:: المشهد #1 :شهرزاد تتأهب!::
تنتعلُ حذائها الفيروزّي المُزين بزهورِ البيلسان الغضة , تناظرُ مرآتها الكريستالية لتُلقي نظرةً خاطفة على هيئتها بالكامل قبل مغادرة مقصورتها. ضفائرها الخمرية اللون ملفوفة بشرائط حريرية, تختالُ بغنجٍ على ظهرِها الشامخ..وجنتيها مُبتلةٌ بروح المسك, وثغرِها مغموسٌ برحيق التوت ,عيناها تلتمعُ فيها تراتيل الجمال, وعنقها يتزينُ بقلادةٍ ماسيّه منقوشٌ عليها بخطوطٍ أندلسيه آيه الكُرسّي. تُشعل عيدان بخور خشب الصندل لتتدثر بدخانه العاطر,وتضع شيئاً من دهن العود المُعتق الذي جلبته من بلاد السند, لتظهر بأبهى حله, فاليوم ستفتتح صالونها الثقافي النّسوي, الذي تجتمع فيه مع قوارير الأمة, اللواتي يمتزن بالسمت الإسلامي,والبلاغة والفصاحة وسحر البيان. أنشأت هذا الصالون لتدارس صفحات التاريخ وجهابذته..لزيارة ينابيع الأدب وإستعذابها, لإستقراء خطوط الفن والجمال.إيماناً منها بضرورة نثر بذار ثقافتها الإسلامية الوسيعة بين مثيلاتها, للرفعِ من شأنهن وتهيئتهن للقيام بأدوارهن الحضارية كما هو مرسوم في الدستور الإلهي, والهدي النبوي.
تناولت وريقاتها الزهرية التي زخرفتها بأطروحة الجلسة الأولى التي أعدتها لـ قوارير الصالون الثقافي.
:: المشهد #2: شهرزاد تقصُ الشريط! ::
قدِمتْ الى صالة الصالون الثقافي التي أُعدت وفقاً للطراز الأندلسي الإسلامي, مُنتشيةً بجذلِ تحقيق الحلم الذي لطالما دغدغ خيالها وهي مازالت في بواكيرِ أنونثتها الصاخبة التي أشعلتها أدباً وفكراً, فصاحةً وبلاغة, معرفةً وثقافة. إقتربت من الريحانات اللواتي ينتظرن قدومها,مبتدرةً اللقاء بهن قائلةً بلغة الشعر:
أتيتُ أقرأ أمجادي, أُعبِّر عن نفسي, ولي في بلوغِ القصدِ آمال
أتيتُ أحمل مأساتي على كتفي, وفي يدي قلمٌ بالحبِّ سيالُ
ومن ثم أدارت ندائها الشعري إلى قدوتها التاريخية, التي تحتل الصدارة في حياتها, عائشة رضي الله عنها قائلةً :
أماهُ أماهُ, لو أبصرتِ من نفخوا أبواقهم,في خداعِ الناسِ واحتالوا
ولو رأيتِ نساء المسلمين وقد بدا لهنّ على الأوهامِ إقبالُ
إذنْ, لعانيتِ يا أماهُ من ألمٍ وكان للدمعِ في عيناكِ شلالُ
أماهُ, قولي لمن باعت كرامتها, وصدها عن دروبِ الخير طبالُ
قولي لمن جعلت أزياءها هدفاً ومن دعاها الى التحريرِ دجالُ
أهكذا تركبين الموج حائرةً ويستبحيك بالأهوالِ أنذالُ
تنسين أنكِ للأجيال مدرسةً وكم تعزُّ بعز الأم أجيالُ
أيا حليلةَ خير الناس أمُتنا لها جواد من الإعلامِ صهالُ
لها سيوف من الأبواقِ قاطعةً لها دروعٌوأبوابٌ وأقفال
لها شعوبٌ تسرُّ العين كثرتها في كل قطر من السكان أرتالُ
لها رجالٌ لهم في القول ألسنةٌ مِهذارةٌ, ولهم في البنكِ أموالُ
أماهُ قولي لنا, ماذا نُقدم في عصرٍ أحاط به ضعفٌٌ وإخلالُ
تاهت مراكبنا والموجُ ملتطمُ وفي الشواطىء-يا أماه-أدغالُ
هنا رأيتُ خيوط النور, أسعدني نسيجُها ولثوبِ الفجر إسبالُ
تحدَّث الفجر, أنهار الضياء جرت, وللشعاع حكاياتٌٌٌ وأمثالُ
أرخت أهدابها المُشعة, بعد تلك المقطوعة الشعرية النابضة بالشجن, قائلةً لهم :
يكفينا لعناً للظلام الدامس الذي يُغلف أمتنا الجريحة,
علينا بإشعال شمعة التغيير للأفضل من هنا.
:: المشهد #3: شهرزاد تروي التاريخ الإسلامي من جديد! ::
تصدرت الجلسة النسوية, بثقتها المعهودة, وأرسلت إليهن إبتسامةً بهيجة, وابتدرت حديثها معرفةً
ببطلة الجلسة الثقافية, قائلةً :
جاء بهيئتها الوحي وهي ملفوفة بخرقة خضراء إلى سيد البشرية محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قائلاً له : هذه إمرأتك في الدنيا والآخرة .. كان يُلاعبها الرسول الكريم ويداعبها فأينعت في حجره وهي إبنه السابعة .. وقد بنى بها في بيت الزوجية وهي على مشارف التاسعة .. واسعة العينين ..بيضاء البشرة تكتسي وجنتيتها الحُمرة .. كانت تختال ببكارتها .. ونزول الوحي على زوجها وهي في لحافه ..ومشاركته إياها في الغُسل من إناءٍ واحد وهو يُداعبها ويلاعبها ويُضاحكها .. لها من البلاغة والبيان والفصاحة باللسان ما لم تبلغه النساء جمعاء .. فقد كانت شاعرةً, أديبةً, عالمةً, طبيبة .. أفقه نساء الأمة .. يَرجع إليها كبار القوم في مسائل الفقه الشائكة .. فيبرق ذكائها في حل طلاسمها .امتازت بالغنج والدلال والمرح والجمال, فأورق حبها في قلب زوجها وحلت فيه محلاً عظيماً.
