في أكتوبر من كل سنة تعلن هيئة نوبل عن أسماء الشخصيات التي اختيرت لنيل الجائزة العالمية الكبرى التي تغري العلماء ليس بقيمتها المادية المرتفعة فحسب وإنما بقيمتها المعنوية التي لا تضاهي، وقد اكتسبت جائزة نوبل مكانةً في الأوساط العلمية والسياسية والأدبية لا تنافسها فيها أي جائزة أخرى.


   ولئن كان للجائزة العالمية هذا المركز المرموق فإن كثيراً من المسلمين  

يحتقرون شأنها ويسحبون عليها حكمهم الشمولي القاطع المطلق على مؤسسات الغرب (الكافر، المعتدي، المتآمر علينا) فيجمعون بذلك بين الجهل بالواقع وعدم الإنصاف، فما هي الجائزة؟ وما تاريخها؟ ولمن تمنح؟ وكيف ينبغي أن ننظر إليها؟

نبذة تاريخية

   تنسب الجائزة الشهيرة إلى ألفرد نوبل وهو عالم كيميائي سويدي متخصص في المتفجرات، ولد سنة 1833 وتوفي سنة 1896، أوصى بتركته الضخمة لتكريم الأشخاص الذين يقدمون كل سنة خدمات معتبرة للإنسانية ، وكان إلى جانب تخصصه العلمي محبّاً للأدب والشعر والمسرح واللغات العالمية، وبعد وفاته تأسست هيئة نوبل وقررت منح جوائز سنوية في عدة مجالات، وأنشئت لهذا الغرض أربع مؤسسات هي: الأكاديمية الملكية للعلوم (تمنح جوائز الفيزياء والكيمياء)، معهد كالورين للطب والجراحة (جائزة الطب)، الأكاديمية السويدية (جائزة الأدب)، لجنة نوبل البرلمانية (جائزة السلام). وقد أوجدت في البداية أربعة معاهد تتولى تقديم النصيحة والمشورة للمؤسسات المذكورة ثم تطورت وصارت مراكز أبحاث مهمة في مختلف العلوم التجريبية والإنسانية تملك مكتبات ثرية للغاية.

   وشرع في منح جائزة نوبل مع بداية القرن العشرين واستمر تسليمها للفائزين بها يوم 10 ديسمبر من كل سنة تخليدا  لذكرى وفاة الفرد نوبل.

كيف ولمن تمنح الجائزة؟

   توجد خمس لجان تعين المؤسسات السالفة الذكر أعضاءها (من ثلاثة إلى خمسة بالإضافة إلى عدد من الاختصاصيين) يتمثل عملها في كتابة تقارير وتقديم مقترحات للهيئات المعنية بمنح الجائزة في مختلف الميادين، والملاحظ أن عمل هذه المؤسسات واللجان محاط بالسرية التامة غير أن ذلك لا يمنع الأوساط المهتمة في مختلف البلدان من اقتراح أسماء تمنح لها الجائزة (وخاصة جائزة نوبل للسلام) دون أن يكون ذلك ملزما للعاصمة السويدية.

   وبما أن مؤسس الجائزة أرادها أن تواصل بين الثقافات وتقارب بين الشعوب فإن منحها يجتاز الحدود الجغرافية والسياسية واللغوية ويتم تكريم المستحق بغض النظر عن جنسه أو جنسيته أو لغته أو انتمائه العرقي أو الإيديولوجي (هذا من ناحية المبدأ) ولا بد من التنبيه إلى أنّ الجائزة لا تمنح للعلماء والكتاب ذوي الصيت الذائع فحسب وإنما تهتم كذلك بتسليط الضوء على مبدع أو مؤلف له إنتاج رفيع وهو غير معروف لدى الجمهور بالدرجة المطلوبة.

