مقال مهم وردنا في اليوم الثلاثين للحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل على لبنان، و ما يزال هذا المقال على جدته لأنه يقرأ بوعي مواقف كل الفرقاء إضافة للإعلام والشعوب، ويستخلص الدروس والعبر، ثم يستشرف طريق المستقبل للأمة العربية. مرّ شهر على عملية العدوان الهمجي الوحشي الذي تشنه دولة الكيان الاسرائيلي على لبنان،ولم يكن أحد يتوقع أن تستمر هذه المعركة شهراً وهي تنذر بأن تتمخض عن معارك متطاولة في المنطقة، المنطقة العربية تمور بغليان فكري وسياسي وعقدي، والأنظمة الحاكمة فيها باتت مِنسأة متآكلة تنذر بسقوط مدَوٍ لولا أنه لابدائل في الساحة، والعالم يتفرج متحالف بصمته تارة وبمنع وصول الحقائق الى شعوب الارض تارة أخرى، والنتائج السياسية والعسكرية والجغرافية بل والتاريخية التي ستترتب عما يحصل اليوم في لبنان ستكون مدوية على كل الأصعدة، وخاصة فيم يتعلق بوضع الولايات المتحدة الأمريكية وموقعها في الإمساك حتى الساعة بما تظنه ..كل خيوط اللعبة!.
*"اسرائيل " ومن ورائها "وليّة أمرها حالياً" الولايات المتحدة الأمريكية كانت تظن أن قوتها الباطشة وقدرتها على التدمير والسحق والذبح سوف تمكنها من ردع المجاهدين في الجنوب اللبناني خلال أيام !، وقد تصورت أنها بتنفيذ مشروعها الاجرامي الذي كانت قد أعدت له بدقة متناهية وخلال وقت ليس بالقصير سترغمهم على الاستسلام وتسليم الجنديين الأسيرين، أما الذين أشاعوا بأن الجيش الاسرائيلي كان قد تفاجأ بقدرة هؤلاء المقاومين على الصمود، فقد كانوا يروجون لمقولة كاذبة وماذلك إلا لمآرب في نفوسهم تتبدى مع الأيام لكل مراقب، جيش إسرائيل -الذي لايهزم -لايمكن أن تفاجئه قدرة المقاوميين اللبنانيين على الصمود وهو الذي خَبِر قدرة المجاهدين الفلسطينيين ستين عاما على الرباط والقتال بأبسط أنواع الأسلحة، وعشق الشعب اللبناني للشهادة حين يمتحن بها لايختلف في شيء عن عشق الشعب الفلسطيني من قبله لها، وقدرة شعب الجنوب اللبناني على الصبر وتحمل الألم والجراح والمأساة مطابقة لقدرة الشعب الفلسطيني على المصابرة وخلال قرن كامل من الحرب الاستئصالية التي تجري في الأرض المقدسة، الجديد الذي فاجأ الجيش الاسرائيلي والحكومة الاسرائيلية وربما حكومة الولايات المتحدة ومن ورائها كل حلفائها من جهة وكل التابعين لها من جهة أخرى، هو صمود الجبهة اللبنانية الداخلية، هذا الموقف الوحدوي المذهل حتى الآن، وهذا الالتفاف الوطني الكامل الذي لايكاد يشق عصا الطاعة فيه إلا بعض الأصوات الشاذة هنا وهناك، هو الذي فاجأ إسرائيل التي كانت قد خططت مسبقاً وبدقة كبيرة لشن هذا العدوان على لبنان، وكان أحد أهم المحاور التي رجتها في تخطيطها ذاك ضرب الصف اللبناني الداخلي، وزلزلة الوحدة الوطنية في هذا البلد الاستثنائي بكل المقايس، هذا الموقف الوطني المصيري كان المفاجأة الحقيقية لكل قوى الاستكبار في الارض التي أقامت كل مخططاتها الاستراتيجية في هذه المنطقة على مبدأ التفتيت والتشتيت الذي راهن ودائما على الخلافات الطائفية والدينة والعرقية فيها.. صمود المقاومة كان مدعوماً وُمدَّعما بصمود وطن من ورائه، وطن فسيفسائي لكنه استطاع أن يقف كمارد في وجه الاعصار في زمن عجزت فيه كل حكومات المنطقة مجتمعة عن وقفة شريفة مماثلة.. لقد تعلم لبنان الدرس القاسي الرهيب الذي غرق في مستنقعه سبعة عشر عاما منسيا في لجج حرب أهلية قذرة ككل الحروب الأهلية.
