رغم ولائي و انتمائي المطلق للعمل الإسلامي سواء كان الاجتماعي منه أو السياسي وكافة أنواعه إلا إني أؤمن بالنقد الذاتي و هو أن تقوم الجماعة بنقد أساليب و طرق عملها و كذلك نقد أفكارها و توجهاتها بغاية مراجعة الذات و تصحيح الخلل و تطوير الأداء و كذلك بهدف المصارحة و المكاشفة ... و النقد الذاتي من أرقى أساليب الجماعة في تقويم بنيتها التحتية و تطوير قدرات عامليها و لكنه يجب أن يكون بعيد عن التجريح و التسفيه فهو مقارعة الكلمة بالحجة و المنطق بالمعلومة وليس به مساس شخصي أو ذاتي لقادة الجماعة إنما هو الأدب الكامل والأخلاق الرفيعة في بيان مكامن الخلل ... لذا أرسل من الكلمات ما فيها من الوفاء و الولاء أكثر من النقد و العتب, لعلها تكون نصيحة أخوية حملتها لمن شاركني درب العمل الإسلامي.
أولا: العمل الإسلامي عالمي بعالمية رسالته فهو أرقى من الحزب وأرفع من الجماعة و كذلك أنقى من الأفراد وهو موجه للأفراد و العامة أكثر من توجه نحو العاملين و المؤيدين لذا فهو عمل مفتوح منظم أكثر منه مغلق ومركزي ومن ينتمي له عليه أن يخلع روح التعصب و يتزين بعقلية المتفتح المتفاعل.
ثانيا : الانتماء لجماعة إسلامية ليس مبرة خيرية أو جمعية لحفظ القرآن و الحديث و كذلك ليست جماعة للتسامر وتمضية الوقت سدا بكثرة الطلعات و الاجتماعات و الأنشطة , الانتماء لجماعة أخطر و أعمق بكثير ...
فهو إيمان كل فرد بالجماعة سواء صغر أو كبر للدور الذي يقوم به و هو الدراية الكاملة بأهداف جماعته و كذلك هو شعور الفرد بأنة جزء من خطة منظمة و واضحة و أذكر حادثة طريفة عندما كان رئيس الولايات المتحدة السادس والثلاثين ليندون جونسون في زيارة إلى ناسا رأى عاملة نظافة تنظف الأرض فسألها عن عملها و كان جوابها بكل ثقة و دراية بأنها تعمل على وصول أمريكا للقمر , هذه العاملة على بساطة عملها ترى أنها جزء من خطة محكمة و أن الدور الذي تقوم به هو سلسلة متكاملة من الأدوار تصل بالنهاية لهدف واحد ... أعتقد أن أصعب خلل يواجه الجماعة من الداخل هو عدم شعور الفرد أنه جزء من برنامج عمل منظم إنما هو جزء من عمل يسير على البركة و باجتهاد من اجتهد.
ثالثا: "الفرد الديناميكي أقوة من الفرد الميكانيكي الآلي" استوحيت هذه الفكرة من مقال للدكتور د. عبد الله النفيسي ... الجماعة لا تحتاج للأفراد الآليين فهي ليست وظيفة مكتبية حكومية إنما وظيفة حيوية و بها إتصال كامل مع حركة الحياة ... فكثرة الأفراد الميكانيكيين بالجماعة يورثها سوء القرار و كوارث إدارية صعبة الحل, الجماعة تحتاج لمن يملك فقه الواقع و اليقظ المترقب و الناقد و المفكر و الحركي المشارك أكثر من حاجتها للأفراد الهلاميين الذي يشكل حضورهم سواد لملء الكراسي و حشد الحشود لا أكثر.
رابعا: أخطر ما يواجه الجماعة في خطابها للعامة هو روح "درء المفاسد" هذه الروح تقتل جمال و فتنة العمل الإسلامي و كذلك تحبط وتعجز العامة عن فهم مقاصد العمل الإسلامي, فشعور الجماعة بالخوف من كل جديد والرهبة عند توجيه النقد لها يفقدها مصداقيتها ... فعلى العاملين بالعمل الإسلامي العمل بروح القرب من الآخر و روح الإنجاز الذي هو السلاح الذي تتحدى به الخصم إن وجد و تكسب مؤيدين خفيين و لكن مناصرين أقوياء . روح العمل أرفع و أقوى من روح الدرء و الردع ... كلاهما مطلوب و لكن روح العمل تكسب مالا يكسبه الردع وتجذب و تصلح ما لا يقدر عليه الدرء .
العمل الإسلامي يتطلب الكثير و الكثير من الخبرات و الخطط و العمل و الأفراد و لكنه يحتاج أكثر إلى أفراد بنفوس ديمقراطية أي نفوس تتقبل و تستقبل و ترحب و كذلك تتبنى, فالأحزاب و الجماعات كثر و لكن يبقى للعمل الإسلامي نكهته و مذاقه الخاص الذي يجعله متميز بأهدافه و أبنائه الذين حملوا الدين في كفة و الدنيا في كفة و أقاموا الاتزان و العدل.