واقع..وأمثلة

   إذا كان مبدأ منح الجائزة هو ما ذكرنا فالواقع أن جوائز نوبل في مختلف المجالات يحصدها سنويا الأمريكيون بالدرجة الأولى ويليهم الأوروبيون (من بريطانيا وألمانيا وفرنسا بصفة خاصة)، ولعل ذلك يعود إلى كثافة البحث العلمي والأهمية القصوى التي يحظى بها في هذه البلدان مما جعل علماءها يحققون نتائج واكتشافات وابتكارات رائدة، ومثل هذا الجو العلمي غير متوفر في العالم الثالث ولا في أمريكا الجنوبية مثلاً، لكن إذا صح هذا التفسير في ميدان العلوم التجريبية فإن منح جائزتي نوبل للآداب وللسلام يطرح تساؤلات مشروعة ويثير بعض الشبهات حول براءة الانتقاء خاصة في السنوات الماضية، فإذا كانت الشعوب الضعيفة لا تضاهي الدول المتقدمة في البحث العلمي فإنها لا تخلو من المبدعين في الأدب من شعراء وروائيين لا تنحط منزلتهم عن منزلة زملائهم في الغرب ومع ذلك قلّما يختار واحد منهم للجائزة المرموقة، وحتى إذا اعترفنا بأنها تمنح من حين لآخر لأدباء من العالم الثالث إلا أن عددهم ضئيل بالمقارنة مع أدباء الغرب، وهذا يدل على تحيز لا نجد له تفسيرا إلا في تمسك المؤسسة السويدية بالمرجعية الغربية التي تكاد تحصر صفة العالمية في أوروبا وأمريكا الشمالية وتنظر بشيء من الازدراء إلى أبناء الدول الضعيفة ولو كانوا مفكرين أو باحثين.

   أما جائزة نوبل للسلام فقد أصبحت تخضع منذ مدة لاعتبارات سياسية منسجمة مع الهيمنة الغربية (والأمريكية خاصة) على العالم فلا تكاد تمنح إلا في خط يخدم هذه الهيمنة ولا ينالها إلا من يؤمن بالتصور الغربي للسلام وقدم خدمات في هذا المنظور ولو على حساب مبادئ وشعوب وحقائق، وقد بلغ التحيز والوقاحة أوجهما حين منحت الجائزة لهنري كيسنجر بدعوى أنه توصل إلى وضع حد لحرب الفيتنام رغم أنه قد أمر بأقوى وأبشع الغارات الجوية على الأهالي هناك في أثناء مفاوضات السلام التي كان يجريها باسم أمريكا مع الطرف الفيتنامي، ومنحت مرة أخرى للسادات لأنه تخلى عن القضية العربية الإسلامية تقاسمها مع ميناحيم بيغين وهو إرهابي مشهور تلطخت يداه بدماء الفلسطينيين منذ شبابه وحتى أصبح زعيماً لدولة إسرائيل ! ومنحت مرة ثالثة للنقابي البولوني ليش فاليزا نكاية في المعسكر الشيوعي، وكانت مرة رابعة من نصيب الراهبة المسيحية تريزا التي أفنت حياتها في تنصير المسلمين في الهند وغيرها تحت غطاء العمل الإنساني.

المسلمون وجائزة نوبل

   كم كان الدكتور طه حسين يأمل أن يفوز بجائزة نوبل للأدب لكنه مات دون أن يتحقق أمله رغم تدعيم الأوساط الاستشراقية لترشيحه باعتباره عميد الأدب العربي(وخادما وفيا للإستشراق والتغريب ) وانتظر المسلمون أواخر السبعينات ليتشرفوا بالجائزة العالمية، فمنحت جائزة السلام لأنور السادات وجائزة الفيزياء للباحث الباكستاني محمد عبد السلام (وأشيع في بعض الصحف الإسلامية آنذاك أنه قادياني ولم نتمكن من التحقق من ذلك)، وجائزة الأدب أخيراً لنجيب محفوظ، ونلاحظ في الحالتين الأولى والثالثة أن التكريم يكون من نصيب من يخدم المخططات والأطروحات الغربية، فالرئيس المصري أول من كسر الحاجز النفسي بين العرب واليهود الغاصبين واستسلم علَناً لوجهة النظر الأمريكية والصهيونية، أما نجيب محفوظ فلعله صاحب أغرز إنتاج لأدب الانحلال والميوعة والحيوانية حتى لقب بـ (مورافيا) العرب (نسبة للكاتب الإيطالي المنحل ألبرتو مورافيا ) ومؤلفاته خزان ثري للأفلام والمسلسلات الخليعة وأعملت معول الهدم في عقول الشباب واستهانت بالأخلاق والقيم، فربما هذا ما رشحه لنيل الجائزة (لا ننسى مدى التكريم الذي يحظى به الكتاب الفرنكوفونيون في المغرب العربي  في الأوساط الأدبية الأوروبية والجوائز الكبرى مثل "قونكور" التي تكرموا بها على بعضهم في عز معركة الهوية التي أثاروها وأججوا نارها)

