نعيش حاليا في عالم جعلته العولمة سوقا تجاريا واحدا حيث يجب التنافس فيه مع كل دولة وكل مدينة في العالم على كل شيء وفي كل شيء. ولقد فرضت العولمة  التنافس في مجالات مختلفة كالسياحة والاستثمار ووسائل الإعلام والثقافة والاستهلاك والحكومات. وكذلك أصبح الاهتمام بالرأي العام  في العالم أيضاأكثر من ذي قبل. وأصبح من الضروري أيضا أن نفهم الدول من وجهة نظر الشعوب الأخرى من حيث الإنجاز والفشل والقدرات والعيوب والإنتاج وانعكاس ذك على صورتها في العالم.

من هنا أصبحت البلدان والمدن والمناطق عبارة عن أنواع كالبضائع الاستهلاكية لأن الناس أصبحوا ينظرون إليها كذلك.  والقليل منا لديه الوقت ليعرف كيف تكون عليه معظم البلدان والمدن ، ولهذا نطوف بأفكارنا المسبقة عن المدن والبلدان  من خلال التعقيدات للعالم المعاصر مسلحين ببعض الصور النمطية، فمثلا: عندما تذكر مدينة ميلان نقرنها بالأزياء، وعند ذكرسويسرا نقرنها بالدقة والأمانة، وعند ذكرأمريكا نقرنها بالقوة والغطرسة والمال، وعند ذكر اليابان نقرنها بالتكنولوجيا، وعند ذكر"الكيانالصهيوني" نقرنها بالاحتلال والتمييز العنصري وهكذا دواليك!.

ويهمنا في هذ العجالة أن نلقي الضوء على وضع الكيان الصهيوني من وجهة نظر الشعوب الأخرى وكيف تنظر إلى هذا الكيان شأنه شأن الدول الأخرى متبنين استطلاع مؤشر أنهولت لنوع الأمم الذي يقيس قوة وجاذبية صورة الأمة وكيف ينظر المستهلكون حول العالم إلى صفة وشخصية تلك الصورة. إن صورة الأمة هي مجموع تصورات بلد ماعبر ستة مجالات لموجودات الأمة وصفاتها وقدراتها.

على الرغم من أن الدعاية والإعلام في الكيان الصهيوني وفي الغرب وقسم كبير من الإعلام العربي الخاص والرسمي يتغنون بالديموقراطية في الكيان الصهيوني والتقدم التكنولوجي حتى أضحى هذا الكيان المثال الذي يمجده الغرب  وبعض العرب العاربة والليبراليون الجدد على إنجازاته متغاضين عن ممارسات الاحتلال من قتل وتدمير وإذلال واعتقال واختطاف وتمييز عنصري ونازية بزّت كل أنظمة الفاشية والنازية والتمييز العنصري السابقة واللاحقة. وبناء على ذلك  كيف تنظر شعوب العالم  إلى "الكيانالصهيوني" وتراها على مؤشرأنهولت نوع الأمة؟

ففي دراسة تمت في الريع الثالث من عام 2006 اعتمدت على استطلاع مؤشر انهولت لنوعية الأمم، تبين أن نوعية وصورة الكيان الصهيوني هي أسوأ نوعية في العالم.  لقد استطلع المؤشر المذكور آراء أكثر من  25903 مستهلكا على الإنترنت من 35 دولة توزعت بين امريكا الشمالية واوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وتبوأ الكيان الصهيوني المركز الأخير بعد استونيا وأندونيسيا وتركيا.  تضمن الاستطلاع ستة مجالات أطلق عليها (المضلع السداسي) Hexagon وهي كما يلي:

أولا، السياحة
السياحة ، في الغالب،  هي أكثر العناصر التي تظهرصورة الأمة ونوعها بين الأمم الأخرى. تخصص وزارات السياحة في معظم البلدان ميزانيات كبيرة  لاجتذاب السياح إلى البلد المعني.

ثانيا، الصادرات
تم استطلاع المشاركين عن ميلهم للبحث أو عن تجنبهم للمنتحات لما يطلق عليه "تأثير بلد المنشأ" أو " صنع في .." ليضيف قيمة إلى المنتجات والخدمات. وكذلك ما هي أنواع المنتجات التي سوف يتوقع الناس إنتاجها في كل بلد وكذلك فيما إذا كانوا يفكرون أن البلد يمتلك قدرات خاصة في العلم والتكنولوجيا. إن الأصناف التجارية هي التى تؤدي دور نقل الثقافة القومية وقد أصبحت واحدة من الموجات الأساسية للصورة القومية وأكثر الوسائل التي تشكل أراء الناس حول الهوية القومية.