* لكن أمرا آخر كان مسببا للإرباك كذلك بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بل ولكل حلفائها من الغربيين وكل اتباعها من حكام العرب، موقف جعل كل مخططات القوم هباء منثورا في هذا العدوان –حتى الآن- ، موقف تاريخي لن ُينسى ولن يذهب سدى، وهو موقف الشارع العربي الذي وقف جبهة واحدة ملتحمة مع المقاومة اللبنانية كما كانت وقفته وبالضبط من المقاومة الفلسطينية ومازالت، بكل فئاته، بكل انتماآته، بكل أطيافه، سبق الشارع العربي ساسته وكبراءه ومفكريه والنخبة الثقافية والقيادات الاجتماعية والدينية فيه بألف سنة ضوئية من الوعي السياسي والديني بوقفة مشرفة مع كل من يقوم بواجب الجهاد الحقيقي في وجه كل هذا الحجم من الحقد الاستعماري الاستيطاني في بلادنا، مواقف أجمعت على التسامي على كل الخلافات: التاريخية منها، والدائبة، وحتى القائمةاليوم جروحاً تنزف في بغداد وغير بغداد.. وقد رفد هذا الموقف موقف رجال الفكر والسياسة من النخبة التي سارعت لتلقف الارادة الشعبية في المنطقة العربية فصدرت عن موقف موحد من المقاومة ومما يجري على الارض اللبنانية اليوم.
*إصرار قادة العدو من كبار مجرمي الحروب من عسكر ومدنيين وإعلاميين على تأجيج الفتنة الطائفية في المنطقة العربية، أجهضته شعوب المنطقة وهي تصرّ على أن هذه المقاومة إنما تنافح عن شرف الأمة في هذا الوقت العصيب، أسر الجنديين لم يأت من منطلق مخطط " شيعي جهنمي" ولكنه أتى من ضرورة استراتيجية فرضتها المذبحة القائمة في غزة والقطاع للشعب الفلسطيني الأعزل الذي تسومه إسرائيل سوء العذاب بتواطؤ مكشوف مباشر أو غير مباشر مع الأنظمة الحاكمة في المنطقة العربية، بعضها يحمي حدود "إسرائيل" بتشكيله ذلك الطوق الجغرافي العسكري الذي لم تكن مهمته خلال أربعين عاما إلا الضغط على أعناق الفلسطينيين إلى درجة الاختناق، وينبطح بعضها الآخر دون حياء بين يدي الولايات المتحدة إلى درجة سقط معها لحم الوجوه ولكن لم يسقط فيها الحياء، ويغض بعضها الآخر الطرف متخبطا بفقره أو تخلفه أو استشراء الفساد في جميع هياكله، الاصرار الاسرائيلي الاعلامي والرسمي والعسكري على توريط بعض الأنظمة العربية في التواطؤ مع هذا العدوان لم يكن إلا كذبا صراحاً، كذبا إعلاميا من قبل قادة مغرقين في الغباء، إحدى مشكلات الذين خططوا لهذه الحرب من الاسرائيليين أنهم لم ينتبهوا إلى أن نسبة الأمية في المنطقة العربية اليوم تتجاوز السبعين في المائة !!، هذه الأمية لم تكن سلاحاً في يد العرب كما هي عليه اليوم في هذه المعركة بالذات، لأنها كانت السبب المباشر في تطهير الشارع العربي من جراثيم تأجيج الأحقاد الطائفية المستعرة نيراناً سوداء تأكل قلوب الآلاف من مدمني الانترنيت من كلا الطائفتين السنية والشيعية خاصة في بلاد الخليج العربي، حيث تأخر القوم في قبول موقف الشارع العربي، لكنهم في النهاية قبلوه وكفروا عن ذنبهم بطريقة اعتبرها الشارع العربي مشرفة على الرغم من مواقف بعض الفضائيات التي أحبت أن تعزف على هذا الوتر المؤلم.
