يحدث كثيرًا أن نحمل في أذهاننا صورًا ضيقة لأشياءٍ واسعة، فلا نعرف عن تلك الأشياء إلا شيئًا ضئيلاً ومغلوطًا في معظم الأحيان. والمملكة المغربية هي واحدة من البلدان التي نبخسها حقها ونقلل من قدرها، وذلك بسبب سلوكيات مجموعة من الشباب الطائش الذين جعلوها وجهة لأسفارهم العاطلة وأهوائهم الباطلة، فشوهوا سمعتها ولم ينقلوا لنا منها إلا ما رأوه أو سعوا إليه من مجون وشذوذ لا يخلو منه قطرٌ من أقطار العالم.
وقد يسر الله تعالى لي في النصف الأخير من شهر يناير 2007 الفائت، متعة وفائدة السياحة في تلك المملكة المسلمة وذلك القطر العربي الذي وقع تحت الحماية الفرنسية عام 1912 واستقل عنها عام 1956م. وتم ذهابي لها بدعوة كريمةٍ من (مركز الروّاد للتدريب القيادي) الذي أسسه ويرأسه الداعية المعروف د. طارق السويدان تحت رعاية الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، والعنوان الالكتروني لهذا المركز هو: www.alruwad.org .
فوجدت في المغرب دار إسلام ووجهة اصطياف وحلقة علم وخان مسافر وسوقاً حافلاً بما لذ وطاب، مع شعب مضياف وبنية تحتية جيدة، فالمصارف منتشرة والفنادق فاخرة والمطاعم نظيفة والطرق سريعة واللوحات الإرشادية موزعة والأمن مستتب ولله سبحانه الحمد والفضل. ويجب أن أشير وأشيد بمسألة كرم وحفاوة الأشقاء المغاربة، حيث شعرت والكثير من زملائي في الرحلة المميزة باستصغار لمظاهر كرمنا واحتفائنا بضيوف الكويت، مقابل ما رأيناه من ترحيب مادي ومعنوي وسهر على راحتنا وابتسامة لا تفارق المحيا، سواء في الأماكن الرسمية أو الوجهات السياحية والتراثية أو حتى في الأحياء الفقيرة نسبيًا.
كما لفتت نظري الحياة السياسية والثقافية النشطة في ظل الملك محمد السادس الشاب عمرًا وعملاً والتي تسلَّم مقاليد الحكم عام 1999، ودستور مميز وضع في عام 1962 بالتزامن مع دستورنا، ولديهم تعددية حزبية وإقبال واسع على تأسيس جمعيات النفع العام المختلفة وسأعدد جانبًا منها في المقال المقبل إن شاء الله تعالى، مع حرية صحافة ونشر واسعة باللغتين العربية والفرنسية. ومما يبعث للفخر حقًا حب الشعب المغربي البالغ عدد أكثر من 31 مليون نسمة للقراءة بفهم، فلا تراهم يبتلعون الروايات المترجمة مثلنا دون مضغ وهضم، أو يرتشفون عناوين الأخبار والأفكار ارتشافًا، بل تجد هناك قوةً في الطرح وعمقًا في المضمون لم أرَ مثله في الدول المسلمة. وزادني – والمرافقين – فخرًا ما وجدناه من توزيع ورواج واسع لمجلة العربي الكويتية المنشأ، وكافة إصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، بجانب مجلات المجتمع والوعي الإسلامي الإسلاميتين. وحدث ولا حرج عن شهرة الدعاة الكويتيين والقنوات الفضائية التي يديرونها مثل الأستاذ/ جاسم المطوع مدير قنـاة "اقرأ"، والدكتور طارق السويدان/ مدير قناة "الرسالـة"، والذي احتجنا لرجال الأمن المغربي والسفارة الكويتية هناك حتى نخرجه من بين الجماهير المحتشدة حوله للترحيب به والسلام عليه والتقاط الصور التذكارية معه.
ولا بد من الإشادة في جهود السفارة الكويتية في المغرب وعلى رأسها السفير/ صلاح البعيجان، حيث تساهم جهودهم في تعريف المغاربة بالكويت والتأليف فيما بيننا وبينهم، إلى جانب حرمه الفاضلة التي ترعى نشاطًا اجتماعيًا وخيريًا بارزًا من خلال "النادي الدبلوماسي" وغيره. كما أشكر من جعلوا زيارتنا مميزة، وأخص منهم الأخ الشاب/ عبد العزيز الغربللي مدير الرحلة من (مركز الروّاد)، ومرافقنا العزيز/ محمد الهلالي من (منظمة التجديد الطلابي) المغربية، وعنوان موقعها الالكتروني هو: www.orema.org. أخيرًا فقد ينتهي هذه المقال ولكن مشاهداتي من ذلك البلد الثري بحضارته وعراقته لم تنتهِ بعد، ولي عودة إن شاء الله تعالى مع وجوه أخرى.
كـــما أختم كلماتي بدعوة شركات السياحة والعوائل العربية للتفكير جديًا بتحويل وجهة سفرهم المقبلة إلى ذلك القطر القريب منا بالدين واللغة والبعيد عنـّا بصورته المشوهة! والحمد لله أولاً وأخيرًا.