ثالثا، الحكم
تم استطلاع المشاركين عن ترتيب البلدان تبعا لرأيهم في نوع الحكم، بتجرد، وإلى أي حد يثقون بحكوماتهم في اتخاذ قرارات مسؤولة تساهم في السلم والأمن العالمي. وكذلك تم استكشاف تصورات وآراء الناس حول جدية الحكومة تجاه محاربة الفقر والأمراض وخلافه.

رابعا، الإستثمار والهجرة
تم النظر إلى عنصر العمل وإدارة الأعمال في البلد المستطلع. ما مدى رغبة المشاركين الشخصية في العيش والعمل في كل بلد لمدة معينة. وكيف ينظرون إلى قيمة المؤهلات التعليمية التي يمكن الحصول عليها في ذلك البلد. وأخيرا، ما هو أحسن وصف ينطبق على الاقتصاد الجالي والحالة الاجتماعية في البلد.

خامسا، الثقافة والتراث
تم طرح أسئلة مصممة لقياس التصورات عن التراث الثقافي للبلد وكذلك آراء الناس أو نياتهم لاستهلاك المنتجات الثقافية التجارية الشعبية. وكذلك مركز الدولة في المجال الرياضي. وأخيرا، تسمية  نوع من الأنشطة الثقافية الأكثر توقعا وجوده في البلد المعني.


سادسا، الشعب
ولفهم النظرة إلى رأس المال الإنساني في كل بلد، تم طرح سؤالين هما: "تصور أنك مدير وتحتاج إلى أن تقوم بتوظيف هام. رتب من فضلك البلاد التالية تبعا لتفضيلك لجنسية مرشحك". وأما السؤال الثاني فهو "ما مدى رغبتك في أن يكون لك صديق من البلاد التالية؟".

وفي الربع الثالث من سنة 2006، تم إدخال الكيان الصهيوني للمرة الأولى في استطلاع مؤشر أنهولت بسبب الشكوك المتزايدة حول صورة البلد في العالم خلال الأشهر الأخيرة. وفي الواقع، أن حكومة الكيان الصهيوني قد أعلنت أخيرا أنها ستقوم بحملة تحسين الصورة والنوع كمحاولة لمخاطبة التصورات السلبية عن البلد حول العالم كما أوردت وكالة رويتر في الثلاثين من سبتمبر 2006.

وبعد عقود من النضال لكسب الدعم الخارجي لسياساتها ضد العرب، يحاول الكيان الصهيوني أسلوبا جديدا بحملة تهدف إلى خلق صورة تلقى ترحيبا في العالم هي أقل عدوانية وقتالية. لقد قامت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، التي قالت، في خطابها لجمع من الدبلوماسيين ومدراء العلاقات العامة، بأن النزاع المستمر مع الفلسطينيين يستنزف شرعية الكيان الصهيوني الدولية، ولإيجاد طرق ووسائل لتحسين صورة البلد. قالت ليفني أنه"عندما تذكر كلمة إسرائيل خارج الحدود، لا نريدها أن تعني قتالا أو جنودا ولكن مكانا مرغوبا في زيارته والاستثمار فيه ومكانا يرعى المثل الديموقراطية في كفاحها ونضالها من أجل الوجود." وقامت وكالة ساتشي وساتشي للدعاية والإعلان بمساعدة الحكومة االكيان الصهيوني في هذه الحملة مجانا دون مقابل.

إن نوع وصورة الكيان الصهيوني هي الأكثر سلبية بين البلدان التى قام المؤشر بقياسها وجاءت في ذيل  القائمة في كل مجال وسؤال تقريبا. فقط مملكة بوتان، البلد الوحيد، في الدراسة ذاتها، حصل على ترتيب منخفض مثل الكيان الصهيوني. ولكن كان هذا بسبب العدد القليل من المشاركين في البلاد التي جرت فيها الدراسة إلى حد أن الكثير منهم لم يسمع  بهذه المملكة الصغيرة في جبال الهملايا عدا أنه لم يكن هناك أي رأي ثابت وواضح عنها.

