الكل متفق على عراقة أرض اليمن في التاريخ الإنساني عمومًا والإسلامي خصوصًا، ولعل في أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام التي معناها أن "الحكمة يمانية" و"الإيمان يماني" شواهد على عراقة تلك الأرض وأصالة ذلك الشعب الذي يعيش عليها. ولكن القليل منّا من أتيحت له فرصة زيارة هذه البلاد الواسعة، والاتصال المباشر بشعبها العربي المسلم، وقد أتاحت لي الدعوة الكريمة التي تلقيتها من (صندوق رعاية الطالب الفلسطيني) في العاصمة اليمنية (صنعاء) تلك الفرصة والحمد لله رب العالمين، وقد خرجت من الزيارة الخاطفة بخواطر عدة أذكر منها ما يلي:
1. الموارد الطبيعية الضخمة في اليمن: فالأرض الزراعية الخصبة شاسعة، والمناخ متنوع لاتساع المساحة، وهو في (صنعاء) ربيعي معتدل في معظم أيام السنة، وعدد السكان يبلغ حوالي 20 مليونًا، والأماكن الأثرية والطبيعية الجميلة كثيرة وتستحق الزيارة.
ولكن المشكلة الحقيقة تكمن في حجم الفساد الإداري الكبير في الأجهزة الحكومية ونسبة الأمية المرتفعة بين السكان، وهذا شيء مستنكر في بلد "الحكمة" والحضارات العظيمة في العصور السالفة! ومشكلة سوء الإدارة وتفشي الرشاوى والتعدي على المال العام تمثل العائق الرئيس أمام النهضة والتقدم في أغلب الدول العربية والمسلمة.
2. العمل الإسلامي متطور في الجمهورية اليمنية: ويتمثل القطاع الأكبر منه في (التجمع اليمني للإصلاح) الذي يرأسه الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر/ رئيس مجلس النوّاب وشيخ مشايخ قبائل اليمن قاطبة، حيث أن العمل الإسلامي هناك ينقسم إلى قطاعات عمل نقابية وطلابية وحزبية، وهو عمل علني من جهة وقانوني ولائحي من جهةٍ ثانية.
ولعل السيدة (رشيدة القيلي) الناشطة الإسلامية المهتمة في محاربة الفساد السياسي والاقتصادي والإداري، هي إحدى الصور المشرقة والمشرِّفة للعمل الإسلامي المتطور في دولة اليمن الشقيقة.
فنجدها تطالب بتحويل النظام السياسي للبلاد من (الرئاسي) إلى (النيابي)، وجعل الجهاز المركزي للرقابة تحت إمرة المعارضة الحزبية لتمكينها من محاسبة الحزب الحاكم، بجانب إلغاء وزارة الإعلام لما تمثله من تأثير للسلطة التنفيذية على الرأي العام للشعب.
3. تعاطي (القات) يمثل أزمة للأمة اليمنية: فهو مادة منبهة توصل متعاطيها للإدمان عليها غالبًا، ولها أثر سلبي بالغ على الاقتصاد اليمني، فمزارع الشاي والبن استبدلت بمزارع القات الشاسعة، والموانئ التي اشتهرت بتصدير القهوة اليمنية كاسدةً وخاوية تندب حظها العاثر! بجانب ما يضيعه القات يوميًا من طاقات الشعب وأوقات أبنائه، إضافة إلى الأمراض والأورام التي تنتشر بسببه.
أما الحركة الإسلامية في اليمن فهي متعافية تقريبًا من هذه الآفة الخطيرة، ولكن تجذر عادة التعاطي في (المقايل) الأهلية التي تعادل (الدواوين) الكويتية، يجعل محاربة تعاطي (القات) شيئًا يصطدم مع الموروث الاجتماعي المترسخ.
4. قضية (فلسطين) تمثل القضية المركزية في الجمهورية اليمنية: فحزب (المؤتمر الشعبي) الحاكم و(التجمع اليمني) المعارض وبقية الأحزاب السياسية، متفقة على تأييد المقاومة الفلسطينية ورفض التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب.
وقد وجد الكثيرون من أبناء الجالية الفلسطينية الذين اضطروا للخروج من الكويت أثناء احتلالها أو عقب تحريرها في اليمن ملاذا آمنًا وشعبًا مضيافًا، وهم يحملون معهم من الكويت أجمل الذكريات وينقلون لها أطيب الأمنيات، ولكن مصيبة الشعوب العربية والمسلمة تكمن في ظلم الحكام وتزوير الإعلام.
وقد رأيت بنفسي إمام أحد المساجد اليمنية النائية يأتي – رغم سوء الحال وقلة المال – بصدقات جمعها من المصلين في مسجده لصالح إخوانهم الفلسطينيين في الأرض المحتلة، فالحمد لله تعالى على نعمة الأخوة الإسلامية.
في الختام فإنني لا أملك بكلمات معدودة أو زيارة محدودة أن أسطر مقالاً يفي بلاد اليمن ذات التاريخ العربي العريق والشعب المسلم الشقيق حقها من الوصف، ولكن حسبي أنها خواطر مسافر ومشاهدات عابر، والله أكبر ولله الحمد.