أعترف أنني لست رياضيًا، ولم تكن الرياضة هوايتي، فأنا صاحب قلم لا أكثر. إلا انني أتابع بقدر ما تتيح لي ظروف العمل بعض أشكال الرياضتين العربية والعالمية. وفي هذا السياق فان كأس العالم " المونديال "، و " الألمبياد " تشكلان أهم مناسبتين تشدانني إليهما، وتثيران أعصابي، واضعا يدي على قلبي، لا تعصبا لدولة أو فريق، فهذه الحمى الرياضية المصاب بها كثير من الناس في هذه الايام، أحمد الله أنني محصن ضدها. ما يثيرني، ويتلف اعصابي، ويحبطني، ويشعرني احيانا كثيرة بالنقص، هو تلك الانجازات العربية المتدنية، والعاجزة عن الوصول الى مستويات تليق بالامة العربية، مقارنة بانجازات الآخرين. وانا على يقين عملي وعلمي ان ليس هناك ما يدعو للاعتقاد بان هذا الانجاز المتدني يقف خلفه، لا سمح الله، عجز في تركيبة الشخصية العربية الفسيولوجية او العقلية، وانما هو تقصير من منظومة التقصيرات المفروضة على العالم العربي، والتي تجعله يتخلف عن الآخرين.
بداية نود ان ننوه الى حقيقة وجود رياضات عربية اقليمية، وانه لم يتبلور حتى الآن مفهوم رياضة عربية على المستوى القومي، وظلت الرياضة في معزل عن أي شكل من اشكال الوحدة. وما مصطلح " رياضة عربية " في حديثنا هنا الا من قبيل المجاز.
في تاريخ العرب الحديث دخلت الرياضة المناهج الدراسية العربية واصبحت تدرس في العديد من الاقطار العربية. وفي الواقع لقد شهد الوطن العربي تطورا كميا ونوعيا ملموسا في ماهية الرياضة، اضافة الى انها توسعت افقيا وعموديا، ويلاحظ ان هناك اهتماما متزايدا ببعض اشكالها دون الأخرى. فعلى سبيل المثال تحظى كرة القدم بصدارة الاهتمامين الشعبي والرسمي في عدة اقطار عربية، في حين ان اشكالا اخرى من الرياضة اما انها هامشية، او انها غير متداولة.
واما الاقطار العربية التي تتعدد فيها الرياضات فهي الاخرى لا تعاملها بنفس درجة الاهتمام الذي ينصب على بعضها دون الأخرى، الامر الذي يدفع للقول ان غالبية الرياضة في الاقطار العربية انتقائية، وتفتقر الى استراتيجية، او ان الاستراتيجية الرياضية ان وجدت لا تطبق التطبيق الامثل والافضل، وهي لا تقوم اساسا على تربية رياضية شاملة ومنهاج متطور.
ان ما يدفعنا الى فتح ملف الرياضة في الوطن العربي كونها لم تعد فعالية تمارس محليا داخل كل قطر عربي، وانما وباصرار من هذه الاقطار ان تحتل موقعها على خارطة الفعاليات والانشطة الرياضية العالمية. فنراها حريصة على ان تشارك في الانشطة القارية والاقليمية والدولية.
وهنا نؤكد على ان الحضور العربي في هذه الانشطة والمتمثل بالفرق الوطنية لكل قطر عربي قد اصبح حقيقة، ولكن لا يوزاي هذه الحقيقة الا غياب الانجازات الرياضية، او للأمانة تلك الانجازات الضئيلة والمتدنية للغاية، التي لا تتناسب وحجم الامكانيات والموارد والطموحات العربية التي يفترض بها ان توظف التوظيف الامثل في هذ الميدان، كونها الأمل الوحيد المتبقي في ظل غياب انجازات علمية وتقنية او غيرها وقعود الوطن العربي حتى الآن عالة على مبتكرات الاخرين في كثير من الميادين الثقافية والعلمية والتقنية.
في اعتقادنا ان ازمة الرياضة في الاقطار العربية، تعود كما اسلفنا الى انعدام وجود استراتيجية رياضية منهجية اكاديمية وتطبيقية. وهي تنطلق من المؤسسات التربوية بدءا برياض الاطفال وانتهاء بالمؤسسات الجامعية. وعلى ما يبدو ان هناك نقصا في التوعية الرياضية بغية ان تحتل مكانة مرموقة من تفكير ناشئتنا، او ان تشغل مساحة معقولة من اولويات اهتماماتهم، او ان تصبح جزءا لا يتجزأ من تربيتهم الشاملة.