*وإن كان هناك من مشروع "إيراني مزعوم" في المنطقة، أو مشروع "إسرائيلي -أمريكي ظاهر للعيان " فلقد تأكد الجميع اليوم بأن كلا المشروعين يمكن إجهاضهما والوقوف في وجهيهما بسبب هذه الوقفات الشعبية الواعية الشريفة، الوطنية في لبنان، والجماهيرية في الشارع الناطق بالعربية الممتد من الدار البيضاء في المغرب وحتى المنامة في البحرين، مع الأخذ بعين الاعتبار بُعد الشقة بين المشروعين، فالأول -إن سلمنا بوجوده!- ينطلق من بعدٍ عقدي بصير يتعلق بمصير القضية الفلسطينية التي فشل " العرب" بكل مشروعاتهم القومية والثورية والوطنية في خدمته كما ينبغي، ويستند إلى تخطيط واع وعمل دؤوب لاستلام الراية ممن دنسوها بتخاذل البعض، وقعود البعض الآخر، وتخبط آخرين في ادعاآت جهادية غير صائبة لم تجلب على المسلمين إلا الويلات في طول الارض وعرضها، وانصراف هؤلاء القوم عن فهم محورية القضية الفلسطينية في حياة الأمة الى قضايا جانبية أنزلوها من أنفسهم منزلة الروح من الجسد، وانقلابها على أهميتها القصوى إلى مسائل لاتزيد الأمة إلا بلبلة في زمن لن يثبت فيه إلا من أحسن التصرف والتخطيط وفهم ملابسات العصر ومنطق توازنات الرعب والحرب والسلام، ليس الوقت وقت معالجة الأزمة الايرانية العربية المستعصية منذ قرون، هناك عدو مشترك متربص بالأمة كلها، ولابد والحال هذه من التصرف بحكمة وحنكة وجمع الجهود لاتشتيتها .
*من المثير للجدل والشفقة في هذه الايام انكشاف كل هذا الحجم المؤلم من العجز العربي على كل الأصعدة، لاوجود للأنظمة العربيةإلا في كراسي السلطة وقصور الملك وداخل ترسانات عسكرية لم ُتعد إلا لحماية هذه الأنظمة وقهر وقمع أي تطلع لدى شعوبها إلى الحرية والكرامة، إنها زعامات قبلية مغرقة في أخلاق البداوة المنحطة والتبعية المُذلة للآخرين، لكن الأدهى والأمَر هو غياب البدائل السياسية في المنطقة .
في سبيل الوصول إلى السلطة دون التفكير في إعادة تربية المجتمعات، انشغلت الحركات الاسلامية واليسارية في المنطقة العربية خلال نصف قرن بصراعات مريرة مع بعضها البعض من جهة ومع النظم البوليسية القمعية التي تضاهي الكيان الاسرائيلي نفسه في توحشه وهمجيته لدى التعامل مع معارضيها من جهة اخرى، مما ترك الساحة خالية تماما من الكوادر القيادية القادرة على إنقاذ الموقف في مثل هذه المحنة المزلزلة، وانكشفت المجتمعات عن ملايين لم تتلق خلال قرن كامل أية توجيهات تربوية جماعية تمكنها من الاستعداد لمثل هذه المحن، ملايين لاتحسن ولاحتى الكلام، لاإعداد ولا استعداد ولاقدرة على التفكير السليم ولاالفعل المؤثر، غياب الاسترتيجيات المستقبلية لم يكن مرض الحكام فحسب، ولكنه مرض أحاط بقيادات المجتمع السياسية والدينية والفكرية والثقافية –مع الاعتذار لكلمة قيادات !- إنه مرض فتك بالجميع، وقد تجلى أثناء هذا الشهر من العدوان على لبنان بعجز كامل مفضوح ليس من أكثر مظاهره إيلاما ادعاء كل هذه العنتريات عبر الفضائيات . ثلاثة بلدان عربية فقط يمكننا استثناؤها من هذا الواقع، وهي لبنان وفلسطين والمملكة المغربية، لبنان وفلسطين بسبب هامش الحريات التي يفرضها قدر المواجهة المباشرة مع العدو، وأما المغرب فبسبب تماسه المباشر مع الحضارة الأوربية ووجود نوع من المواجهة غير المعلنة الثقافية والاجتماعية والانسانية في تلك المنطقة بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط عبر المضيق.
ليس فيم نقول جلدا للذات إنه تقرير واقع ٍ مالم نعترف به لن نهتدي قط إلى سبل الخروج مما نحن فيه حتى لو امتد صراعنا مع العدو إلى يوم القيامة، ليست مشكلتنا اليوم في الآخرين بقدر ماهي في أنفسنا، إن الولايات المتحدة التي تريد امتلاك المنطقة بثرواتها وإنسانها وحاضرها ومستقبلها، لايمكن لكل استراتيجياتها أن تفلح في وجه شعوب تمتلك رؤية واضحة عن أسسها الحضارية ومقوِمات وجودها واستمرارها، لايستطيع جيش على وجه الأرض أن يهزم أمة بالغاً مابلغ جبروته وقوته وسطوته وتوحشه إلا إذا كانت هذه الأمة مهزومة من داخلها،و حتى لو أرغمت هذه الامة في مرحلة من المراحل على التراجع والانسحاب من بعض المواقع وإعلان فشلها في كسب بعض السجالات .