من الواضح أن ترتيب الكيان الصهيوني السيء ليس بسبب الجهل به: إنه أحد أكثر الدول شهرة في العالم. لقد حصل الكيان الصهيوني على أقل الدرجات في مجال الحكم. وعند الإجابة على واحد من الأسئلة في هذه الجزئية من الدراسة، "هل توافق بشدة على العبارة بأن هذا البلد يسلك أو يتصرف بمسؤولية حيال السلم والأمن العالمي؟". لقد أتى ترتيب الكيان الصهيوني الأدنى بين 36 بلدا. حتى في نظر المشاركين من الولايات المتحدة. على العكس من المشاركين من روسيا الذين أعطوها أعلى ترتيب وأن آراء الروس بصورة ملحوظة جاءت من ضمن المقارنة بتلك الخمس وثلاثون بلدا التي تم استطلاعها.

وأكثر الأسئلة أهمية في الدراسة كان عن مدى رغبة المشاركين في العيش والعمل في البلد. إن أي تغييرات في الإجابة على هذا السؤال تعكس أيضا التغييرات بصورة عامة في التصورات والآراء عن بلد ما أكثر دقة من أي سؤال آخر في الدراسة. وهنا، جاء ترتيب الكيان الصهيوني في ذيل القائمة في كل مجال وبين كل الشعوب بما فيهم الأمريكيون وحتى الروس أعطوها الترتيب الثامن والعشرين. وبالنسبة للسؤال المتعلق بالسياحة حول احتمال أو إمكانية أي مشارك في الدراسة زيارة البلد المقصود من السؤال إذا كانت النقود ليست هدفا، جاء ترتيب الكيان الصهيوني في ذيل القائمة أيضا أي الترتيب الخامس والثلاثين بين الأمريكيين والثاني والثلاثين بين الروس. وعندما سئل المشاركون فيما إذا كانوا يعتقدون بأن أهل (سكان) البلد يمكن أن يشعروهم  بأنه مرحب بهم إذا قاموا بالزيارة. مرة أخرى، جاء الكيان الصهيوني في ذيل القائمة، التاسع والعشرون بين الأمريكيين والثاني الثلاثون بين الروس.

لقد كان هدف الكيان الصهيوني، كما تقول وزيرة الخارجية، هو ترويج نفسها كمكان مرغوب للعيش فيه والاستثمار فيه أيضا. يظهر أن التحدي كبير وعميق. ويبدو أن الكيان الصهيوني في وضع منفرد وفي عزلة أيضا كما يظهر من الرأي العام. على الرغم من الحقيقة أن سياسة الحكومات الرسمية تجاه الكيان الصهيوني  وأنها داعمة لها، نجد أن الرأي العام في هذة البلدان أقل حماسا لدعمها. إن ترتيب الكيان الصهيوني كان في ذيل القائمة في جميع المجالات في البلدان الأوروبية والأمريكية الشمالية.

لقد كان المشاركون في مصر هم الأقل إيجابية عن الكيان الصهيوني بين جميع البلدان. لقد أعطى الشعب المصري الكيان الصهيوني الترتيب السادس والثلاثين في كل سؤال في الدراسة، بعيدا عن الترتيب 29 في السؤال "هل توافق بشدة على العبارة القائلة بأن هذا البلد يساهم باكتشافات واختراعات هامة في العلوم والتكنولوجيا؟" - وهو نفس السؤال الذي حاز الكيان الصهيوني على ترتيب 12 من روسيا.

ولكن حتى في بلد مثل ألمانيا حيث تكون الآراء في الكيان الصهيوني بين الناس أكثر احتمالا بأن تكون أكثر توازنا، من النادر أن رتب الكيان الصهيوني فوق أدني عشرة ترتيبات في الدراسة. وأعلى ترتيب أعطاه الألمان للكيان الصهيوني كان 23 عن السؤال المتعلق فيما إذا كان المشاركون يوافقون على العبارة "هذا البلد يمتلك تراثا ثقافيا غنيا".

يبدو أن الكيان الصهيوني يعرف المشكلة وهناك تصميم على القيام بشيء حيال ذلك. ولكن كقارئ عادي لدراسة المؤشر، أجد أنه من الصعب وغير المفهوم أن أي بلد يستطيع تغيير الشكل الذي يراه  العالم  عليه ككل عن طريق تسويق الاتصالات والدعاية. إن المنتجات مثل السياحة والصادرات وفرص الاستثمار أو حتى النواحي الثقافية يمكن تسويقها بالتأكيد بالوسائل التقليدية من خلال وسائل الإعلام. وبالفعل، في هذه المجالات، لا خيار لهذه البلدان لأن منافسيهم يعملون نفس الشيء.  ولكن هذه منتجات محددة تباع لجماهير محددة وتسويق الاتصالات يلعب دورا واضحا. وليس هناك أي دليل في مؤشر نوع الأمم ومؤشر نوع المدن في السنتين الأخيرتين أن كان لحملات تجميل وتحسين النوع والصورة، حيث تحاول الحكومات تغيير أراء أو تصورات عن بلدهم ككل،  لها الأثر على نوع أو صورة  أي بلد اتبع (وسائل التسويق).

