الأطفال في ديوان "أناشيد البراءة" سعداء، مبتسمون، ضاحكون، مستقرون، يحملون آمالا وأحلاما عريضة بالنسبة لحاضرهم ومستقبلهم، لذا كثرت الموسيقى (أنا نفسي أكون موسيقار .. عندي في البيت جيتار) والألوان (شوفوا الفستان .. مليان ألوان) واللعب (القطار، والعروسة، والعربية، والطيارة، والقرد اللعبة، والدبدوب النعسان .. الخ) وحفلات أعياد الميلاد (النهار ده يوم سعيد .. أحلى ليلة وأحلى عيد). صدر مؤخرا ديوان شعر جديد للأطفال بعنوان "أناشيد البراءة" للشاعرة السكندرية نجوى السيد، عن سلسلة "قطر الندى" التي ترأس تحريرها الناقدة زينب العسال، وتصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة (العدد 123).
وقد احتوى الديوان على عشر قصائد، أو أغانٍ وأناشيد بالعامية المصرية، اتكأ معظمها على الموروث الشعبي المصري، أو الفلكلور في تجلياته للطفولة والأطفال، مثل قولها في القصيدة الأولى "إبرة الخياطة":
1 2 3
إبرة الخياطة
وقولها في القصيدة نفسها:
تاتا .. تاتا .. تاتا
وقولها في قصيدة "مريلتك":
مريلتك قصرت مبروك
وقولها في قصيدة "حادي بادي":
حادي بادي .. حادي بادي
النهاردة عيد ميلادي
مع أن المأثور الشعبي ـ أو الفلكلور ـ يقول في هذه الجزئية:
حادي بادي ..
كرنب زبادي
سيدي محمد البغدادي
شال وحط
كله على آدي
أيضا بالنسبة للمأثور الشعبي "ياشمس يا شموسة" تقول نجوى السيد في خفة ورشاقة:
يا شموسة جرى إيه ..
بتعكسي عينيه ليه؟
ونحن نتذكر في جزئية "يا شمس يا شموسة"، قولنا ونحن صغار، عندما كنا نبدِّل أسناننا اللبنية:
يا شمس يا شموسة
خُدي سنة الحمار
وهاتي سنة العروسة
وهكذا تنطلق الشاعرة من المأثور الشعبي أو الفلكلور المصري قريب المنال، الحاضر في الأذهان، ثم تقوم بتعديل مساره وفقا للرؤية الفنية، أو المعالجة الشعرية الجديدة التي تعتمدها بالقصيدة، أو النشيد، مبتعدة عن الوعظ والإرشاد والمباشرة، مهتمة بصدق التجربة وتلقائية الأداء.
الأطفال في ديوان "أناشيد البراءة" سعداء، مبتسمون، ضاحكون، مستقرون، يحملون آمالا وأحلاما عريضة بالنسبة لحاضرهم ومستقبلهم، لذا كثرت الموسيقى (أنا نفسي أكون موسيقار .. عندي في البيت جيتار) والألوان (شوفوا الفستان .. مليان ألوان) واللعب (القطار، والعروسة، والعربية، والطيارة، والقرد اللعبة، والدبدوب النعسان .. الخ) وحفلات أعياد الميلاد (النهار ده يوم سعيد .. أحلى ليلة وأحلى عيد).
ومع أعياد الميلاد تكثر الهدايا واللعب واللحظات الجميلة والحنان الأبوي الرائع، كما تكثر ألفاظ طفولية بريئة وعذبة مثل: (أفرح وأزقطط، حلو زغنطوط، فستان أبو كرانيش، فستان العيد، بلوزتي الأمورة، الببيون والجاتوه، ياللا نسقف بإيدينا، الشمعة تنور حوالينا، .. الخ) وهكذا نرى أن الشاعرة تستخدم لغة أو مفردات الطفل، وتحلق في عالمه في سهولة ويسر.
وكنا نود أن تحيط الشاعرة نجوى السيد أطفالها أيضا بالجانب الآخر، أو ما يدور على الشاطئ الآخر، من قتل وترويع وسفك دماء الأطفال الآخرين، في العراق ولبنان وفلسطين، وغيرها من البلاد، ليكون هناك وعي بما يدور في العالم حول هؤلاء الأطفال السعداء في "أناشيد البراءة"، فالصورة ليست بيضاء على طول الخط، وإنما هناك ألوان الدم، وألوان الفجيعة، وألوان الخراب والدمار، المرسومة كلها بيد الإرهاب الصهيوني.
وقد استطاعت الشاعرة في بعض أعمالها السابقة ـ الشعرية والنثرية ـ أن تتحدث عن هذا الجانب، وكان مهما أيضا أن تواصل في "أناشيد البراءة" هذا الطريق أيضا، حتى لا يظن ظان أن الشاعرة لا تلتفت إلى ما يدور أو يحدث لأطفالنا العرب يوميا، وخاصة: مذابح قانا في عامي 2006 و1996، وجنين 2002، وصبرا وشاتيلا 1982، ومدرسة بحر البقر (أثناء حرب الاستنزاف مع مصر)، وتل الزعتر، وكفر قاسم 1956 ودير ياسين 1948، وغيرها من مذابح العدو المدبرة، المخططة، التي تغتال "البراءة" والطفولة على أرض الواقع، وليس على أرض القصيدة فحسب، على مدى أكثر من خمسين عاما.
أيضا من الملاحظات على رسوم الفنان علي دسوقي المصاحبة لأشعار أو أناشيد نجوى السيد في هذا الديوان، أن القصائد والأناشيد في وادٍ، والرسوم في وادٍ آخر، فعلى الرغم من السعادة البادية بقصائد الديوان وأناشيده وأغانيه العشر، والتي وقفنا على بعض ملامحها وصورها في السطور السابقة، فإن رسوم الفنان دسوقي جاءت حزينة لا تعبر عن تلك السعادة والبهجة والانطلاق والمرح والفرح الذي يعيشه أطفال الديوان، لقد كانت رسوم على دسوقي أقرب إلى ملامح "وجوه الفيوم الحزينة"، منها إلى ملامح أطفال الديوان.
لقد تحلَّق تسعة أطفال حول تورتة عيد الميلاد (ص 17) ـ على سبيل المثال ـ لم يكن فيهم طفل مبتسم على الإطلاق، بل إن الطفل رقم 8 ـ على وجه التحديد ـ يدير ظهره ـ في حزن وأسى ـ للتورتة والشموع والبالونات والورود، ربما كان حزينا على أطفال قانا؟
حتى القطة الشقية التي رسمها الفنان والمصاحبة لقصيدة "قطتي الشقية" (ص 6) لم تكن شقية، بل قطة تعيسة، تتوسل لصاحبتها الحزينة في الصورة، أن تتركها وترحل إلى حال سبيلها، على عكس جو الفرح والمرح والببيون القطيفة، وغير ذلك من مفردات شحنت القصيدة بجو من البهجة والسعادة والتفاؤل.
ولعل ما جاء في رسم شعار سلسلة قطر الندى (صورة البنت الضاحكة أو المبتسمة) على غلاف الديوان، هو ما يتماشى من مفرداته وقصائده وأناشيده المبهجة السعيدة التي خطتها الشاعرة نجوى السيد التي صدر لها من قبل خمسة دواوين شعرية بالعامية المصرية، هي: شهرزاد، وعرايس الشعر، والرسايل، وضفاير الشمس، وكاس دموع واحد، كما صدر لها إحدى عشرة قصة للأطفال عن دار المعارف، وهيئة قصور الثقافة، والشركة العربية للنشر والتوزيع بالقاهرة.
غير أنه في جميع الأحوال، هذه قصائد وأناشيد وأغانٍ من السهولة بمكان تلحينها وغناؤها ـ فرديا وجماعيا ـ نظرا لخفتها الموسيقية، وسهولة ألفاظها، وسمو تعبيراتها، ومناسبتها لروح الطفولة المرحة المنطلقة الوثابة المتطلعة لعالم أجمل، وغدٍ أسعد.