"الدنيا... ماتسوى " كثيرا ما تستوقفني هذا العبارة فأتسائل هل هي عبارة تقال عند المصائب و للتخفيف عن أهل البلاء أم هي حقيقة و واقع ؟ هل الدنيا بكل ما فيها من علم و معرفة و مباهج و نعم لا تسوى لذلك لا بد أن لا نتأسى على ما فاتنا و لا نفرح بما أنعم الله علينا ؟ و هل هي عبارة تقال لكي لا نفقد الأمل و لكي لا نتحسر على الخسران ؟ أم هو شعور يجب أن يلازمنا ما حيينا لذا لا يجب أن نستهلك كل طاقتنا و شعورنا عليها ؟ و لماذا نقتصر هذه العبارة على لحظات العجز و الضعف و الخسارة ولا نذكرها في لحظات الفرح و الإنتصار ؟
أسئلة كثيرة تدور في خلدي بسبب هذه العبارة التي أعتقد لها مدلول ثقافي أكثر من مجرد عبارة تقال و السلام... فلو أخذنا هذه العبارة على شاكلتها لتكاسل كل عامل عن عملة و لنتشر التسيب و الكسل الوظيفي و لتوقف إجتهاد كل طالب في مدرستة و لما سعى إنسان لتطور الأوطان و أعتقد أن مجتمعاتنا تعاني خللا ثقافيا و فكريا في فهم الدنيا لذلك نجد مجتمعاتنا تكاسلت عن عمران الحياة و تفننت في إظهار متع الدنيا.
و هناك فرق بين مفهوم الدنيا و مفهوم الحياة ... فصحيح الدنيا بدنوها ومادياتها لا تسوى و أقصد هنا بالدنيا الجسد و المتاع و كل مالة مادة و حجم ... و الحياة هي الروح و العقل و النفس و العمل و الفكر.
لذلك فمن أحيا نفس فكأنما أحيى الناس جميعا ... فمثلا عندما أقرأ عن سعي الإمام أحمد بن حمبل و تنقله بين أقصى البلاد و تغربة و معاناتة لجمع الحديث أستشعر بعظم الحياة ... و لكن عندما أرى عدل الله في إبادة الطغاة مثل هتلر و صدام حسين هؤلاء من تمتعو و تفننوا و تغلبوا في المتع أستشعر بصغر الدنيا.
فنحن أبناء حضارة توفى نبيها و قائدها – عليه الصلاه و السلام – و لم يترك لنا معلم دنيوي مادي ضخم واحد و لكن ترك لنا منهج حياة فيه من جوانب الإعجاز و التدبر ما يحيي الحياة بكل أبعادها.
و في حادثة حقيقية قام استاذ امريكي بجمع تلامذتة بعد عشرين سنة من التخرج و في حديثة مع طلبتة القدامى اكتشف أنهم كثيرين الشكوى رغم مراكزهم المادية و الإجتماعية ففكر في فكرة وهي أن قدم لهم قهوة في أكواب أشكالها جميلة إلا عدد من الأكواب التي كانت قبيحة الصنع فانكب جميع الطلاب على الأكواب الجميلة فقال لهم هذه الحياة جميعنا لتسارع على الدنيا المتمثلة في الأكواب الجميلة و لكن ننسى القهوة التي هي روح الحياة و متعتها.
في النهاية الدنيا ما تسوى لأنها تمثل إتصالنا لكل ما هو زائل و منقطع و الحياة تسوى لأنها حصادنا لآخرتنا و ما أسهل الموت في سبيل الله و لكن ما أصعب الحياة في سبيل الله.
_________
ما تسوى: باللهجة الكويتية تعنى أنها غير ذات قيمة.