وهذا مؤكد لأن جميع البلدان في بعض المستويات تحصل على السمعة التي تستحقها – إما بالأشياء التى قاموا بها وإما بالأشياء التي فشلوا في تحقيقها- ومن السذاجة جدا أن نتخيل أن المعتقدات المتجذرة في نفوس الشعوب يمكن أن تتأثر بالإعلان أو بحملات العلاقات العامة إلا إذا كانت هذه الحملات تعكس بصدق تغييرا حقيقيا في البلد نفسه. فالمشكلة والحل كلاهما يتعلقان بالعمل مع المنتج أكثر من التغليف. إن مؤشر نوع وصورة الأمة ودراسات كثيرة أخرى تؤكد أن الصورة القومية ظاهرة تتغير ببطء هذا إن تغيرت أبدا.

من المستحيل على أي بلد أن يفند الرأي العام. وإذا كان الكيان الصهيوني يشعر، كما هو واضح، بأنه يساء فهمه ويساء تمثيله ببساطة فإن تكرار رأيه المعتاد دائما فليس من الممكن أن تنجز الكثير مهما كان خلاقا ومهما علا صوته ومهما بلغت درجة إقناعه ومهما صرف من الأموال على وسائل الإعلام لتعزيز رؤيته ومهما كان حجم ميزانية الدفاع والحرب ومهما كانت الأسلحة معقدة، إن حجم بؤس الصورة والنوع كبير جدا.
إن الرأي العام في مثل هذه الأمور يتجه الى الثبات والاستقرار الى حد كبير، وهذا من الواضح ليس هو الحال بالنسبة للكيان الصهيوني. كما ان أسلوب البيانات يؤكد آراء الناس حول الكيان الصهيوني. وبالفعل، إن الدعاية والإعلان أو نشر مثل هذه الحملات الدعائية مثل تلك التي يبدو أن الكيان الصهيوني يفكر فيها من المرجح أن تكون لها نتائج عكسيه. وكلما كان الناس يشتبهون في أن القوى الأجنبية تحاول العمل على تغيير رأيهم حول شيء ما كانوا اكثر ثباتا وتشددا في آرائهم ، وسوف ينظرون إلى ذلك وكأنهامحاولة لإنكار او طمس الحقيقة ، وكذلك كانوا أكثر ضراوه وسيثبتون على آرائهم. وأن فكرة تغيير فهم الناس يأتي عن طريق المعرفة على مبدأ: "أن تعرفونا هو أن تحبونا" بينما العكس الصحيح. فكلما عرف الكيان الصهيوني أكثر كانت الكره أكبر.

________________________________________

* هذه الدراسة مرتكزة على مؤشر أنهولت لقياس نوع الأمم Nation Brand لصاحبه سيمون أنهولت Simon Anholt 

Overall Ranking
1 United Kingdom
2 Germany
3 Italy
4 Canada
5 Switzerland
6 France
7 Sweden
8 Japan
9 United States
10 Australia
11 Spain
12 The Netherlands
13 Denmark
14 Norway
15 New Zealand
16 Belgium
17 Portugal
18 Ireland
19 China
20 Russia
21 Brazil
22 Hungary
23 Argentina
24 Singapore
25 India
26 Mexico
27 South Korea
28 Czech Republic
29 Egypt
30 Poland
31 Malaysia
32 South Africa
33 Estonia
34 Indonesia
35 Turkey
36 Israel


إن مؤشر أنولت يعني بالتحليل التراتبي لدول العالم على أساس نوعيات طورها (سيمون أنولت) Simon Anholt،  وهو باحث بريطاني مستقل ومستشار لحكومات عديدة للنوعية، وهو أيضا المحرر المؤسس لـ "مطابقة النوعية" Place Branding، وهي محلة بريطانية فصلية مكرسة للمارسة الجديدة نسبيا لمطابقة النوعية.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية