إجراءات الحصول على التأشيرة من السفارة أو القنصلية الإنجليزية بالقاهرة، كانت أسهل بكثير من إجراءاتها بالسفارة أو القنصلية الفرنسية، إلا أنها كانت أعلى قيمة مادية لم يتطلب الأمر أكثر من ساعة تقضيها في طابور غير طويل، بداخل حجرة مكيفة الهواء. ومادامت أوراقك جاهزة فإنك تحصل على تأشيرة الدخول في اليوم نفسه، أو في اليوم التالي على الأكثر، بينما تحصل عليها بعد أحد عشر يوما في حالة جاهزية أوراقك بالقنصلية الفرنسية.
ذهبت إلى السفارة الإنجليزية بجاردن سيتي بالقاهرة، صباح الثلاثاء مع صديق الرحلة حسن الأشقر، بدعوة من ميدل إيست أونلاين دوت كوم لزيارة مقر الموقع في لندن، والتدريب على أحدث برامج الإنترنت، وخريطة النشر الإلكتروني الحديثة بالموقع، الذي يعد من أكبر المواقع الإخبارية والثقافية على شبكة الإنترنت، وهو يبث مادته بالعربية والإنجليزية، وفي طريقه الآن للبث بالفرنسية أيضا.
في خلال ساعة كنا قد انتهينا من تقديم الأوراق المطلوبة، وعلى رأسها طلب الحصول على التأشيرة الذي يتكون من عشر صفحات . تفحصت الموظفة الحسناء أوراقنا، وطلبت استكمال بعض البيانات التي تركناها فارغة لعدم معرفة ما ترمز إليه. وبعد دفع رسوم التأشيرة وقدرها 575 جنيها مصريا، أي ما يعادل مئة دولار أمريكي، أو خمسين جنيها استرلينيا
ـ في حين كانت رسوم تأشيرة فرنسا والاتحاد الأوربي التي حصلت عليها قبل أسابيع من زيارة لندن، 265 جنيها مصريا، أو ما يعادل 35 يورو ـ طلبت التوجه إلى مكتب البريد السريع بالسفارة تي إن تي لتسليم جوازي السفر، والذي سوف يرسل بريديا في مساء اليوم على عنوان صاحب الجواز، بعد لصق التأشيرة بإحدى صفحاته.
في اليوم التالي أرسل جواز السفر، وحجزنا على خطوط مصر للطيران، القاهرة / لندن / القاهرة، واتصلت بالدكتور هيثم الزبيدي ـ رئيس تحرير ميدل إيست أونلاين لإبلاغه بميعاد وصولنا إلى مطار هيثرو.
استغرفت الرحلة من الإسكندرية إلى لندن، حوالي 12 ساعة، بما فيها رحلة أتوبيس غرب الدلتا في السادسة صباحا، من الإسكندرية إلى مطار القاهرة الدولي، والتأخير الذي حدث للطائرة قبل إقلاعها، لوجود عطل فني بسيط بعجلاتها، فاعتذرت مصر للطيران أكثر من مرة عن هذا العطل، وقاموا بتوزيع العصائر على الركاب في صالة الانتظار رقم 4.
بعد ساعة ونصف من التأخير أقلعت الطائرة المتجهة إلى مطار هيثرو، وكنت أشفق وقتها على الأصدقاء المنتظرين في هيثرو لاصطحابنا إلى إحدى الشقق الفندقية جنوب غرب العاصمة، بمنطقة جلوستر رود.
على الرغم من أن هذه هي المرة الأولى التي أزور فيها لندن، إلا أنني حقيقة لم أشعر بأية غربة، فهناك عرب كثيرون بها، والعاملون بالفندق أو مجموعة الشقق الفندقية، مجموعة طيبة من المثقفين العراقيين، حتى مقهى الإنترنت القريب من الفندق ـ والذي أكتب منه الآن ـ يوجد به المتصفح العربي، أو النسخة العربية لإنترنت إكسبلورر،.
كانت الجولة الأولى في لندن، بحدائق هايد، أو هايد باركت الشهيرة، وقد اكتشفنا أن مساحتها ضخمة جدا. كان الجو شديد البرودة، ومع ذلك قلنا إننا لم نأت إلى لندن لكي نقبع في حجراتنا ونشاهد التلفزيون، أو نتصفح الإنترنت، وصممنا على النزول إلى الشارع، والسير وسط الأمطار والحرارة المنخفضة جدا، ومن حسن حظنا أن توقفت الأمطار، ولم يكن هناك فرصة لوجود أية بقعة طينية، أو أية بركة مائية، نتيجة تجمع الأمطار التي تغسل وجه المدينة الوقور شتاء، أو وقوفها في مكان ما، فالمياه تنساب برشاقة وأناقة وليونة وحيوية إلى مجاريها ومساربها.
كان اختيارنا لهايد بارك كأول معلم إنجليزي أو بريطاني نزوره، له الكثير من الدلالات، ففي هذه الحديقة الشهيرة ـ وبخاصة أيام الآحاد ـ يتجمع كل من يريد أن ينتقد أو يعترض على قرار من قرارات الحكومة، أو يشكو من ظلم تعرض له أو وقع عليه، أو حتى يسب من يريد سبابه من كبار
الموظين أو المسئولي في الدولة ، إنها حديقة الحرية.
كأن هايد بارك حي بكامله من المسطحات الخضراء الشاسعة والحرية الرائعة التي تبدو بلا نهاية. وفي طرف من أطرافها توجد بحيرة كبيرة يسبح فيها البط والأوز، وغيرها من طيور الماء، أو الطيور المحبة للماء مثل النورس.
لم نستطع أن نمضي في هايد بارك حتى نهايتها، فخرجنا من إحدى جوانبها المتعددة، لنجد أمامنا قاعة البرت هول الملكية التي تأسست عام و 1871
وغنى فيها عبد الحليم حافظ بعض أغنياته، ومنها أغنية المسيح في أول ظهورها. وأمام القاعة نصب تذكاري مذهب للألبرت هول.
ما أن خرجنا من هايد بارك حتى فرشت الشمس أشعتها الضعيفة الحانية على أسفلت لندن، فهرب الضباب الذي اشتهرت به المدينة منذ الأيام الأولى للثورة الصناعية، وبعد اكتشاف البخار الذي كان يتجول في سماء لندن، أما الآن وبعد استخدام الكهرباء، فإن مقولة لندن مدينة الضباب، لم يعد لها محل من الإعراب..
في طريقنا إلى جلوستر رود تذكرنا شمس مصر الدافئة، عندما تبزغ من وراء الضباب في يوم شتائي بارد.
هكذا كانت شمس لندن في أول يوم من التلاقي معها، وفي وقت يستعد فيه الإنجليز ـ وأوربا كلها، بل والعالم كله ـ لاستقبال أعياد الميلاد، وسنة ميلادية جديدة هي 2007 مما أضفى ألوانا وأشجارا جديدة، وطقوسا احتفالية رائعة في الشوارع والميادين والمحلات والفنادق، وفي كل مناحي الحياة هنا.
أحمد فضل شبلول ـ لندن