إنها إبنه أحب خلق الله للرسول –صلى الله عليه وسلم- أبي بكر الصديق رضي الله عنه –
التي قال عنها إبن عبدالبر :: كانت وحيدة عصرها في ثلاثة علوم, علم الفقه, وعلم الطب وعلم الشعر ::
والتي لُقبت بصاحبة الحرير الأخضر- عائشة رضي الله عنها, سيرتُها تُبهج الروح وتُسلي الفؤاد, دوماً أُطالعها وأترنم بعذوبة جمالها.
لذا سنرتشف معاً بدايةً من النهر العائشي الذي أورقَ أيّما إيراقِ في بيت النبوة, ونتداس سيرة حياتهما البهيجة,
التي تضفي الأنس الرفيع, والمتعة الأخاذة , حتى نسير على نهجها في أعشاشنا الزوجية .
:: طفولة عائش::
لإسم عائش حكاية , لن أسردها لكنّ الآن, سأحتفظُ بها بعد أن نشقَ طريقاً في سيرتها .
كانت عائش-رضي الله عنها- تتمتع مذ بزوغِ فجرها, بالحنكة والذكاء والفطنة, فيحكى أنها كانت تلعب بالبنات -(( كنايةً عن ألعاب العرائس التي تسلى بها الصغيرات عادةً))-, إذ جاءها الرسول صلى الله عليه وسلم, ورأى بين البنات فرساً له جناحان من يمينٍ وشمال, فسألها: ماهذا يا عائشة؟ فقالت: فرس, فقال: وهل يكونُ للفرسِ جناحان؟ فردت عليه مرتجلةً : أما كانت لخيل سليمان عليه السلام أجنحة؟, فضحك الرسول-صلى الله عليه وسلم- على هذا الرد الإرتجالي المُقنع, من طفلة صغيرة, مما يدل على سعة إطلاعها, وذكائها المتوقد, وفطنتها المبهرة.
وقد أينعت تلك الريحانه أمام ناظري النبي-عليه أفضل الصلاة والسلام-, فقد كان يتفقد أحوالها دوماً في حداثة سنها, فيُذكر أنه دخل أحد المرات الى دار أبي بكر, فوجدها تبكي, وقد عرف أن سبب بكائها هو اشتداد أمها عليها, فقَبِلَ على أُم رومان-والدتها- معاتباً لائماً قائلاً لها : (( يا أُم رومان, ألم أوصكِ بعائشة, أن تحفظيني منها..؟))
فتقول أم رومان معللةُ ما كان منها لإبنتها: يا رسول الله, إنها بلَّغت عني الصديق, وأغضبته علينا.
فيقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: ((وإن فعلت))
فتقول أم رومان: لا جرمَ, ولا سُؤتها أبداً..
هكذا كان الحبيب-عليه أفضل الصلاة والسلام- يعتني بتلك الدرة النفيسة, ويشفع لها, لذا لا غرو أن تُرسل إليه وهي ملفوفةٌ بخرقةٍ خضراء طيلة ثلاثِ ليالٍ ؟
هنا ..تسمرنّ النسوة, أمام ما ذكرته – شهرزاد- أخيراً, فقالت لهنّ, بعيننين تملأهما شقاوة الصغار:
على رسلكنّ, تريثين..في الغد سأروى لكن تتمه الحكاية, مع سرد وقائع العرس العائشي.
وقبل الوداع, أختتم بتلك الأبيات الشعرية, قائلةً :
أماهُ أماهُ, دمع العين سيالُ وخاطري في دروب الحزنِ رحالُ
أماهُ أماهُ ما زالت تؤرقني همومُ عصري ففي الأعماقِ زلزالُ
قصائدي لم تزلْ تجري على نسقٍ من الوفاءِ لأسلافي وما نالوا
وفاءَ من في حنايا قلبه أملٌٌ عذبٌٌ وفي نفسه للحقَّ إجلالُ
بيني وبينكِ أكمامٌٌٌ وأوديةٌٌ من الدهورِ, وآثارٌٌ وأطلالُ
وبيننا جسرُ إيمانٍ عبرتُ به وفي الطريقِ مفازاتٌٌٌ وأهوالُ
ألقاكم بكل حبٍ, من جديد مع الجزء#2 و مشاهد من خلف مشربيات الحرملك .
همســــة أخيرة :
الحرملك: هو المكان المخصص للنساء في قصور السلاطين الذين أداروا الحضارة العثمانية في تركيا حين توهج الدولة الإسلامية, وقد أعدت تلك المقصورات للسيدات حتى يتجمعن ويتسامرن ويتابعن الشؤون السياسية للدولة والإحتفالات الإجتماعية, عبر المشربيات التي تفصلهن عن الرجال, لذا استعرت في حكايتي الأدبية التاريخية ذلك المكان الذي يحمل ذكرى تاريخية بهيجة لصالون نسوي ثقافي رفيع المستوى