 

   فالمسلمون _ومعهم العالم المتخلف_ لا يتشرفون بجائزة نوبل إلا قليلاً بسبب قصورهم العلمي والثقافي، في حين ينعم الغرب بالغلبة الفكرية مما يعطيه الحق في سن المقاييس والموازين وفرضها على العالم وإذاً بدل أن نشتكي من الحيف علينا أن نكتسب الشوكة الفكرية فهي وحدها التي تجعل لنا مكاناً بين الأمم الراقية ونكون حينذاك أهلا لنيل جائزة نوبل، بل نستقل بإنشاء جوائز نضمنها خصائصنا وقيمنا كما كان لنا ذلك أيام حضارتنا المزدهرة.

     نذكر أن المصري أحمد زويل قد نال جائزة الكيمياء سنة 1999

بعض من حازوا على الجائزة

   من أجل ربط القارئ بحقائق القرن السابق وإطلاعه على بعض الرجال الذين اشتهروا فيه نورد بعض أسماء الفائزين بجائزة نوبل في مختلف المجالات مقتصرين على الأسماء الأكثر شهرة حسب تقديرنا:

1.جائزة نوبل للفيزياء: بيار وماري كوري لاكتشاف الراديوم، جائزة 1903 (وهما فرنسيان).

-       ألبير أينشتاين (ألمانيا) سنة 1921 وهو صاحب نظرية النسبية.

2.جائزة نوبل للطب والفيزيولوجيا:

ألكسيس كريل (فرنسا) سنة 1912 (له نظريات رائدة في الأنسجة وهو صاحب كتاب الإنسان ذلك المجهول.)

3.جائزة نوبل للأدب: روديار كبلنغ (بريطانيا) سنة 1907 صاحب كتاب الأدغال وكان يتغنى في كتبه بقيم الأمبريالية الأنجلوسكسونية.

-       تاغور (الهند) 1913 وهو شاعر روحاني مشهور.

-       هنري برغسون (فرنسا) 1927 وهو فيلسوف تناول الأخلاق والدين.

-       أندري جيد (فرنسا) 1947 وهو كاتب شيوعي مشهور صاحب كتاب الباب الضيق.

-       ويليام فولكنر (أمريكا) 1949، صاحب رمزية وبسيكولوجية ومن أشهر رواياته الضجيج والغضب.

-       برتراند رسل (بريطانيا) 1950 وهو من مناضلي السلم العالمي.

-       ونستن شرشل (رئيس الحكومة البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية) 1953 وكان أديباً.

-       أرنست همنغوي (أمريكا) 1954 له "لمن تقرع الأجراس" و "العجوز والبحر".

-       ألبير كامو (فرنسا) 1957 وهو يساري من مواليد الجزائر صاحب الروايتين الشهيرتين "الطاعون" و "الغريب" كان مناهضاً للثورة الجزائرية.

-       جان بول سارتر (فرنسا) 1964 وقد رفض تسلم الجائزة ، وهو رأس الوجودية.

-       ألكسندر سولجنتسين (الاتحاد السوفياتي) 1970 من أشهر المنشقين عن النظام الشيوعي.

-       بابلو نيرودا (الشيلي) 1971 وهو شاعر ثائر

4.جائزة نوبل للسلام :

 

-تيودور روزفلت:الرئيس الأمريكي ، منحت له في 1906 مع أن سياسته كانت عدوانية توسعية وكان وراء التدخل الأمريكي في بنما وسان دييغو والفلبين

- لجنة الصليب الأحمر الدولي 1944 و 1963

- منظمة أمنستي لحقوق الإنسان 1977

أندري سخاروف (الإتحاد السوفييتي) 1975 وهو فيزيائي صهيوني ومنشق مشهور

      ونشير في الأخير إلى استحداث جائزة نوبل للاقتصاد في 1969

 

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية