أثارت و مازالت تثير جائزة ألفريد نوبل السويدية جدلا واسعا في الأوساط و المحافل العلمية في الغرب كما في العالم العربي والإسلامي حول صدقيتها و المواصفات التي تشترطها الأكاديمية السويدية المانحة للجائزة في الباحث أو الأديب ليستحقّ هذه الجائزة .
وإذا كانت بعض النخب العربية تتهمّ مؤسسة نوبل و أعضاءها بالميل لصالح اليهود فإنّ هذا الإتهام تتبنّاه نخب غربيّة تعتبر الجائزة سياسية في بعدها و تخدم العولمة الأمريكية الإسرائيلية على وجه التحديد وهذا ما جعل بعض المبدعين الغربيين رفضون قبول هذه الجائزة بسبب خروجها عن إطارها الثقافي و بسبب تحولها إلى جائزة سياسية بالدرجة الأولى , و على الرغم من أنّ رئيس لجنة نوبل للسلام أولى دنبولت ميوس يعتبر بأن الجائزة تعتبر أكثر الجوائز قيمة وشهرة في العالم وأنّ حظّ الغربيين منها كبير نظرا للكفاءة العالية التي يتمتعون بها , إلاّ أنّ ذلك لم يمنع أحد الكتّاب الإسرائيليين من القول بأنّ ربع جوائز نوبل في مختلف أفرععها حصل عليها يهود بإمتياز ..و للإشارة فإنّ أول روائية سويدية حصلت على هذه الجائزة في بداية القرن العشرين لدى بداية تنفيذ وصية ألفريد نوبل هي الأديبة سلمى لاغرلوف التي كتبت رواية عن أرض المعاد أو فلسطين وكانت أول إمرأة تحوز على جائزة نوبل للآداب , و توالت الجوائز التي حصل عليها يهود يقيمون في أمريكا وأوروبا ,و منذ 1903 تاريخ حصول لاغرلوف على جائزة نوبل توالى حصول اليهود على هذه الجائزة وصولا إلى
10 – 10 – 2002 عندما أعلنت الأكاديمية السويدية عن فوز الكاتب والروائي المجري اليهودي ايمري كيرتيش بجائزة نوبل للآداب. وقد عللت الأكاديمية السويدية في ذلك الوقت منحها الجائزة لليهودي المجري إيمري كيرتش بأنّه كاتب تحدّى معسكرات الإعتقال النازي كما يملك تجربة مهمة في مواجهة التعسف الهتلري المعادي للسامية . ومن مؤلفات إيمري كيرتش في سياق هذه الرؤية رواية بعنوان المصير والتي نشرت سنة 1975 وفيها يصور كيرتش قصة رجل سجن في معسكر إعتقال نازي , وتمكن من رواية وسرد كافة الأحداث المتعلقة بالهمجيّة النازيّة . وقد ترجمت هذه الرواية إلى اللغة الإنجليزية .
ومن الروايات اليهودية القحّة التي ألفها كيرتش وهي رواية : كادش على روح طفل لم يولد بعد , وعبادرة كادش عبارة عبرية وتعني الصلاة على الموتى . وقد ألف هذه الرواية سنة 1990 .
ومنذ عمله في الصحافة المجرية وهو يؤكّد على مظلومية اليهود و فظاعة المجازر التي تعرضوا لها منذ لجوء أدولف هتلر إلى إعتقالهم بالجملة في معسكرات جماعية وتعريضهم حسب قوله إلى كل أنواع العذاب . وقد ولد كيرتش سنة 1929 في بودابست في المجر , ورغم أنّه لم يبق في المعسكر النازي إلا سنة واحدة بين 1944 – 1945 إلاّ أنّه ألف العديد من الروايات و الكتب حول هذه المرحلة . وهذه المظلومية هي التي دفعت الأكاديمية السويدية إلى الموافقة على إعطائه جائزة نوبل , رغم أنّه كانت هناك العديد من الأسماء المنافسة والتي تملك إرثا أدبيا أكثر من كيرتش اليهودي المجري .
و قد جاء حصول كيرتش اليهودي على هذه الجائزة في وقت كان الكيان الصهيوني يسحق فيه شعبا بكامله في فلسطين وتجاوز بذلك كل الخطوط الحمراء في الإبادة الجماعية رغم إعتراضات العواصم الغربية نفسها .
ومنح الجائزة لكيرتش سياسية بالتأكيد فكما قال بعض النقاد الغربيين في ستوكهولم أنّ الهدف من ذلك هو إعادة إحياء مايسمي بالهلوكست .
و للإشارة فإنّ توزيع جائزة نوبل بدأ في عام 1900 ميلادية وذلك تنفيذا لوصية ألفريد نوبل نخترع الديناميت السويدي الذي أضرّ مخترعه بالبشرية و أحبّ أن يكفرّ عن ذنبه بتحويل ثروته التي كانت تقدّر في ذلك الوقت ب34 مليون كرونة سويدية إلى وقف و إستثمار في البنوك يعود ربحه إلى المخترعين الذين قدموا خدمات للإنسانية , و عندما كتب نوبل وصيته كانت السويد و النرويج دولة واحدة و بعد إنفصالهما حافظت النرويج على ما سميّ بجائزة نوبل للسلام كرمز تاريخي على الوحدة السالفة بين الدولتين الشماليتين , و قد إستثمرت اللجنة المشرفة على أموال نوبل حتى أصبحت تقدّر بثلاثة ملايير درونة في العام 2005 .
و الجهة المخولّة منح جائزة نوبل هي الأكاديمية السويدية التي تضم أزيد من خمس عشرة عضوا كلهم من السويديين وبعضهم من أصول يهودية و هو الأمر الذي جعل أحد الأعضاء ينسحب منها متهما الأكاديمية بالإنحياز لجهات معينة , خصوصا و أنّ أكثر من ثليّ الحائزين على جائزة نوبل هم من اليهود والأمريكان وألأوربيين و نصيب المبدعين من العالم العربي و الإسلامي والثالث محدودة للغاية رغم أنّ المرشحين العرب موجودون كل سنة في قائمة المرشحين من أمثال محمود درويش وآسيا جبار وأدونيس و غيرهم من باكستان والهند .
و الأكثر من ذلك فإنّ الأكاديمية السويدية تنطلق من مبدأ العليّة الغربية و المركزية الأوروبية التي تعتبر أنّ الغرب هو أساس التفوق كما كان يقول نيشة و مونتسكيو الذي كان يقول أنّ الذكاء موجود في الشمال أي الغرب و الجهل موجود في الجنوب أي في العالم الإسلامي والعالم الثالث و هذا ما يعبرّ عنه مدير الأكاديمية بقوله ويشير أنّ المجتمع الغربي يمتلك جامعات جيدة ومؤهلة ومهيأة بقدرة عالية في المناهج والتقنية ، في حين تفتقر مجتمعات أخرى تلك الخاصية وخصوصاً مجال العلوم مثل الطب والدواء والفيزياء . وقد تناسى هذا المدير المسؤول عن منح جائزة نوبل أن آلاف الكفاءات العربية و الأدمغة الإسلامية المفكرة هي وراء ضخّ الحياة في النهضة الأوروبية و في مختلف المجالات , فمن السخف أن تمنح جائزة نوبل في الطب لباحث في الخلايا ولا تمنح للدكتور مجدي يعقوب الذي أثبت قدرة فائقة في زرع قلوب بشرية ويشهد له القاصي والداني في الغرب بالعبقرية في هذا المجال .