المسكرات والمحرمات من صور ذلك الفساد، رغم كونه لا يعتبرها أولوية تستحق أن تتصدر قائمة الفساد الواجب محاربته!
ولكنني حتمًا أختلف مع العديد من النقاط الأخرى الواردة في مقال الكاتب (نبيل الفضل) المشار إليه، ومنها ما يلي:
1- تزامن تزايد مظاهر الفساد مع الصحوة الإسلامية: وهو اتهام مبطن للتيارت الإسلامية الكويتية وربط غريب ومريب بين أشكال الفساد وانتشار الدعاة والدعوة إلى الالتزام بالإسلام الحنيف، لم يأت الكاتب بأي دليل عليه سوى ما يزعمه من بذاءة لسان بعض (المقدسيين)، وكأن الشريعة الإسلامية مطبقة أو محكمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة حتى نستشهد عليها بذلك المظهر الاجتماعي الخاطيء!
وأتساءل هنا: لماذا لم يستنتج الكاتب الفضل أن الصحوة الإسلامية كانت باختصار رد فعل موازي في القوة ومغاير في الاتجاه على الفساد العلماني الشيوعي تارة والرأسمالي تارة أخرى؟ بدل ترديده لأسطورة خرافية من أساطير المعارضين للدين في تصريحه بأن الأولى (الصحوة) كانت من مسببات الثانية (الفساد).
إن تصاعد وتيرة الإفساد لمختلف مناحي الحياة هي مشكلة يشتكي منها فضلاء وعقلاء العالم أجمع، وهو عمل شيطاني منظم تقف وراءها دول بإمكانياتها ومنظمات إجرامية لتهريب الرقيق الأبيض وترويج المخدرات والخمور وتسهيل سبل الدعارة والرذائل، وهنا أتساءل مجددًا: هذا حال العالم مع وجود الدعوات للحشمة والفضيلة فكيف إذا خلا العالم من هؤلاء المصلحين!
2- المطالبة بتعديل المادة الثانية من الدستور مرفوضة منذ أربعين سنة: وهذا امتداد لمغالطات الكاتب (نبيل الفضل) لأن المطالبة بتعديلها مقبولة ومتعاظمة منذ المجلس التأسيسي وحتى يومنا هذا، وعدم وجود اتفاق بين الرغبتين الأميرية السامية والشعبية العارمة هو وجه الرفض الوحيد لها.
3- جعل الشريعة الإسلامية مصدر التشريع يحد من قدرة المشرع: وهو زعم غير صحيح ساقه الكاتب (الفضل) انقيادًا لشبهات المستشرقين المغرضة، وسأترك أحد نقباء المحامين السابقين في فرنسا يرد عليه بقوله: ((أنا لا أعرف كيف أوفق بين ما كان يحكى لنا عن جمود الفقه الإسلامي وعدم صلاحيته أساسًا تشريعيًا، وبين ما نسمعه الآن في المحاضرات ومناقشاتها مما يثبت خلاف ذلك تمامًا!)) أسبوع الفقه الإسلامي في باريس عام 1950.
بل إن المؤتمر الدولي للقانون المقارن المنعقد في لاهاي عام 1937 قد فند الشبهة حينما قرر ((اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرًا من مصادر التشريع العام، وأنها حية قابلة للتطور، وأنها شرع قائم بذاته ليس مأخوذًا من غيره))، فعلام يظن الكاتب (نبيل الفضل) بشرع الله عز وجل القصور أو الجمود وربنا سبحانه قال: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} وقال تعالى: {ومن أحسن من الله صبغة لقوم يؤمنون} صدق الله العظيم.
