تختلف إندونيسيا - أكبر بلد إسلامي في العالم – عن الكثير من البلاد المسلمة، هي بلاد لم تصل إليها الفتوحات الإسلامية المعروفة تاريخيا ولم يدخلها جيش مسلم، بل وصل إليها الدين الإسلامي عن طريق التجار الذين جاءوها من اليمن، فكانوا أمثلة رائعة لأخلاق الإسلام، لم أكن أعرف عن تلك البلاد إلا القليل حتى أتيحت لي الفرصة لزيارتها وللتعرف عليها وعلى شعبها عن كثب، فاكتشفت أشياء مثيرة لم أكن أتوقع أن أجدها هناك، إن لقائي بأخواني وأخواتي ممن هم على بعد أميال كثيرة مني جعلني أخرج بالكثير من الخواطر ومنها التالي:
1- الإندونيسيون من أكثر الشعوب الذين التقيتهم بشاشة وطيبة وكرما وتحليا بالأخلاق الإسلامية، بدءا من رجل الشارع البسيط وانتهاء بكبار المسؤولين والوزراء، وهذا من أول الأشياء التي شدتني فور وصولي، فلا تسأل منهم أحدا عن شيء إلا ويرد عليك بابتسامة عريضة ويترك ما كان يعمله لمساعدتك، ولا تكون ضيفا على أحد منهم حتى يوفر لك كل وسائل الراحة ويحرص على مرافقتك ويصر على خدمتك.
أما التواضع الجم فقد لمسته في العديد من المواقف ومنها لقائي بإحدى عضوات البرلمان الإندونيسي وترحيبها الشديد بي لإجراء حديث صحفي معها رغم انشغالاتها الكثيرة.
2- لدى الإندونيسيين ولاء وحب عظيمان للأمة الإسلامية، وشعور كبير بالمسؤولية تجاه قضاياها، فقد وجدنا القضية الفلسطينية محورا رئيسيا في حديث أي شخص عن العالم الإسلامي واستمعنا لفرق الأناشيد الإسلامية تصدح وبحماسة بكلمات عن الإسلام والدعوة والأمة والقدس، كان العديد منها باللغة العربية ومنها ما يتم إنشاده في الكويت وغيرها من الدول العربية، فكان ذلك مثال لتوحد القضايا والهموم والآمال رغم بعد المسافات.
بعد اختتام المؤتمر التأسيسي للمنتدى العالمي للبرلمانيين الإسلاميين - والذي تشرفت بحضوره بالعاصمة الإندونيسية جاكارتا - قالت لي إحدى الأخوات الإندونيسيات واسمها آستري وهي طالبة متطوعة في اللجنة المنظمة للمؤتمر أن من أهم الأشياء التي تعلمتها بعملها بالمؤتمر خلال تلك الفترة هي "أن فلسطين موجودة فعلا"، وشرحت قائلة أنها وغيرها من الطلبة والطالبات لطالما حملوا فلسطين في قلوبهم وخرجوا في مظاهرات للدفاع عن قضاياها العادلة وأقاموا الأنشطة والبرامج الطلابية لدعم أخوانهم هناك ولكن لقاءها بأعضاء الوفد الفلسطيني المشاركين بالمؤتمر واستماعها لحديثهم عن معاناتهم هناك أو أثناء الخروج من غزة المحاصرة لحضور المؤتمر ورؤيتها لحماسة الوفود الأخرى لدعم القضايا الفلسطينية جعلها تشعر بالمزيد من الولاء والانتماء لأمتها الإسلامية.
3- المشاركة الفعالة والإيجابية للفتاة والمرأة الإندونيسية بالمجتمع، ولمست ذلك عن طريق لقائي بأخوات نشيطات في المجالين الصحفي والإذاعي بجامعاتهن من خلال تقديم مواد دينية وأخرى ملتزمة، وقد سرني جدا اطلاعي على الكثير من البرامج والنشاطات التي تشارك فيها النساء الإندونيسيات كالمحاضرات والندوات وغيرها، وحكاية الأخت آستري وزميلاتها عن الخروج بالمظاهرات السلمية المؤيدة لفلسطين مثال على ذلك أيضا، ولا ننسى المشاركة بالحياة السياسية.
4- نشاط العمل الإسلامي المنظم في إندونيسيا وتبوؤه مكانة هامة في البلاد، وأبرز دليل على ذلك دعم الحكومة الكامل للتيارات الإسلامية هناك – ولله الحمد والمنة – من خلال حضور ورعاية فخامة الرئيس الإندونيسي سوسيلو بامبانج يودويونو للمؤتمر المقام من قبل حزب العدالة الإسلامية، وحرص كبار مسؤولي الدولة من وزراء ومحافظي ولايات على المشاركة بالحدث واستقبال وفود المؤتمر بكل حفاوة وتكريم، بالإضافة إلى وجود مراكز التوعية الإسلامية التي تقيم الكثير من البرامج التثقيفية.
5- تطور النظام المروري الكبير في إندونيسيا، حيث أن لديهم قانونا يعرف بـ (3 في 1) وينص على أن السيارات ممنوعة من دخول بعض الطرق الرئيسية في المناطق المزدحمة من البلاد في أوقات معينة صباحا ومساء ما دام فيها أقل من ثلاثة أشخاص، وللقانون أثر كبير في تخفيف الازدحام المروري وفي تشجيع الناس على استخدام وسائل النقل العامة.
ولعل الطريف بالأمر أني رأيت بعض الأطفال المحتاجين يقفون عند مداخل هذه الشوارع يرفع كل منهم سبابته للتعبير عن الرقم واحد، عارضين الركوب مع أي شخص لا تحمل مركبته ثلاثة أشخاص لزيادة عدد الأفراد في مركبته وإنقاذه من دفع غرامة مخالفة القانون مقابل مبلغ قليل من المال.
أما شبكة الطرق هناك فمتطورة رغم اختلاف تضاريس البلد بين سهول وهضاب وجبال، ومما يميزها تخصيص المسار الأيمن من الطرق للباصات فقط، وفصل هذا المسار عن المسارات الأخرى برصيف مما يقلل من الحوادث المرورية ويخفف من الازدحام أيضا.
تلك كانت بعض الخواطر القليلة من إندونيسيا المسلمة، أسأل الله تعالى أن يحفظ أهلها والإسلام فيها، فلا تخفى الخطط التي وضعها الغرب لتنصير هذا البلد المسلم وتغيير هويته وتغليب المسيحيين فيه على المسلمين في خمسين سنة، والتي ناقشها الشيخ يوسف القرضاوي في مذكراته.