*أحد أعظم مقومات هزيمتنا اليوم هو عدم وضوح رؤيتنا للموضوع الطائفي، استطاعت مقولات القومية العربية امتصاص النزاعات الدينية بين المسلمين والنصارى في عامة البلدان العربية –إلى حين- ولكنها لم تستطع القضاء على الأحقاد التاريخية المُشرعة بين السنة والشيعة، والتي مازلنا نحتكم فيها إلى خلافات تمتد إلى أكثر من ألف وأربعمئة عام، هذا الشقاق الطائفي بالغ الخطورة والمؤجج من كلا الطرفين على حد سواء، كان من الممكن أن يوظف لمصلحة الأمة وقوتها ومنعتها، وبدلا من أن نتخذ من إيران عدوا لدودا وهي إحدى أكبر الدول الاسلامية في المنطقة، كان ينبغي أن تكون حليفا استراتيجيا لحكام المنطقة، لقد كانت هذه إحدى أهم بل أبرز المخططات الاستعمارية التي أُعدت لإنهاء القضية الفلسطينية بسلخها بادئ ذي بدء عن لحمتها الاسلامية، قبل أن تنزع منها صبغتها العربية، لتصبح في أيام " أوسلو" شأنا فلسطينيا محليا بل بندا على قائمة اهتمامات الحكومة الفلسطينية المحلية في حينه !!. لكن ثبات الفلسطينيين في انتفاضتهم الأخيرة وراء سيد شهدائنا اليوم " الشيخ أحمد ياسين" بوعيه الاستثنائي المتميز، أعاد القضية إلى لحمتها العربية، وانتشار الصحوة الاسلامية في طول العالم وعرضه رجع بفلسطين وقضيتها إلى بعدها الاسلامي الذي ماكان ينبغي أن تنسلخ منه أبداً.
إيران بدورها، لابعد ولاقبل الحرب العراقية الايرانية لم تقم بكثير جهد يطمئن العرب من حولها إلى صدق نواياها تجاههم ومن ثم تجاه القضية الفلسطينية، والأزمة الطائفية الناشبة اليوم في العراق لم تصنع إلا تثبيت المخاوف على كل صعيد، كان الأجدر بهؤلاء الملطخة أيديهم بدماء إخوانهم من جميع الفرقاء في العراق أن يعلموا أن معركتهم ليست حول دجلة ولكن في الليطاني!، وأن هذه المذابح التي تجري في العراق على أيدي مدّعي الجهاد من الطرفين إنما هي هدايا ممتازة تقدم رؤوسنا على أطباق من ذهب لهؤلاء الذين يجلسون في البيوت البيضاء ينتظرون جني كل المكاسب عمن لايفقهون أن مصائرهم جميعا في هذا الاقتتال الطائفي الى جهنم الدنيا والآخرة.
*في الواقع لانعجب كثيرا لهذا الوضع الاعلامي الغربي الذي يقلب كل الحقائق ويشوهها، ويمنح البعض حقوقا يمنعها على الآخرين، ولكن عجبا لمن يندد من العرب باستخدام حزب الله صواريخ ايرانية للدفاع عن الأرض والعرض، كيف لايعجب بالطريقة ذاتها لاستخدام إسرائيل أباتشيات أمريكية للاغتيال والقتل والذبح والترويع والقضاء على كل من يفكر في المقاومة!؟، لقد كان التزام "روح المقاومة" أكبر " جريمة" ارتكبها حزب الله كما ارتكبها من قبله الشعب الفلسطيني المصابر الصامد، و"إرادة المقاومة " هي السبب الوحيد الكامن وراء اعتبار إسرائيل معركتها اليوم في لبنان معركة وجود، ذلك أن انتشار بذور المقاومة في الأمة هو الأمر الذي تقاتل دونه إسرائيل اليوم قتال المستميت وتقف معها في سبيله وبكل ثقلها الولايات المتحدة، والقضاء على روح المقاومة التي ظهرت أعراضها متمكنة من اللبنانيين هو السبب الرئيس الذي يدعو الغرب للتواطؤ بالصمت سياسيا وإعلاميا، وبكل أطيافه وقواه وتوجهاته من أجل اجتثاث هذه الكلمة – المقاومة- حتى من قاموس التداول اللغوي العالمي باستبدالها بكلمة "الارهاب" الهيولية المعنى والمآرب.. إن القوم ليسوا مستعدين لاحتمال انتشار هذا "الجرثوم المعدي" عبر الجغرافيا العربية..بل العالمية، لأنهم يعرفون أن العدوى به بالغة الخطورة على مصالحهم ومدنيتهم ووجودهم، ولعل ظهور حقيقة مايجري في ارضنا من مقاومة سيجعلنا نرى في الجنوب اللبناني مقاومين من مواطني الدول الاوربية نفسها من الشرفاء الذين يرفضون الظلم وانتهاك حقوق الانسان بهذه الطريقة الوحشية، لامن إيران كما تدعي إسرائيل كذبا وجورا وتأجيجا للفتن!!.
قلب الحقائق وتشويهها في الاعلام الغربي والتعمية المنظمة المدروسة المتعمدة لمايحدث في لبنان هي جريمة تاريخية إنسانية كبرى و بكل معنى الجريمة التي ترمي إلى تغييب المواطن الأوربي عن المذابح التي يندى لها جبين البشرية، ولكنها جريمة يشارك فيها أصحاب الملايين العربية المزهقة على موائد الخمر والقمار والفضائيات الفضائحية، دون أن يفكر أحد منهم بإنفاق أمواله على وسائل الاعلام العالمية لالتتخذ مواقف تناصر الحق العربي، ولكنننا وفقط نطمح إلى اتخاذها مواقف تدعم الحق والعدل والحقيقة في هذا العالم الكئيب!.
*****
الفكر الاصولي الاستعماري الصهيوني الامبريالي، الذي لم يعد يرمي الى السيطرة على المنطقة العربية فحسب وإنما تفجيرها من داخلها بعوامل التفتيت الديني والطائفي ليمتلك ثرواتها حياتها وموتها، لن يجد لنفسه من سبيل في ديارنا إذا نحن استطعنا مواصلة الصمود والالتحام مع المقاومة التي لن تكون ولا يجب أن تكون وقفا على مجاهدي حزب الله وحماس ، والتي يجب أن تصبح عقيدة ثابتة في قلوب شباب الأمة، التفاف الأمة بكل انتماآتها الدينية والطائفية والعرقية والمذهبية والسياسية والفكرية لتبني المقاومة، سياسيا وماليا واعلاميا سيوقف مذّ كل الاستراتيجيات الأمريكية التي تريد إشاعة "الفوضى الخلاقة" في أرضنا، فوضى ترجو من ورائها "خلق" أجواء تقضي على كل المُقومات الضرورية لوحدة هذه الأمة.
نهاية الحلم الامبراطوري الانتحاري الأمريكي ستكون في المنطقة العربية لانشك في ذلك قيد شعرة، عندما تنبذ شعوب المنطقة الطائفية المقيتة وتحول اقتتالها الفئوي نحو عدوها المتوحش المتربص لها، وتقوم بواجبها في إعادة صياغة رؤاها التربوية الانسانية كما الاعداد العسكري والاعلامي والاجتماعي الذي يردع العدو ويتركه في مكانه الحقيقي والطبيعي مشلولا بكل جبروته العسكري عن مواجهة إنسان لايتردد في الموت في سبيل أن تحيا أمته، بعد أن سدت في وجهه كل السبل التي تمكنه من الحياة الحرة الكريمة الشريفة.
سيكتب التاريخ أنه ولدى بدء العدوان الاسرائيلي الوحشي الهمجي على لبنان في مطلع القرن الواحد والعشرين الميلادي استطاعت هذه الأمة أن تقلب معايير النصر والهزيمة المتعارف عليها حتى الساعة، وأن تقف وقفة رجل واحد ضاربة عرض الحائط كل خلافاتها الشيطانية لتدافع عن حقها في الحياة وفي الوجود وفي قول كلمة "لا" للمستعمر الذي يريد أن يمتص دماء أطفالها التي تنزف فهذا النزيف في أرضنا شرط أساسي لاستمرار تدفق نزيف من نوع آخر نحوه ، يمدّ أباتشياته يالوقود حتى تضرب في قلوبنا وأكبادنا وتدمر جسورنا ومصانعنا، وتمزق أشلاءنا وطمأنينتنا وتقلع عيوننا وأشجارنا ، سيكتب التاريخ أن نهاية الولايات المتحدة وأداتها الضاربة في أرضنا والتي تسمى "إسرائيل" كانت على أيدي من تبقى من أطفال "قانا" حيث زحف نحوهم كل أطفال هذه الأمة الذين لم يترك العدو لهم من طريق آخر للحياة إلا طريق الوحدة والمقاومة.