4- الإسلام بكل تراثة القديم والجديد لا يملك حل لمشاكل المرور: وهذا اعتقادٌ باطل أدعو الكاتب الفضل للتوبة منه والاستغفار عنه، انطلاقًا من واجبي (إنكار المنكر) و(النصح للمسلمين) المكلف بهما كل مسلم ومسلمة، لأن المسلمين يؤمنون بأن شرع المولى عز وجل يحمل الحل لمشاكل البشرية جمعاء، فكيف لا يملك حلاً لمشكلةٍ بسيطةٍ مثل المرور؟ إذا كانت أفهامنا قاصرة عن إدرك معاني ومباني الشريعة الإسلامية فإن القصور منّا وليس منها بأي حال من الأحوال.
وها هو الشيخ أ.د. محمد مصطفى الزحيلي يرد على هذا الافتراء وأشباهه قائلاً: ((إن الشريعة الغراء أنزلت أصلاً لتحقيق مصالح العباد في الدنيا والآخرة، وذلك بجلب النفع والخير لهم ودفع الضر والشر والفساد عنهم، وإنه ما من مصلحةٍ في الدنيا والآخرة إلا وقد راعاها المشرع الحكيم وأوجد لها الأحكام )) تهيئة الأجواء / ج14.
وبتأمل بسيط نجد أن الإسلام الحنيف تضمن المبادئ الأخلاقية المهيأة لصياغة قوانين مرورية صالحة، فديننا الخاتم يأمر بالحفاظ على الأرواح والممتلكات، ويحث على إعطاء الطريق حقه، وعلى عدم إيذاء الناس ماديًا أو معنويًا، وغير ذلك من الأسس الصالحة لتشريع مروري متكامل، فكيف إذا تأملنا بصورةٍ أعمق وبحثنا بشكل أدق؟ {واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} صدق الله العظيم.
5- ليس هناك ترابط بين تطبيق الشريعة الإسلامية وانتشار الأخلاق الحميدة: وهو قول لم يصرح به الكاتب (نبيل الفضل) ولكنه يدرك من قراءة مقال (مطالبة غير مدروسة)، ومن الأمثلة الكويتية والفلسطينية والمصرية التي ساقها لتبرير اعتباره المطالبة بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية هي (سلاح المفلسين سياسيًا) على حد دعواه الباطلة! ولكأنني بشاعر الإسلام (محمد إقبال) الهندي مولدًا والمحمدي موردًا يتكلم عن هذه الشبهة حينما نظم بيتيه الشهيرين:
إذا الإيمان ضاع فلا أمان ،،، ولا دنيا لمن لم يحيي دينا
ومن رام الحياة بغير دينٍ ،،، فقد جعل الخراب له قرينا
فإنه (( من مزايا التشريع الإسلامي ومحاسنه أن جعل العلاقة بين الإيمان والإنسان متكاملة متوازنة، ذلك لأنه دين الروح والجسد، وتشريع للدين والدنيا على السواء، ولعل جل مزايا أنظمة الإسلام المتعددة ومحاسن تطبيقها على مدى العصورالإسلامية، تعود في حقيقتها إلى جمال هذه العلاقة وكمالها )) الشيخ د. محمد أبو الفتح البيانوني – تهيئة الأجواء/ ج11 بتصرف.
وفي معرض ردي على هذه الشبهة أقول بأن الكاتب الفضل يستطيع أن يظهر حرصه على الأخلاق الحميدة عبر دعم المشاريع التوعوية ذات الصلة بتدعيم الفضائل وتحجيم الرذائل في المجتمع الكويتي، مثل مشروع (نفائس) الحكومي و(ركاز) التطوعي وغيرهما من حملات الخير التي تستحق كل تبرع ومساندة.
وفي الختام أقول أن تحكيم (شرع الله على خلق الله في أرض الله) يكفل للإنسان والكون أجمع السعادة والانتظام والفوز بخيرات الدنيا قبل الآخرة، وهو ما حذرنا المولى القدير من الابتعاد عنه حينما قال عز من قائل: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا} وقوله جل وعلا: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون}، فعلام يريد لنا البعض البعد عن الشريعة الإسلامية؟ وهل الخلاف مع القائمين على التيارات الإسلامية يبرر التعرض لكمال وخلود واستدامة صلاحية الشرع الحنيف! لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.