لعل أكثر ما يتميز به الإنسان العربي وتظهر فيه شطارته بلا منافسة ولا منازع هو الفهم السريع والربط العجيب بين لفظتي مسلسل ورمضان، فإذا ما سألنا أحدهم عن اللفظة التي يفضلها لترتبط بمسلسل لقال على الفور: رمضان، وإن قلت: رمضان، قال: مسلسل، عفوًا مسلسلات، وهذا بالطبع بكل جرأة وشهامة  كعادة العربي في زماننا الحالي.

    إلا أن المسكين لا يعرف الرابط العجيب بين اللفظتين، أعني الحلقات التي تربط بينهما، ولعله إن عرفها أعاد التفكير بالأمر، وأما الرابط فأحسبه كالتالي: (مسلسل يساوي مسخ وتضييع الوقت، مسخ وتضيع الوقت يساوي التلهية عن العبادة، التلهية عن العبادة تساوي فرصة ضائعة، فرصة ضائعة تساوي رمضان ، فإذا بالناتج: شهر رمضان لم يعد له قيمة!!).
       هنا يظهر الأمر جليًّا أن المسلم ما عاد كيّسًا فطنًا، بل هو في الحقيقة لا يختلف عن أي كيس قطن هش، تهزه الكلمات وتبعثره المسلسلات!
       يتلقى المُشاهد هذه المسلسلات بلا بصيرة، ويتابعها كأي إنسان بليدٍ، ليس له إلا أن يأخذ ما يملى عليه غثه وسمينه، دون إعمال للعقل، ودون النظر إلى الأمور من حيث الإيجاب والسلب.
       تتهافت تلك المسلسلات على قلوب العباد في شهر يُطلب فيه من البشر التعبد لله واغتنام الساعة والدقيقة بل والثانية، لكن اليوم أصبح على العكس من ذلك، فإيجاد المسلسل الأفضل هو الذي يحيي السهرات، ويملأ الفراغات!

       فالمسلسلات أصبحت طاغوتاً من طواغيت العصر، تصرف العباد عن ربهم وعن تعاليم دينهم.
       وكثير من القنوات الفضائية تعمل باستراتيجيةٍ منظمةٍ ومدروسةٍ، لتشويهِ قدسيةِ شهر رمضان، فتمحو من الذاكرة البطولات والإنجازات الإسلامية التي حدثت في شهر رمضان، وتصرف البشر عن معاني العبادة وقيمها، وتنشر الأفكار الدخيلة والأخلاق الوضيعة التي لا تمت للإسلام بصلة، يلتقاها المشاهد البليد بصدر رحب، فتوجّه ثقافته وتشكّل نفسيته وتشحن عاطفته، وهل بقي في الإنسان غير هذه الأشياء الثلاث؟
      فالمسلسلات التي تزداد عددًا ووقاحةً في رمضان، ليست إلا غزوًا فكريًّا وعولمةً ثقافيّةً وخطةً صهيونيةً معدّة ومدبّرة لتدمير الإسلام ووأده في مهده، لتحقيق ما عجز عنه الأعداء في عقود طويلة.
       وهناك مسلسلات يدّعي المغرضون بأنها دينية، تتحدث عن التاريخ الإسلامي والشخصيات الإسلامية المشهورة، فهذه المسلسلات إما أن تصطبغ بالصبغة القومية التي تعرض أحداثًا وتنسبها إلى العرب والعروبة، منحية الإسلام عنها جانبًا كل التنحية! وإما أن تعرض تلك المسلسلات الأحداث الكبيرة المهمة وكأنها حدث عابر، وتسلط الأضواء على علاقة حب تافهة، أو تبادل كره وحقد بين شخصيتين عظيمتين في تاريخنا. لتكون تلك العلاقة (الحب أو الكره) محور المسلسل وموضوعه، وهذا تدليس كبير وكذب على شخصياتنا الإسلامية العظيمة التي ما عُرفت إلا بالتقوى والإيمان والشرف والورع، ولولا ذلك لما وُجدت في قواميسنا، ولما فتح الله على أيديها ما فتح ولما حقق ما حقق.
       فالقنوات الفضائية إذ تعمل بتلك الإستراتيجية في الصد عن سبيل الله كان لا بد في المقابل من صدها أفرادًا وجماعات، ولا بد من إعادة تثقيف المشاهدين بما تأتّى من وسائل، وأقل ذلك هو زرع الخشية من الله في القلوب لتردع عن مشاهدة مسلسلات لا تنشر إلا الرذيلة والفحش والبذاءة والدناءة قولاً وفعلاً.
       ثم العمل على نشر الأخلاق الكريمة والشرف والنخوة والشهامة والرجولة، فالمسلمون اليوم في جاهلية أعظم من الجاهلية الأولى التي لم يكن فيها دين قويم ولا خلق كريم.
       ويبقى السؤال المر: متى يكحّل ذاك المسلم الذي ترك المسلسلات ابتغاء وجه الله، متى يكحل عينيه بمشاهدة مسلسل من إنتاج إسلامي نقي لا تشوبه أيدٍ خارجية، يجمع في مشاهدته رضى الله مع المتعة والفائدة؟ إلى متى نبقى ننهي العباد عن مشاهدة المسلسلات دون أن نقدم لهم البديل ؟ مسؤولية ذلك هي في رقبة كل إسلامي لم يعطِ الفن حقّه واستهان به، وهي في رقبة كل من يستطيع أن ينتج مثل ذاك ولكنه لم ينتج، وليبقَ الإسلاميون على ما هم عليه، من وسائل غير مجدية، وخطابات واهية، يجابهون المسلسل بمحاضرة دينية، والفيلم بندوة دينية، لننظر مع المنتظرين.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية