فلم تكن رحلتي من الضلال إلى الهداية أو من الكفر إلى الإيمان بل كانت من اعتبار الدين أذكار صباح ومساء و عبادات إلى منهج تنموي للحياة, إنها لحظة فيها من أبعاد وتناقض البشرية وفيها من الاختلاف وأيضا الصعوبة ... فهي متناقضة لتداخل المشاعر ومختلفة لأنها جديدة وهي صعبة لأنها قوية و عميقة, و أعتقد لم يذق الحياة من لم يكتشفها بعد و أعتقد أن الحياة أعمق من حرام وحلال ومن مقبول ومفروض ولو يكف الناس عن السؤال عن ما هو الحرام و الحلال ويتوقف انشغالهم عن طرق العبادة إلى السؤال عن جوهر العبادة فالأداء سهل ولكن الإتقان صعب.
اكتشاف الحق يتطلب جرأة في السؤال و رغبا ملحة في المعرفة وإلى إصرار وصبر فهي ليست لحظة ينبعث فيها شعاع الحق أو موقف يهز المشاعر كما يصور لنا الكثيرين إنما هي رحلة طويلة وهي رحلة القلب والعقل والجسد وما إن تهدأ النفس وتكتشف ذاتها وعالمها ودينها فإنها حققت الانسجام بين القلب والعقل والجسد وعندما يتحقق الانسجام يتحقق المقصود من الخلق.
أكبر مصائب البشرية عدم وجود هذا الانسجام بين قوة المشاعر وحدة العقل وثورة و متطلبات الجسد, فلو افترضنا وجود مشاعر بدون تهذيب أو عقل بدون إرشاد و توجيه و جسد هائج بدون ضوابط و تحكم فما سيكون للبشرية حينها إلا همجية و مشاكل نفسية و إلحاد وتساؤلات فكرية و هذا كله ما تعانيه البشرية اليوم و هذا أصل الحروب و الكوارث البشرية, اكتشاف الحياة يعيد بناء الإنسان فيكون أكثر سماحة وتقبل للآخر و أقل حرص على ماديات الدنيا و أبسط و أسهل في التعامل ولذلك كانوا أكثر الناس فاعلية وعظماء البشرية هم من ملكوا قلوب الناس بأفعالهم و بساطتهم.
أؤمن بأن ديني أعطاني ما لا يملك أحد على إعطائي و أؤمن كذلك بأن من لم يكتشف الحياة و يذوق الحق فلن يستشعر عظمة الإسلام .
لفتة : كتاب يساعد على اكتشاف الحياة "الحضارة الإسلامية: أسسها ومبادئها" لـ أبو الأعلى المودودي.