ان المدارس العربية ما زالت غالبيتها تتبع المنهاج التقليدي الذي يركز على النمو العقلي المعرفي دون اشكال اخرى من النمو كالحركي " الرياضي" والجمالي والانفعالي وحتى الاجتماعي، وهي بطبيعة الحال تكمل بعضها، وان اهمال البعض يؤثر سلبا على البعض المستهدف. وهذا بطبيعة الحال ما يؤكد على حقيقة بؤس الرياضة في معترك كثير من التحديات المفروضة عليها جراء النظرة غير الناضجة لها كونها ما زالت تعتبر في احيان كثيرة انها من الكماليات او الرفاهيات او الترويحيات. ان اعتبارالرياضة الشاملة من الأسس الرئيسة للتربية، او من المعايير التقويمية والتقييمية الاساسية لأداء المتعلمين ما زال حتى الآن لا يتقاطع وقناعات الكثيرين من المسؤولين او اولياء امور المتعلمين، او المتعلمين انفسهم، او حتى الرؤى الخاصة بالمنهاهج التعليمية.
وفي ما يخص الاقطار العربية فهي تتفاوت في ما بينها تفاوتا ملحوظا في مدى اتساع بنيتها التحتية الرياضية وشمولها ومتانتها وقدرتها على التماشي مع التطورات جراء المتغيرات المتوالية، ونقصد بهذه البنية التحتية الخبرات السابقة والطواقم البشرية والوسائل والاجهزة والأدوات والاماكن المخصصة للممارسة الفعلية، الى جانب العنصر التمويلي.
ومع ذلك فمن الملاحظ ان الرياضة المدرسية وهي الأساس والمنطلق والتي يفترض بها ان تفرز الرياضيين وتزود الاسواق الرياضية بهم لا تحظى بنفس الاهتمام الذي تحظى به النوادي الرياضية على سبيل المثال. وهذا في اعتقادنا قد يكون مرده الفارق ما بين القطاعين العام والخاص، فالرياضة المدرسية تخضع للقطاع العام، في حين ان النوادي الرياضية وما تمثله من رياضات تخضع معظمها للقطاع الخاص.
اما الرياضة النسائية فاما انها غير قائمة اصلا، او محدودة في بعض الاقطار العربية جراء اعتبارات خاصة بالعادات والتقاليد وطبيعة الحياة المحافظة، واما انها قائمة في ظل تركيز على رياضة ذكورية في المقام الاول، علما بان الرياضة النسائية في بعض الاقطار العربية كانت السباقة الى تحقيق انجازات على مستوى عالمي.
هنا لا بد لنا من ابداء بعض الملاحظات على مجمل التحركات الرياضية العربية في شتى الاتجاهات والاهداف. ولعل اولاها يتمثل في ضرورة ان تكون هناك فرق عربية ذات طابع قومي، تتعهدها الجهات العربية الرسمية وتتعامل من خلالها مع الآخرين على انها عربية لا اقليمية قطرية. وثانية هذه الملاحظات تخص ما ينفق على التظاهرات والاحتفالات الرياضية في الوطن العربي سواء على مستوى القطر الواحد او الاقطار العربية. والمطلوب هنا ان يكون توازن في الانفاق بينها وبين الميزانيات المخصصة لتطوير الرياضة، فمن الملاحظ ان هذه التظاهرات ولاعتبارات خاصة بكل قطر عربي تحظى بانفاق لا يستهان به.
وهنا تبرز الملاحظة الثالثة حول مشكلة تعددية الاشكال الرياضية. ان مبدأ التعددية سليم الا اذا كان الكم سوف يطغى على الكيف، فساعتئذ تصبح الانتقائية حلا مثاليا بهدف الاتقان والانجاز. ورابعة الملاحظات تتمثل حسب اعتقادنا في ضرورة الغاء الارقام القياسية العربية المحلية، وان لا يكون نصب اعين الرياضيين والرياضيات العرب الا الارقام القياسية العالمية باعتبارها المحك الحقيقي لاستعداداتهم وقدراتهم ونظراتهم الى انفسهم بهدف تحسين ادائهم.
وخامسة هذه الملاحظات تخص الرياضة النسائية فقد اثبتت الرياضية العربية انها قادرة على تحقيق انجازات منافسة، لا على المستوى العربي فقط وانما العالمي، الامر الذي يستدعي بذل المزيد من الجهود لرعايتها. واخيرة هذه الملاحظات لا اخراها لا تقل اهمية عن سابقاتها تخص اللغة العربية التي يبدو ان القائمين على الرياضة العربية يتجاهلونها في احيان كثيرة. ويظل السؤال المحير : لماذا الكتابة بغير العربية في تظاهرات واحتفالات رياضية عربية ؟.
وكلمة اخيرة، ان الوطن العربي بحاجة الى ان تصبح الرياضة جزءا اساسيا لا يتجزأ من تربية ابنائه وتنشئتهم حتى تتحول الى ثقافة راسخة في الذاكرة الوطنية، لا مجرد ترفيه وترويح كماليين تنتهي عند حدود الانتصارات الآنية في المباريات او تحقيق اهداف ربحية، وهنا ينبغي التأكيد على مبدأ لاربحية الرياضة. وهذا يستدعي بطبيعة الحال اعادة النظر في الاحوال الرياضية الحالية من جذورها، وعلى كافة الصعد الاساسية، على ضوء استراتيجية جديدة تكون للاعتبارات القومية مساحة مرموقة فيها.