نظمت جمعية الصحافيين الكويتية مؤخرًا دورة عن فن كتابة المقال الصحافي، قدمتها البروفيسورة مارثا ستيفنز من جامعة ميزوري الأمريكية. كما نظم النادي الصحافي J.C في الاتحاد الوطني لطلبة الكويت دورة عن ذات الموضوع قدمها الكاتب محمد المليفي من صحيفة السياسة الكويتية، وذلك ضمن أسبوع الدورات التدريبية السنوي للنادي، المقام هذه السنة بالتعاون مع جمعية الصحافيين تحت اسم (فنون إعلامية)، وبرعاية كريمة من مدير عام وكالة الأنباء الكويتية (كونا). لم يفصل بين الدورتين سوى أسبوع من الزمان، ولكن المكان ازدحم والمقاعد امتلأت، وفي التزامن والتزاحم دلالة واضحة على الإقبال الذي تشهده المهن الصحافية في الكويت، وهو ما سينعكس على زيادة تأثير الصحافة على الدولة والمجتمع. قد يقول أحدهم بأن هذه مبالغة فالصحافة مجرد (ناقل) لما يحدث دون مساهمة في صناعة الحدث أو توجيهه بأي شكل من الأشكال. وهذا مردود عليه بأن الصحافة لها القدرة – وقد استخدمتها مرارًا – على صناعة حدث معين وطمس حدث آخر، فالصحافي عندما يثير قضية باحتراف يجذب انتباه النواب والمهتمين لها، يلي ذلك تدخل المسؤولين والمختصين، ويعقبه توجه الرأي العام بأكمله لمتابعة وتقييم هذه القضية، دون غيرها من القضايا التي قد تفوقها أهمية، ولكنها بعيدة عن اهتمام الصحافة بإهمال غير مقصود أو طمس متعمد. إن إدراكنا لقوة تأثير الصحافة، يجعلها ندرك حجم المسؤولية الملقاة على الكتـّاب والمحررين ورؤساء التحرير والناشرين، فالله تبارك وتعالى يقول منبهًا عباده: {ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة، اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار} صدق الله العظيم.
وبجانب مسؤولية الصحافيين المجتمعية، نجد أن القانون حملهم مسؤولية قانونية، عما يسطرونه بأقلامهم أو ينشرونه، عندما يمس كرامة الآخرين، أو يسبب الضرر المعنوي أو المادي لهم، أو يحاول الإساءة لدين الدولة، أو عناصر نظامها العام. لا يفوتني هنا أن أشيد بدور جمعية الصحافيين الكويتية في تخريج وتطوير أصحاب الأقلام، عبر دورات واستضافات وخدمات الجمعية، التي أحسنت اختيار شعارها فكان (حرية ومسؤولية)، في دلالة واضحة على إيمانها بأخلاق المهنة وحمايتها لشرف الصحافة. كما أن النادي الصحافي في اتحاد طلبة جامعة الكويت وعنوانه الالكتروني www.nuksq8.jc.com لا يقل نشاطًا وإيمانًا بأهمية الصحافة، ولذلك جاء شعاره القائل (نصنع إعلام المستقبل) ليدلل على اهتمامه في العناية بالأقلام الشابة، كي تتطور بمشيئة الله وهي تتمتع بالحرية والمسؤولية معًا، وتبني بالاقتراح النافع والنقد الهادف كويت المستقبل. في الختام فإنني أدعو مجددًا لإنشاء (مجلس أعلى للصحافة) يتكون من صحافيين مخضرمين ونقابيين فاعلين وأكاديميين قديرين ومسؤولين مختصين، كي يتولى تنظيم المهنة وضمان عدم خروج الممارسين لها عن أهدافها، ومثل هذا المجلس موجود في الدول المتقدمة بشكل أو بآخر، ويحاول الموازنة بين (الحرية) الصحافية و(المسؤولية) التي يحملها تجاه الشعب والوطن والأمة.
فالقوانين التشريعية والأحكام القضائية والأوامر الإدارية قد تفيد في (علاج) الممارسات الصحافية الخاطئة والمعاقبة عليها، أما عنصر (الوقاية) وروح المهنة فلن يستطيع تعزيزهما سوى مجلس (حكماء) ممن يمارسون الصحافة ويحرصون عليها، والحمد لله أولاً وأخيرا.