في ظل الوضع (الاحتكاري) الظالم والقائم للصحافة اليومية في دولة الكويت تغدو مسؤولية الكتابة والتحرير والنشر مضاعفة وكبيرة، لما لها من تأثيرٍ بالغٍ على صياغة الرأي العام وتوجيهه ومحاولة التأثير على صنّاع القرار في السلطات الثلاث العامة. والكلمة في الإسلام عمومًا لا تنتظر مثل هذه الأوضاع الشاذة حتى تغدو معها مسؤولية خطيرة ذات أهمية كبيرة، فالله عز وجل قال: {مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء}، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت).
وقد ذكر ثلاثة كتّاب مغالطات عديدة خلال الأسبوع الماضي – على تاريخ كتابة هذا المقال – مما يستدعي القيام بفرض النصحية للمسلمين وواجب النهي عن المنكر المقرر على كل مسلم ومسلمة، وأسأل المولى القدير أن يرشدني إلى الصواب ويعينني على بيانه فيما يلي:
1. يقول عبد الله الهدلق في مقال نشره يوم 2/5: (إن الذين قاطعوا مؤتمر الدوحة الرابع لحوار الأديان إنما هم في الواقع متطرفون فكريًا ودينيًا ودعاة إلى الإرهاب ومحاربة الآخر بعد تهميشه ونبذه وإقصائه).
ولا أدري حقيقة هل المشايخ الأفاضل من أمثال الدكتور يوسف القرضاوي هم المتطرفون والإرهابيون لأنهم قاطعوا مؤتمرًا يشارك به وفد من الكيان الصهيوني الغاصب، أم أن من يحارب حريتهم في التعبير عن رأيهم الرافض للتطبيع من عدوهم وعدو الإنسانية والإسلام هو المتطرف والإرهابي؟ من المؤسف أن يلجأ كاتب إلى نشر مثل هذه الأفكار (التحريضية) على الآخرين وأن يزدري مواقفهم المبدئية بمثل هذه الطريقة المتطرفة!
ومما يزيد الأسف أن الكاتب المذكور يستخدم مثل اللهجة للتحقير والتنفير من مشايخ أفاضل لهم احترامهم وعطاؤهم الذي لا ينكره إلا جاحد أو حاقد، بينما نجد لغة السلام المزيف بل الاستلام الذليل تستخدم للتعبير عن الكيان الصهيوني الذي يمارس في هذه اللحظات ومنذ عشرات السنين جرائم إبادة للإنسانية والمقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين المحتلة.
2. تدعي عزيزة المفرج في مقال نشرته في يوم 2/5 أيضًا: (إن الإخوان المسلمين لا يعترفون بالحكومات الحالية ويرون أنها غير شرعية، والكل يعرف أن جماعة الإخوان المسلمين جربت الوصول لهدفها بقوة السلاح والعضلات ففشلت، والآن تسعى لتحقيق ذلك بقوة الفكر والسياسة).
ولا أدري حقيقةً من أي برنامج تلفزيوني أو كتيب (أصفر) استقت الكاتبة معلوماتها المخالفة لمنهج جماعة الإخوان المسلمين ولتطبيقات أنصارها العملية، ففي جانب التنظير نجد الجماعة تؤمن بالنظم الدستورية و ويراها مؤسسها الإمام (حسن البنا) أقرب النظم للإسلام، وفي الجانب العملي نجد الشهيد (البنا) ذاته ترشح مرتين للانتخابات النيابية المصرية، ونواب جماعة الإخوان المسلمين يقسمون على الالتزام بالدستور في كل من مصر والأردن والحركات التي تحمل ذات الفكر بالكويت والجزائر والمغرب والعراق ولبنان وغيرها تؤدي ذات القسم.
ولا أدري ماذا تقصد الكاتبة المفرج بأن الإخوان المسلمون قد جربوا الوصول إلى أهدافهم بقوة السلاح! لأن الذي أعلمه أن كل أنواع المقاومة المسلحة الماضية والحالية للجماعة لم تكن إلا في دول مستعمرة أو محتلة، كما هو الحال مع مصر قبل 1952 أو فلسطين منذ 1948 وحتى اليوم.
3. يزعم الكاتب الهدلق الذي يقول في مقاله المنشور 7/5: (إن الراصد لسلوك غالبية المنقبات يخرج بنتيجة واحدة تؤكد الصفات المشتركة والغالبية والسمات المميزة للمنقبات بشكل عام، وهي الرعونة والاستهتار أثناء القيادة وعدم احترام قواعد المرور وآداب القيادة، والتعالي والغطرسة والتكبر على النساء الأخريات غير المنقبات، وسوء الأدب مع المراجعين في الدوائر الحكومية و ... الخ) !
وفي هذا تعريض شنيع بشريحة كبيرة من بنات المجتمع الكويتي ونسائه اللواتي اردتين النقاب وسترن وجوههن نتيجة أسباب اجتماعية أو فقهية يجب احترامها، وعن اتباع أي منّا لتلك الاجتهادات الفقهية أو اقتناعنا بالأسباب الاجتماعية ليس مبررًا كافيًا للتجني والتعميم والتلفيق بهذه الصورة! فالمنقبة التي أعرفها ويعرفها الكثيرون من أبناء وطني هي المرأة المحتشمة ذات الحياء الذي لا يمنعها من طلب العلم أو أداء العمل، ووجود حالات شاذة لمنقبات أو محجبات أو سافرات لا يعني تعميم الحكم على كل الشريحة أو غالبيتها.
إنني أستغرب مثل هذا التطرف والإرهاب اللذان يمارسهما عبد الله الهدلق في مقالاته، ولكن استغرابي يقل عندما أعلم أنه رجل جعل (أتاتورك) قدوته وهو الذي ألزم المواطنين الأتراك بارتداء القبعات وأعدم من خالفوه في ذلك! وأتساءل في هذا المقام عن سبب عدم تحرك الاتحادات والجمعيات النسائية ضد هذه الإساءة لفئة كبيرة من بنات جنسهن، أم أن تحركات بعضهن لا تكون إلا بمقدار ما تكشف المرأة من جسدها أمام الأجانب؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
4. تمنى نبيل الفضل في مقاله المنشور يوم 3/5 أن يقتل أحد الشباب الكويتيين المتهورين المجاهد الفلسطيني (خالد مشعل) أثناء زيارته المقبلة لدولة الكويت كي نتخلص منه على حد قول الكاتب المذكور!
ولا أعلم كيف نشر المسؤولين عن التحرير في (الوطن) اليومية مثل هذه العبارة التحريضية؟ وكيف مرت على المسؤولين الإعلاميين والقانونيين والسياسيين في دولة الكويت مرور الكرام؟ لأنها تتضمن تحريض على قتل شخص – إن أغفلنا الجوانب الإسلامية والإنسانية – يقود المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) والتي تعد الفصيل الفلسطيني الأكبر والأقوى وترأس وزارات السلطة الفلسطينية وبرلمانها التشريعي حاليًا.
ختامًا: إن مثل هذه التجاوزات الصحافية وغيرها تبرز الحاجة لوجود (مجلس أعلى للصحافة) يتولى حماية أخلاقيات المهنة الصحافية من المتجاوزين عليها والمستهترين بها، وهي هيئة تعرفها الدول المتقدمة لتنظيم ممارسة المهنة دون تضييق على حرية الصحافيين أو حريات غيرهم من أبناء المجتمع، ولضمان وصول معلومات نافعة أو غير ضارة كحد أنى لعموم القراء، والحمد لله تعالى أولاً وأخيرا.